عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 05-10-2009, 09:19 PM
الصورة الرمزية وليد نوح
وليد نوح وليد نوح غير متصل
مشرف ملتقى اللغة العربية
 
تاريخ التسجيل: Aug 2007
مكان الإقامة: الرياض
الجنس :
المشاركات: 1,482
الدولة : Syria
افتراضي استنزاف المرضى في المهن الطبية....ونصائح كي لا تكون الضحية


بسم الله الرحمن الرحيم

يكثر الحديث عن استنزاف المرضى في العيادات و المستشفيات الخاصة، بدليل أو دون دليل، فما حقيقة ذلك؟

مقدمة بين يدي البحث:

كي لا يزكي أحدٌ نفسَه، و لا يظهر البحث كاختصاص لفئة معينة من المجتمع بمفسدة ضياع الأمانة، أحب أن أذكرَ بأن ضياع الأمانة مرضٌ أصاب المجتمع بكل فئاته، و بدرجات مختلفة ضمن الفئة الواحدة:

- فالمدرسُ الذي يخفي معلومات عن تلاميذه في المدرسة ليضطرهم إلى الدروس الخصوصية في بيته...فاقد للأمانة.
- و الميكانيكي الذي يدَّعي وجود عطل كبير في سيارة زبونه، و يغير قطعًا لا تحتاج التغيير ...فاقد للأمانة.
- و المهندس الذي يتلاعب بمواد البناء بما يفيد جيبه فقط، مخاطرًا بأرواح الأبرياء.... فاقد للأمانة.

و موضوعنا اليوم عن رجل آخر فاقد للأمانة، وهو الطبيب إذا لم يعرف تقوى الله.

يسأل البعض: هل يمكن أن يطلب الطبيبُ من المريضِ إجراء فحوص مختبرية و شعاعية، أو حتى عمليات جراحية، وهو غير محتاج لها؟

الجواب في غاية التعقيد، و ليس بالإيجاب أو السلب ببساطة، كما أن دواعيه تختلف من بلد إلى آخر.

سأبدأ من الخليج العربي إذ أعرف أن النظام الطبي متشابه تقريبًا بين دوله:

إن السبب الرئيس في جعل المريض ضحية للمراكز الطبية الخاصة، هو وزارات العمل بالدرجة الأولى، و ذلك لأنها تسمح بتوثيق ما لا يرضي الله من الإغراءات التي يقدمها أصحاب المال الخليجيين للتعاقد مع أطباء من الدول الأخرى كبلاد الشام و مصر، أو الأجانب أيضًا (ولو أن أهل بلاد الشام و المغرب العربي يُسَمَّون أيضًا "أجانب" في دول الخليج العربي).

ففي عقود العمل مع الأطباء، ما يسمى "النسبة المئوية" وهي أن الطبيب إذا طلب تحاليل و فحوصًا شعاعية من المريض فله نسبة من عائدات المركز مما يدفعه المريض مقابل هذه الفحوص، و تصل النسبة هذه من 5-10% و ربما تزيد.

ينقسم الأطباء أمام النسبة المئوية إلى ثلاثة أقسام سأقدر نسبهم تقديرًا كرأي شخصي:

القسم الأول: لا يكاد يُذكر، و لن أمنحه 1%، و هذا القسم ينكر هذه النسبة و لا يقبلها لحرمتها شرعًا.

القسم الثاني: 20% ، وهو على النقيض من القسم الأول، ويحاول بسببها تكليف المريضِ بما يُطاق و ما لا يُطاق، كي يجمع منه أكبر قدر ممكن من المال، و هذا النوع عديم الدين، فاقد الضمير تمامًا، و في كل مهنة يوجد نسبة من الناس على هذه الشاكلة.

