رد: غزوه بدر الكبري تأملات وخواطر تربويه
ما زلنا مع بعض الدروس التربوية من أحداث غزوة بدر الكبرى .......ولو تدبرنا قول الله تعالى :
قال تعالى: ( إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِّنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ )
لما نظم صلى الله عليه وسلم صفوف جيشه وأصدر أوامره لهم وحرضهم على القتال رجع إلى العريش الذي بُني له ومعه صاحبه أبو بكر , وسعد بن معاذ على باب العريش لحراسته وهو شاهر سيفه واتجه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ربه يدعوه ويناشده النصر الذي وعده ويقول في دعائه:
«اللهم أنجز لي ما وعدتني، اللهم إن تهلك هذه العصابة من أهل الإسلام فلا تُعبد في الأرض أبدًا» وما زال صلى الله عليه وسلم يدعو ويستغيث حتى سقط رداؤه،
فأخذه أبو بكر ورده على منكبيه وهو يقول: يا رسول الله كفاك مناشدتك ربك فإنه منجز لك ما وعدك فأنزل الله عز وجل: ( إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ ) وفي رواية ابن عباس قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم يوم بدر: «اللهم أنشدك عهدك ووعدك، اللهم إن شئت لم تعبد» فأخذ أبو بكر بيده فقال: حسبك الله فخرج صلى الله عليه وسلم وهو يقول: ( سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ ).
وروى ابن إسحاق: أنه صلى الله عليه وسلم قال: «اللهم هذه قريش قد أقبلت بخيلائها وفخرها تحادّك وتكذب رسولك، اللهم فنصرك الذي وعدتني».
وهذا درس رباني مهم لكل قائد أو حاكم أو زعيم أو فرد في التجرد من النفس وحظها، والخلوص واللجوء لله وحده والسجود والجثي بين يدي الله سبحانهلكي ينزل نصره
ويبقى مشهد نبيه، وقد سقط رداؤه عن كتفه وهو مادٌّ يديه يستغيث بالله, يبقى هذا المشهد محفورًا بقلبه ووجدانه يحاول تنفيذه في مثل هذه الساعات وفي مثل هذه المواطن حيث تناط به المسئولية وتلقى عليه أعباء القيادة
لا يجب أن يغفل أبناء الحركة الإسلامية عن الدعاء والإستغاثه والإلحاح عليه سبحانه وتعالى ........والدعاء الذى نريده هو ما جاء بالوصف القرآنى الإستغاثه وهو ما فعله الرسول صلى الله عليه وسلم من مناجاه وإلحاح عليه سبحانه وتعالى
الدعاء المراد هو دعاء المضطر دعاء من فقد الأسباب ......لو أشرف إنسان على الغرق بسفينه لدعى الله عز وجل بحراره ولكن قلبه ما زال معلقا بالسفينة كسبب قد ينقذه من الغرق
فإذا شارفت السفينة على الغرق ولم تبقى إلا خشبه يتعلق بها الغريق لزاددت حرارة الدعاء وزادت الإستغاثة ولكنه ما زال قلبيا معلقا بالخشبة والتى قد تنقذه من الغرق
فإذا فقد الخشبه كيف سيكون دعائه هذا هو الدعاء والإستغاثه الذى نريد دعاء من فقد الأسباب دعاء الغريق الذى فقد الخشبه ......مع هذا فالحركة الإسلامية مطالبة بإتخاذ كافة الأسباب مع الدعاء والإستعانة بالله عز وجل
بعد أن دعا صلى الله عليه وسلم ربه في العريش واستغاث به خرج من العريش فأخذ قبضة من التراب وحصَبَ بها وجوه المشركين وقال: «شاهت الوجوه» ثم أمر صلى الله عليه وسلم أصحابه أن يصدقوا الحملة إثرها ففعلوا فأوصل الله تعالى تلك الحصباء إلى أعين المشركين فلم يبقَ أحد منهم إلا ناله منها ما شغله عن حاله ولهذا قال الله تعالى: ( وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللهَ رَمَى ) [الأنفال: 17]
ومعنى الآية: أن الله سبحانه أثبت لرسوله ابتداء الرمي، ونفى عنه الإيصال الذي لم يحصل برميته, فالرمي يراد به الحذف والإيصال فأثبت لنبيه الحذف، ونفى عنه الإيصال
ونلحظ أن الرسول صلى الله عليه وسلم أخذ بالأسباب المادية والمعنوية وتوكل على الله، فكان النصر والتأييد من الله تعالى، فقد اجتمع في بدر الأخذ بالأسباب بالقدر الممكن مع التوفيق الرباني في تهيئة جميع أسباب النصر متعاونة متكافئة مع التأييدات الربانية الخارقة والغيبية
ففي عالم الأسباب تشكل دراسة الأرض والطقس ووجود القيادة والثقة بها والروح المعنوية لبنات أساسية في صحة القرار العسكري ولقد كانت الأرض لصالح المسلمين وكان الطقس مناسبًا للمعركة، والقيادة الرفيعة موجودة والثقة بها كبيرة والروح المعنوية مرتفعة
وبعض هذه المعاني كان من الله بشكل مباشر وتوفيقه وبعضها كان من فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذًا بالأسباب المطلوبة فتضافر الأخذ بالأسباب مع توفيق الله وزيد على ذلك التأييدات الغيبية والخارقة فكان ما كان وذلك نموذج على ما يعطاه المسلمون بفضل الله إذا ما صلحت النيات عند الجند والقادة ووجدت الاستقامة على أمر الله وأخذ المسلمون بالأسباب
__________________
مدونتي ميدان الحرية والعدالة
|