بقلم السيد سليمان نور الله
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن والاه ، أما بعد ….
فتلك هي الطبعة الثانية من كتاب الشيعة في نظر أهل السنة والجماعة ، تأتي بعد الطبعة الأولى ، التي وفقنا الله تعالى إلى إخراجها أثناء الاعتداء اليهودي على لبنان ، وتصدي حزب الله الشيعي له ؛ حيث ثارت آراء شاذة في وقت عصيب تدعو إلى عدم موالاة إخواننا في الإسلام ، وعدم الدعاء لهم ؛ لا لشيء إلا أنهم من الشيعة الرافضة ، الذين يختلفون مع أهل السنة والجماعة في بعض المسائل الفرعية أو الأصولية ، ولأن هذه الدعوة غريبة وغير عادلة ، ومصادمة لمشاعر مئات الملايين من أهل السنة والجماعة ، الناقمين على حكامهم الموالين لليهود ، المفرقين لشمل الأمة ، المستقوين بالأعداء على إخوانهم في الله من الجيران الذين يتكلمون بألسنتنا ، ويدينون بعقيدتنا ، الساكتين على ما يحدث في فلسطين من تدمير وإبادة لأهل السنة والجماعة ، والزاجين بالدعاة والعلماء خلف أسوار السجون ؛ لذلك غلفوا دعوتهم بغلاف الدين ، محاولين تكفير الشيعة جملة ، وإخراجهم من حظيرة الإسلام ، عساهم يؤثرون في الناس ، ويقتلون في نفوسهم رابطة الحب في الله ، وفقه الولاء والبراء ، فتظل أمتنا مفككة ضائعة ، لا يلمها شمل ، ولا تجمعها قضية .
ولعل ذلك ناشئ من ورود الشبهات عليهم – فيما يتعلق بالشيعة – من خلال كتب الأقدمين من أهل السنة أو الشيعة ، التي وصفت فرقا منهم أوصافا توجب كفرهم وإخراجهم من ملة الإسلام ، وهذا حق لا مراء فيه ؛ لكن أين هؤلاء الموصوفون بتلك الصفات اليوم ؟ فالشيعة اليوم مع ما يشوبهم من بدع وضلال لم يصلوا إلى هذا الحد من الأوصاف المخرجة لهم عن دائرة الإسلام ، بخاصة أن للأغراض السياسية دورا كبيرا في تشويه الحقائق وإلباسها ثوب الباطل أو العكس .
ومن منة الله تعالى أن حظى هذا الكتاب بالقبول لدى العلماء والدعاة من أهل السنة الكرام ؛ لما فيه من موضوعية وعدم جور أو استخفاف ، ولم يعكر صفوَه تناولُ أحد طلاب العلم له بالنقد في شريط له سماه " حوار الطرش " ، وكنا نتمنى أن يكون النقد علميا مبنيا على أسس وقواعد منهجية ، وأدلة شرعية وعقلية ، مغلفة بأدب الحوار واحترام المخالف ، لكن الشريط من عنوانه يدل على خلاف ذلك ، أما مادة الشريط فمليئة بالتعدي والتجريح والخلو من أي دليل معتبر يصلح للرد على أيٍ من مادة هذا الكتاب ، مما يدل على أن الناقد تسرع في نقده قبل أن يستكمل أدوات العلم وآدابه ، أو الكتاب على عجالة ، فلم يتمكن من دراسة مادته دراسة واعية هادئة تتيح له معرفة مقصد الكتاب وسلامة أدلته التي استقيتها من أقوال أعلام أهل السنة والجماعة كالإمام الشافعي، والطبري، و أبي المظفر الإسفرايني ، وابن حزم ، وابن دقيق العيد ، وعبد العظيم المنذري ، والعز بن عبد السلام ، وابن تيمية ، والشاطبي ، والذهبي ، وابن حجر، وابن الوزير اليماني، والسيوطي ، وغيرهم رحمهم الله جميعا.
وقد طلب مني كثير من الفضلاء أن أرد عليه ، وأكشف الحقائق للناس ، لكنني آثرت ألا ينشغل الناس بالنقد والرد ، مما قد يلفتهم غالبا عن القضية الأم ، فلما سمعت الشريط المشار إليه وجدته خاليا من أي مادة علمية تستحق الرد أصلا ، بل هو نفسه يرد على نفسه ، يكفيه أنه تراجع عما صرح به من قبلُ بتكفير الشيعة ، وادعى أننا فهمناه خطأ ، وأنه لا يكفرهم ، وهذا خير ومن فضل الله علينا أن جعل من كتابنا " الشيعة في نظر أهل السنة والجماعة " سببا في أن الكثير ممن كان ينهج نهج التكفير بلا أدلة قد رجع عن معتقده الباطل .