القسم الثالث: 80% في هذا القسم يُقنع الأطباءُ أنفُسَهم بأنهم لا يقيمون اعتبارًا لهذه النسبة المئوية عندما يطلبون الفحوصات المختلفة لأنهم ملتزمون، أو أصحاب ضمير حي (من غير الملتزمين)، وهذا القسم هو محل البحث فقط، فالقسم الثاني عديم الدين هو نوع من الإجرام فحسب، وعلى المريض أن يتحرى الطبيب الملتزم، ولو لم يكن هذا بالأمر السهل.

عندما يبالغ الطبيبُ في طلب التحاليل و الصور فهو يفعل ذلك انطلاقـًا من واحد أو أكثر من الأمور (أو الوساوس) التالية:

1- "المراجع الطبية الكبرى تقول إن هذه الحالة المرضية يجب أن تُطلب فيها قائمة طويلة من الاستقصاءات لأن حقيقة الحالة قد تكون....أو تكون.... بنسبة 1-2 بالألف" فالطبيب هنا بطلباته الكثيرة يستند إلى مرجعيات طبية صحيحة نظريًا، وعلميًا، و لكنها تنحي خبرة الطبيب جانبًا، كما إنها موجهة إلى مجتمع غربي تدفع فيه شركاتُ التأمين كلَّ شيء، وليست موجهة إلى مجتمعنا الذي قد يضطر فيه المريض إلى الاستدانة، و يبقى مدينًا لفترة طويلة بسبب مرض واحد.

و أقصد من هذا البند أيضًا أننا لا نستطيع أن ننصح الطبيبَ الذي يبالغ في طلب الاستقصاءات، لأنه سيجد أدلة علمية من مراجع كبرى تؤيده فيما فعل، ولكنها لا تناسب مجتمعنا، و سيُسَفِّه هذا الكلامَ الذي أقول.

2- يقول في نفسه: " توحي العلاماتُ أن المريضَ حالته عابرة وسليمة، ولكن ماذا لو تبيَّن أنه مصابٌ بشيء آخر؟ سأقع في قبضة القضاء الطبي، و سيلومونني على تقصيري في طلب الاستقصاءات، و حتى أهل المريض الذين أردتُ التخفيف عنهم سيلومونني.....هذه مشكلة المريض و يجب أن أبقى في الجانب السليم"
طبعًا هذا الكلام غير خاطئ، ولكن لولا النسبة المئوية، لتـَعَامَلَ الطبيبُ مع الحالات المختلفة بخبرته الطبية وبدون خوف.

3- قد يقول في نفسه أيضًا: " قال المريضُ لي: اطلب ما شئت من الفحوص الطبية، فالصحة أهم من المال" ويتناسى الطبيبُ هنا أن المريضَ يقصد أنه مستعد لعمل ما يشاء الطبيبُ من الفحوص التي تخدم حالته، وليس أية فحوص...

باختصار:

حصول الطبيب على منفعة مادية من الاستقصاءات الطبية التي يطلبها للمريض، يجعل المريض سلعة بيد الطبيب فاقد الدين و الضمير، ويجعل الطبيبَ الملتزمَ والمريضَ معًا ضحية لوساوس الشيطان إذ يدخل الشيطان في دماغ الطبيب ليقنعه بأن عليه الإكثار من طلب التحاليل و الصور، خوفـًا من القضاء الطبي، أو التزامًا بالمراجع الطبية الكبرى، أو التزامًا بطلب الأهل الذين يظنون أن دفع مبالغ أكبر يعني حرصًا أفضل على مريضهم، بينما هو هدرٌ للمال لا طائل منه.

خلاصة العرض:

يوجد فعلاً أطباء يطلبون استقصاءات لا داعي لها عمليًّا، منهم مجرمٌ يعلم ما يفعل، ومنهم من هو ضحية أيضًا.

