
28-10-2009, 01:03 AM
|
 |
مراقبة الملتقيات
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2009
مكان الإقامة: أبو ظبي
الجنس :
المشاركات: 13,883
الدولة :
|
|
رد: كيف دخل التتـر بلاد المسلمين ؟
ثالثا:غزو التتـر ومآسيهم في بلاد المسلمين:
وقطعت جهيزة قول كل خطيب، وبينما السلطان الخوارزمي ومن حوله يتشاورون بشأن التتر إذ ورد رسول جنكز خان ومعه جماعة يتهدد خوارزم شاه ويقول: "تقتلون أصحابي وتجاري وتأخذون مالي منهم، استعدوا للحرب فإني واصل إليكم بجمع لا قبل لكم به".
فلما سمع خوارزم شاه الرسالة أمر بالرسول فقتل، وأمر بحلق لحى الجماعة الذين كانوا معه، وأعادهم إلى صاحبهم جنكز خان يخبرونه بما فعل بالرسول ويقولون له: إن خوارزم شاه يقول لك: أنا سائر إليك ولو أنك في آخر الدنيا حتى أنتقم وأفعل بك كما فعلت بأصحابك.
وبالفعل تجهز خوارزم شاه، وسار بعد الرسول مبادرا ليكسبهم وسار أربعة أشهر حتى وصل إلى بيوتهم فلم يجد فيها إلا النساء والصبيان والأثقال فأوقع بهم وغنم الجميع وسبى النساء والذرية.
وكـان غيبة التتـر الكفار عـن بيوتهم أنهم ساروا إلى محاربـة ملك من ملوك التـرك يقـال له كشلوخـان، فقاتلـوه وهزمـوه – كـما سبـق
البيان – فلقيهم في الطريق خبر خوارزم شاه وما صنع بمخلفيهم، فجدوا السير فأدركوه قبل أن يخرج عن بيوتهم فتصافوا واقتتلوا قتالا عظيما لم يسمع بمثله، مدته ثلاثة أيام، وأحصي من قتل من المسلمين في هذه الوقعة فكانوا عشرين ألفا، وأما من الكفار فلا يحصى من قتل منهم، وجرت الدماء غزيرة على الأرض حتى كانت الخيل تزلق فيه منكثرته([1]).
1- مأساة التتـر في بخارى المسلمة:
عاد المسلمون بعد هذه المنازلة إلى بخارى وطلب إليهم خوارزم شاه التحصن بها وحمايتها ريثما يعد العدة للتتـر من خوارزم وخرسان، ولكن هؤلاء التتـر عاجلوا المسلمين بالتوجه إلى بخارى وحين وصلوها حاصروها واقتتلوا مع حاميتها قتالا شديدا على مدى ثلاثة أيام فر على أثرها العسكر الخوارزمي إلى خراسان حين أحسوا أنه لا طاقة لهم بهؤلاء التتـر. واشتد الأمر على أهل بخارى حين أصبحوا وقد ترك العسكر الخوارزميـون مواقعهم فارين إلى خراسـان، ولم يكن أمام أهل البلد إلا أن يطلبوا الأمان، فأعطوا الأمان بواسطة أحد القضاة (بدر الدين قاضي خان). وعلى إثـر ذلك فتحت أبـواب المدينـة في الرابع من ذي الحجة عام ست عشـرة وستمائة،
فدخل التتـر الكفار بخارى المسلمة وأظهروا لأهلها العدل حسن السيرة، ثم توجه ((جنكز خان)) إلى القلعة التي احتمى بها طائفة من العسكر كانوا نحوا من أربعمائة فارس لم يتمكنوا من الهرب مع أصحابهم، وطلب جنكز خان من أهل البلد الخروج معه لمحاصرة هذه القلعة ومن تخلف قتـل، فكانت تلك بداية الإستخفاف والإستذلال لأهل بخارى، فخرجوا خوفا من بطشه، وأمرهم بردم الخندق المحيط بالقلعـة ففعلوا وبلغ من سوء التتـر واستهتارهم أن استخدموا كل شيء في ردم هذا الخندق حتى ألقيت المنابـر وريعات القرآن في الخنـدق.
