عند نزول الرسول صلى الله عليه وسلم بالجيش عند أدنى ماء من مياه بدر قام الحباب بن المنذر وقال يا رسول الله أرأيت هذا المنزل أمنزلا أنزلكه الله ليس لنا أن نتقدمه ولا نتأخر عنه ؟؟أم هو الرأى والحرب والمكيدة ؟؟؟....
قال صلى الله عليه وسلم إنما هى الحرب والمكيدة قال يا رسول الله فإن هذا ليس بمنزل فأنهض يا رسول الله بالناس حتى تأتى أدنى ماء من القوم فننزله ونغور ما وراءه من الأبار ثم نبنى عليه حوضا من الماء فنشرب ولا يشربون....فأخذ النبى صلى الله عليه وسلم برأيه
هذا الموقف يصور موقف من حياة الرسول صلى الله عليه وسلم مع أصحابه حيث كان أى فرد من أفراد الجماعة يدلى برأيه حتى فى أخطر القضايا ولا يكون فى شعوره أحتمال غضب القائد الأعلى ثم حصول ما يترتب على ذالك الغضب من تدنى سمعه صاحب المشورة وكونة سيكون ليس من أهل الثقة وتأخر فى صعوده أو توليه المناصب القيادية
هذه التربية من الرسول صلى الله عليه وسلم مكنت الجماعة المسلمة وقتها من الإستفاده من عقول جميع أهل الرأى السديد
القائد فيهم ينجح نجاحا باهرا وإن كان حديث السن لأنه كان يفكر بآراء جميع أفراد جنده وقد يحصل له الرأى السديد من أقلهم سمعة وأقلهم منزلة من ذالك القائد لأنه ليس هناك ما يحول بين أى فرد منهم والوصول برأية إلى القيادة
ونلحظ عظمة التربية النبوية التي سرت في شخص الحباب بن المنذر، فجعلته يتأدب أمام رسول الله صلى الله عليه وسلم فتقدم دون أن يُطلب رأيه، ليعرض الخطة التي لديه، لكن هذا تم بعد السؤال العظيم الذي قدمه بين يدي الرسول صلى الله عليه وسلم. يا رسول الله، أرأيت هذا المنزل أمنزلا أنزلكه الله ليس لنا أن نتقدمه ولا نتأخر عنه، أم هو الرأي والحرب والمكيدة؟
إن هذا السؤال ليشي بعظمة هذا الجوهر القيادي الفذ الذي يعرف أين يتكلم ومتى يتكلم بين يدي قائده، فإن كان الوحي هو الذي اختار هذا المنزل، فلأن يقدم فتقطع عنقه أحب إليه من أن يلفظ بكلمة واحدة، وإن كان الرأي البشري فلديه خطة جديدة كاملة باستراتيجية جديدة.
إن هذه النفسية الرفيعة عرفت أصول المشورة وأصول إبداء الرأي وأدركت مفهوم السمع والطاعة ومفهوم المناقشة ومفهوم عرض الرأي المعارض لرأي سيد ولد آدم عليه الصلاة والسلام.
وتبدو عظمة القيادة النبوية في استماعها للخطة الجديدة وتبني الخطة الجديدة المطروحة من جندي من جنودها أو قائد من قوادها
وفى نفس المفهوم الشورى وأهميتها تتجلى فى إستشاره النبى صلى الله عليه وسلم أصحابه بعد نجاة القافلة
عاد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «أشيروا عليَّ أيها الناس»، وكان إنما يقصد الأنصار؛ لأنهم غالبية جنده، ولأن بيعة العقبة الثانية لم تكن في ظاهرها ملزمة لهم بحماية الرسول صلى الله عليه وسلم خارج المدينة، وقد أدرك الصحابي سعد بن معاذ، وهو حامل لواء الأنصار،
مقصد النبي صلى الله عليه وسلم من ذلك فنهض قائلاً: «والله لكأنك تريدنا يا رسول الله؟ قال صلى الله عليه وسلم: «أجل». قال: (لقد آمنا بك وصدقناك، وشهدنا أن ما جئت به هو الحق، وأعطيناك على ذلك عهودنا ومواثيقنا على السمع والطاعة، فامض يا رسول الله لما أردت، فوالذي بعثك بالحق لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك، ما تخلف منا رجل واحد، وما نكره أن تلقى بنا عدونا غدًا، إنا لصبر في الحرب، صدق عند اللقاء، ولعل الله يريك منا ما تقر به عينك فسر على بركة الله
إن حرص النبي صلى الله عليه وسلم على استشارة أصحابه في الغزوات يدل على تأكيد أهمية الشورى بمفهومها الصحيح
يتبع ان شاء الله