المسؤولية على من؟:

1- وزارات العمل التي تسمح بتوثيق "النسبة المئوية".
2- أرباب العمل من أصحاب رؤوس الأموال الخليجيين الذين يجعلون من أبناء بلدهم ضحية لأطماعهم المادية، فيغرون بهم الأطباء المستقدمين، فضلاً عن أطباء البلد نفسه.
3- الأطباء الذين يستمعون إلى فتاوي الشيطان في هذه المسألة، و يصمون السمع عن فتاوي العلماء الأجلاء فيها.

- هل من سبيل للوقاية من هذا الاستنزاف؟

نعم، ثمة نصائح للمريض و أهله للتخفيف من هذه المشكلة:

1- ابحث عن الطبيب الملتزم، جهد الاستطاعة، فلعله يخاف الله فيك.

2- لا تكن عونـًا للشيطان على الطبيب، فهو بشرٌ مثلك،
فإذا قال الطبيب: (إن المريض بحاجة إلى بعض التحاليل والصور)
فلا تقل له وقد أخذتك الحَمِيَّة:
(نحن مستعدون لدفع أي مبلغ لقاء شفاء مريضنا، فاطلب ما تريد من استقصاءات دون حرج)
لأن هذه العبارة مدخل للشيطان إلى نفس الطبيب، ولكن قل له:
( أطلب ما تجد أن المريض بحاجة له، ويعيننا الله على تدبير المبلغ).

3- قد يكون تقديرك خاطئًا لصالح الطبيب أو ضده، و لذلك، و بقطع النظر عن تقييمك لالتزامه، عندما يبدأ الحديث عن الاستقصاءات، حاول أن تخبر الطبيب بِرِقة إنك ستجري هذه الاستقصاءات في مركز طبي آخر قريب من بيتك أو مدينتك، كي يعلم الطبيبُ أنه لن ينال أي نسبة مئوية من التحاليل التي سيطلبها، بل سيستفيد غيرُه من دونه، فيقللُ من الطلبات، أو يحاول إقناعك بإجرائها في مركزه (وهو سيتدخل شخصيًا لكي يخفف عنك المبلغ المطلوب)، فإن استطعت أن تتملص فهو أفضل، و إلا فتكون قد خففت من مصيبتك المادية بإجراء تخفيض معين من المبلغ المطلوب.
انتبه:
إذا رأيتَ أن معاملة الطبيب اختلفت بعد أن عَلِمَ أنك ستـُجري الاستقصاءات في غير مركزه، فاعلم أنه فاسد النية، فاطلب الطبَّ من غيره.

4- إذا أرسلك الطبيبُ لإجراء استقصاء معين في مركز طبي آخر محدد، فلا ترفض فورًا، ولكن عد لتعتذر هاتفيًا مثلاً عن عدم قدرتك مراجعة المركز المحدد، وتستأذنه بمراجعة مركز آخر مشابه.

في الواقع، يرسل الطبيبُ المريضَ أحيانًا إلى مركز محدد لثقته بنتائجه فقط، ولكنني أعلم أن نسبة هؤلاء قليلة، على الأقل في دول الخليج العربي التي يقوم فيها الطب على النسب المئوية المتبادلة، أي تقاسم كعكة تُسمى "المريض" في زمن تراجع فيه الوازع الديني.

هذا هو القسم الأول من موضوعي عن استنزاف المرضى، وهو خاص بدول الخليج العربي، وبعد سماع آراء، واستفسارات، واعتراضات الإخوة و الأخوات، سأذكر بعض النقاط الإضافية الخاصة بمهنة الطب في الدول العربية الأخرى كمصر وبلاد الشام.

نسأل الله الهداية لنا و لجميع المسلمين، ولا نزكي أنفسنا، فالله هو العالم بحقيقة تقوانا، و نياتنا.
حفظكم الله من كل سوء.
__________________
***************************
غائب... ولعلّي أعود ...

قبضتُ على الطفيلية التي تـُفسدُ موضوعاتِك سرًا...أدخل لتعرفها

***********
رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 24.22 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 23.59 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.59%)]