وبعد جهد جهيد وقتال مرير، دخل جنكز خان وأصحابه القلعة وقتلوا من بقي بها من جند المسلمين الذين أصروا على الدفاع عن القلعة بكل ما يملكون وحتى آخر لحظة !
وقل توقفت مأسـاة التتـر ببخـارى عند هذا الحـد ؟ كلا، فحين فرغوا من القلعة طلب جنكز خان أن يُكتب له وجوه القوم ورؤساؤهم، فلما عُرضوا عليه أمر بإحضارهم فحضـروا، وطلب منهم إحضار ((النقـرة)) التي باعهم إياها خوارزم شـاه وقد أخذت من تجار التتـر – كمـا سبق البيـان – فأحضر كل من كان عنده شيء منها بين يدي ((جنكـز خان)) ثم أمرهم بالخروج من البلـد فخرجوا مجردين من أموالهم ليس مع أحد منهم غير ثيابه التي عليه، ودخل الكفـار البلـد فنهبوه وقتلوا من وجدوا فيه، وأحاطـوا بالمسلمين فاقتسمـوهم ونسائهـم، وكان يومـا شديـدا على
المسلمين حتى قال ابن الأثير: وكان يوما عظيما من كثرة البكـاء من الرجال والنساء والولدان ... وتفـرق المسلمـون قددا وتمزقوا كل ممزق، وأصبحت بخارى خاوية على عروشها كأن لم تغن بالأمس، وارتكبوا من النساء العظيم والناس ينظرون ولا يقدرون على فعل شيء، ورضي بعض المسلمين بالموت دون ذلك فقاتلوا حتى قتلوا؛ ومن هؤلاء الفقيه الإمام ((ركن الدين إمام زاده)) وولده، وكذلك فعل القاضي ((صدر الدين خان))، ومن استسلم أخذ أسيرا. ولم يرحل التتـر عن بخارى حتى ألقـوا النار في البلد والمدارس والمساجـد وعذبوا الناس بأنواع العذاب في طلب المال - فإنا لله وإنا إليه راجعـون([2]).
2- مأساة التتـر في سمرقنـد:
ولم تقف المأسـاة عند حدود بخارى، بل رحل هؤلاء التتـر الرعـاع إلى سمرقنـد يستصحبون معهم من سلم من أهل بخارى أسارى ويسوقونهم مشاة على أقبح صـورة وكأنهم قطيع من الغنم، فكل من أعيا وعجز عن المشـي قتلوه.
فلمـا قاربوا سمرقنـد قدمـوا الخيالة وتركوا الرجالة والأسارى والأثـقال وراءهم حتى تقدمـوا شيئا فشيئـا ليكـون أرعب لقلـوب المسلمين فلمـا رأى أهل البلد سوادهم استعظمـوه فلما كان اليـوم
الثاني وصل الأسارى والرجالة والأثقال ومع كل عشرة من الأسارى علم، فظن أهل البلد أن الجميع عساكر مقاتلة. وأحاطوا بالبلد وفيه خمسون ألف مقاتل من الخوارزمية، وأما عامة البلد فلا يحصون كثرة فخرج إليهم شجعان أهله وأهل الجلد والقوة رجالة، ولم يخرج معهم من العسكر الخوارزمي أحد لما في قلوبهم من خوف هؤلاء الملاعين، فقاتلهم الرجالة بظاهر البلد فلم يزل التتـر يتأخرون وأهل البلد يتبعونهم ويطمعون فيهم، وكان الكفار التتـر قد كمنوا لهم كمينا، فلما جاوزوا الكمين خرج عليهم وحال بينهم وبين البلد، ورجع الباقون الذين أنشبوا القتال أولا فبقوا في الوسط وأخذهم السيف من كل جانب فلم يسلم منهم أحد؛ قتلوا عن آخرهم شهداء رضي الله عنهم وكانوا سبعين ألفا على ما نقل ابن الأثير([3]).
