خلق النبي صلى الله عليه وسلم قبل النبوة:
لا شك أن الله تعالى أنشأه نشأة صالحة، حيث اختاره لحمل النبوة ولحمل الرسالة ولتبليغ هذه الشريعة، وهذه الجبلة وهذا الخُلُق أدى به إلى أن يشتهر بين أهل مكة بالصدق والأمانة، فكانوا يسمونه الأمين، وكانوا يودعون عنده ودائع وأمانات لأجل أن يحفظها، وهذا اسم شريف يدل على رفعة له كما أن الله تعالى اختار له الاسم الحسن الذي هو "محمد"، فإنه سمي به لكثرة خصاله الحميدة هذا من أمانته بحيث كثُرت عنده الودائع والأمانات التي يودعها عنده أهل مكة، ولذلك لما هاجر وكل عليًا رضي الله عنه ليؤدي ما عنده من الأمانات والودائع إلى أهلها وهو يعرفهم، مع أنهم من أهل مكة هذا من اختيار الله له حيث جعله أمينا على هذه الودائع ونحوها وبذلك يكون أهلاً لحمل الرسالة ولأدائها كما أمر، فقد بلغ الرسالة التي أرسل بها وذلك من أمانته كما أمره الله بقوله: (بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ)المائدة:67.
فبلغ كل شي أمر به وما كتم منه شيئًا حتى ما يختص به مما قد يكون فيه شي من العتاب، مثل قوله تعالى في قصة زيد: (وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ)الأحزاب:37. يعني عندما أمره بأن يمسك زوجته مع أن الحكمة تقتضي انه يطلقها حتى ينكحها النبي صلى الله عليه وسلم قطعا لما كان عليه أهل الجاهلية ولذلك قال تعالى: (لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ)الأحزاب:37. ولذلك عاتبه الله بقوله: (وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ) فتقول عائشة: "لو كتم النبي صلى الله عليه وسلم شيئًا من الوحيين لكتم هذه الآية"
وكذلك قوله تعالى: (وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنْ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِي عَلَيْنَا غَيْرَهُ)الإسراء:73. هذه الآية أيضا فيها شيئًا من الإنكار عليه ولكنه بينها وقرأها للناس وكتبت مع أن الله تعالى حماه أن يفتنوه عن شي من الوحي الذي أنزل عليه ومثلها أول سورة عبس في قوله تعالى:
(عَبَسَ وَتَوَلَّى (1) أَنْ جَاءَهُ الأَعْمَى) عبس:1-2. لما جاءه ابن أم مكتوم وكان عنده بعض أكابر قريش وطمع في إيمانهم فلم يلتفت إلى ابن أم مكتوم وهو لا يعلم فعاتبه الله في هذه الآية ولم يكتمها فكل ذلك دليل على أمانته حيث كان أمينا في الجاهلية وكذلك أمينا على وحي الله سبحانه
يتبع