فلما رأى الباقون من الجند والعامة – في سمرقنـد - ذلك ضعفت نفوسهم وأيقنوا بالهلاك فقال الجند – وكانوا أتـراكا -: نحن من جنس هؤلاء ولا يقتلوننا، فطلبوا الأمان فأجيبـوا إلى ذلك ففتحوا أبواب البلـد ولم يقدر العامة على منعهم، وخرجوا إلى الكفـار بأهلهم وأموالهم، فقال لهم الكفـار: ادفعوا إلينا سلاحكم وأموالكم ودوابكم ونحن نسيركم إلى مأمنكم، ففعلوا ذلك، فلما أخذوا أسلحتهم ودوابهم وضعـوا السيـف فيهم وقتلوهم عن آخـرهم،
وأخذوا أموالهم ودوابهـم ونسائهم.
ثم نادوا – في اليوم الرابع – في البلد أن يخرج أهله جميعهم ومن تأخر قتلوه فخرج جميع الرجال والنساء والصبيان ففعلوا معهم مثل ما فعلوا مع أهل بخارى من النهب والقتل والسبي والفساد، وأحرقوا الجامع، وافتضوا الأبكار، وعذبوا الناس بأنواع العذاب في طلب المال، وقتلوا من لم يصلح للسبي، وكان ذلك في المحرم سنة سبع عشرة وستمائة للهجرة فلا حول ولا قوة إلا بالله([4]).
3- مآسـي وأحـداث أخر:
ولم تكن فاجعة التتـار لتنتهي عند حدود هاتين المدينتين من مدن العالم الإسلامي رغم ما فيهما من مآسـي وأحزان تكفي الواحدة منهما لتكون ملحمة ترويها الأجيال، ويتعب في سبيل تدوين أحداثها المؤرخون والكتاب، لكن الفاجعة سرت في الأقطار الإسلامية سريان النار في الهشيم، فإثر أحداث سمرقنـد سيّـر ((جنكز خان)) مجموعة من جنده يقال لهم ((المغربة)) لأنهم ساروا إلى ((غرب خرسان)) في طلب ((خوارزم شاه)) وقال لهم: ((اطلبوا خوارزم شاه أين كان ولو تعلق بالسماء حتى تدركوه وتأخذوه)).
وسـار هؤلاء يقطعـون الفيـافي والقفـاز ويحتالـون على عبور الميـاه
والأنهار، وحين اعترضتهم المياه الخمسة في ((ينج آب)) ولم يجدوا سفينة يعبرون عليها عمدوا إلى عمل أحواض من الخشب وألبسوها جلود البقر لئلا يدخلها الماء، ووضعوا فيها سلاحهم وأمتعتهم وألقوا الخيل في الماء وأمسكوا أذنابها، وتلك الحياض من الخشب مشدودة إليهم، فكان الفرس يجذب الرجل، والرجل يجذب الحوض المملوء من السلاح وغيره، فعبروا كلهم دفعة واحدة، فلم يشعر خوارزم شاه إلا وقد صاروا معه على أرض واحدة([5]).
ومع أن المسلمين قد ملئوا رعبا من هؤلاء إلا أنهم كانوا يتماسكون بسبب أن نهر ((جيحون)) يحجز بينهم، فلما عبروه إليهم لم يقدروا على الثبات، وواصل التتـر مسيرهم وفسادهم؛ يرحلون من بلد إلى آخر وقل أن تسلم بلدة من شرهم، وعاثوا فسادا في نيسابور، وما زندران، والري وهمذان، وأذربيجان، وإربل وغيرها من بلاد المسلمين.
وكان للتتـر عوائد سيئة وجبارة، وحيل ماكرة وخبيثة؛ فمن عوائدهم أنهم إذا قصدوا مدينة ورأوا مناعتها عدلوا عنها إلى غيرها، ومنها أنهم إذا قاتلوا مدينة قدموا من معهم من أسارى المسلمين بين أيديهم يزحفون ويقاتلون فإن عادوا قتلوهم فكانوا يقاتلون كرها([6]).
وكانوا يتقون بهؤلاء الأسارى من الرمي وغيره، ومن سلم منهم قتلوه بعد انقضاء الحرب([7]).
وأسوأ من ذلك أنهم يستخدمون الأسارى أداة في استخراج المختفين من بطشهم، فكانوا يقولون للأسرى نادوا في الدروب أن التتـر قد رحلوا، فإذا نادى أولئك خرج من اختفى فيؤخذ ويقتل([8]).
وهل أسوأ من هذا وأذل ؟ وقد تركت هذه الأحداث المؤلمة أثرها وخلفت حالة من الرعب والهلع عمّ الناس كلهم – إلا من رحم الله -، وأصيبوا بالضعف والمسكنة والمذلة والهوان، ويكفي شاهدا على ذلك ما سطره المؤرخون المعاصرون للحدث وغيرهم؛ فقد نقل ابن الأثير رحمه الله أن رجلا من التتـر دخل دربا فيه مائة رجل، فما زال يقتلهم واحدا واحدا حتى أفناهم ولم يمد أحد يده إليه بسوء([9]). وأن آخر من التتـر أخذ رجلا ولم يكن مع التتري ما يقتله به فقال له: ضع رأسك على الأرض ولا تبرح، فوضع رأسه على الأرض حتى جاء التتري بسيف وقتله به([10]).
قال ابن الأثير: بلغني أن امرأة من التتـر دخلت دارا وقتلت جماعة من أهلها وهم يظنونها رجلا فوضعت السلاح وإذا هي امرأة فقتلها رجل أخذته أسيرا([11]).
وقال: وحكى لي رجل قال: كنت أنا ومعي سبعة عشر رجلا في طريق، فجاءنا فارس من التتـر، وقال لنا: حتى يكتف بعضنا بعضا فشرع أصحابي يفعلون ما أمرهم فقلت لهم: هذا واحد فلم لا نقتله ونهرب ؟ فقالوا: نخاف، فقلت: هذا يريد قتلكم الساعة فنحن نقتله فلعل الله يخلصنا، فوالله ما جسر أحد أن يفعل فأخذت سكينا وقتلته وهربنا فنجونا. هذه حكاية يرويها ابن الأثير عن شاهد عيان، ثم يعلق عليها بقوله: وأمثال هذا كثير([12]).
وقال أيضا: ووصل الخبر إلينا ونحن بالموصل أن التتـر ارتحلوا من مدينة ((مراغة)) خوفا من السيف([13]).
أما أهل إربل فضاقوا بذلك ذرعا وقالوا هذا يوم عصيب([14]).
وما بالهم لا يخافون، ولم لا يكون الفـزع بشكـل عـام من هـذه
الأمة المتوحشـة الظالمة، وقد أحـصى بعض المؤرخين ما قتلوه في يوم واحد في مدينة واحده وهي ((مـرو)) فبلغ سبعمائـة ألف إنسـان([15]) !!!
([1]) الكامل 12\363، 364.
([2]) انظر: الكامل لإبن لأثير 12\365-367.
([3]) الكامل 12\367، 368.
([4]) الكامل: 12\368.
([5]) الكامل 12\369.
([6]) الكامل 12\377.
([7]) البداية والنهاية 13\87.
([8]) المصدر السابق 12\378.
([9]) الكامل 12\378، 500.
([10]) المصدر السابق 12\501.
([11]) الكامل 12\378.
([12]) المصدر السابق نفسه 12\501.
([13]) المصدر السابق نفسه 12\378.
([14]) البداية والنهاية 13\86.
([15]) البداية والنهاية: 13\87.
|