وصاحب الشريط من أدبه الجم بعدما ذكر اسم الكتاب وذكر اسمي كاملا ، سبَّني في أكثر من موضع ؛ حيث اتهمني بالتدليس دون دليل، كما ادعى أنني ذكرت الشيخ ابن جبرين واعترضت عليه وانتقصت من قدره ، ثم أخذ يدافع عنه، ويعلم الله أنني برئي من ذلك، ولم أتصور الشيخ ابن جبرين حفظه الله تعالى في كتابي ، ولم أذكره بشيء كما أنني لم أطلع على مقاله عن الشيعة على موقعه الإلكتروني حتى خرج الكتاب من المطبعة . وأما من أشرت إليهم ممن ينسب إلى أهل العلم فهم آخرون لا داعي لذكرهم لأن القاصي والداني يعرفهم ، كما أن الشيخ ابن جبرين قد بين بعد ذلك أن فتواه قديمة تتعلق بموقف وظرف خاص ، وليست عامة في كل الشيعة ، مما أحبط أكبر دليل عند هؤلاء المتسرعين ، وجعل رأيهم هباء منثورا ، كما أن رأي الشيخ ابن جبرين يدل على اجتهاده الذي قد يصيب فيه أو يخطئ ، فليس معصوما من الخطأ ، ولا فوق النقد البرئ المنزه عن الحقد والهوى ، لذا ردَّ فتواه عددٌ من الأئمة وعلماء الأمة الأخيار .
وكان من مبلغ الأمانة العلمية للأخ صاحب الشريط المشار إليه أنه كان يقرأ من كتابي هذا في طبعته الأولى ، ثم تراه ينطق الجملة ويخفي ما بعدها من باب " لا تقربوا الصلاة " ومن ذلك :
عند تعريف الشيعة قال : إنه – يقصدني – قد عرف التشيع بمحبة علي ، وأردف ذلك بأنني لا أعرف أن الشيعة أنواع وأن منهم الرافضة . هكذا ادعى ، مع أنك لو قرأت الجملة التالية لِمَا قرأه هو لوجدتني قد فصلت أنواع الشيعة ومنهم الرافضة ، ثم إنني بدأت كلامي بـ : قال ابن حجر ، فالقول منسوب لابن حجر ، وليس لي ، لكنه لتعجله وعدم دقته نسبه لي ، ثم اجتزأ ما يعينه على تسجيل نقد غير برئ وتجاهل بقية الكلام ، كأن من سيقرأ معه الكتاب أعمى ، سيتجاهل ما تجاهله هو .
كما أنه عندما تعرض لمن روى لهم البخاري من الشيعة ، ذكر أحدهم وأوهم أنه من الزيدية ، ولم يأتي بدليله على نسبه هذا ، ونفى أن يكون البخاري قد روى للرافضة مع أنني في نفس الصفحة وقريبا ممن ذكر ذكرت أحد الرافضة الذين روى لهم البخاري ، وقول العلماء فيه ، لكنه لأمانته العلمية تغافل عن ذلك ، وأبشره في هذه الطبعة أنني حققت رافضيا آخر روى له البخاري في صلب الصحيح ، وترجمت لثمانية من غلاة الشيعة ومتشدديهم ممن روى لهم البخاري في صحيحه .
ومن أمانته العلمية أيضا أنه عند قراءته لما أوضحته من شبهة التوسل لديهم، قرأ ما كتبت في ذلك ، ثم عقب عليه بأنني لم أذكر من أي أنواع التوسل ذلك ، مع أنني وضعت لذلك عنوانا بالخط العريض: ( توسلهم بالنبي وآل بيته الأطهار ) ، والكلام عن الشيعة المعاصرين ، مما يفهم منه التوسل بعد موتهم ، لكن لله في خلقه شوؤن .
ومن ذلك اعتراضه على قولي في وصف صلاة الشيعة : (أو تقليدًا للنبي) حيث خطّأ كلمة (تقليدًا) ورأى أن الصواب أن يقال اتباع واقتداء ، وسيأتي في آخر الكتاب بيانُ وَهَمِه.
ولما لم يجد في كتابنا هذا ما يمكنه الرد عليه مما يخالف رأيه ، وصفني بأنني محام شاطر مستعد للدفاع عن أي قضية دون اعتبار للأصول والواجبات ، أو كما قال ، وأدبه هذا هو منتهى مبلغه من العلم في الرد على مخالفه ، فسامحه الله وغفر له .
هذا وقد خرج علماء الأمة الكبار يتكلمون عن الشيعة مثلما حققت في هذا الكتاب ، وحديث الشيخ العلامة الدكتور يوسف القرضاوي لقناة " دريم " الفضائية مشهور ، وكذلك كلام المحدث الفقيه الشيخ طه جابر العلواني ، والدكتور المؤرخ محمد عمارة في قناة " الجزيرة " ، وقد اخرج لنا فضيلة العلامة الأصولي الدكتور محمد سليم العوا كتابه القيم ( العلاقة بين السنة والشيعة ) يؤكد ما ذهبت إليه في كتابنا هذا .
كما وفقنا الله تعالى لإخراج هذه الطبعة الثانية من كتاب (الشيعة في نظر أهل السنة والجماعة) مزيدة من الأدلة والبراهين على ما ذهبنا إليه من عدم تكفيرهم إلا من ثبت عليه ما يوجب الكفر بشروطه ، وأضفت فيه تعريفات يسيرة بفرق الشيعة المختلفة ، كما توسعت في ترجمت من روى لهم البخاري منهم ، وترجمت لمن لم يُترجم له منهم في الطبعة الأولى ، كما توسعت في رد بعض الشبهات المتعلقة بهم ، وكذلك التحذير من خطرهم وكيدهم ، والإشارة إلى مشروع التقريب بين أهل السنة والشيعة.
ومن هذا ما أضفته في صلب الكتاب ، ومنه ما رددته إلى الحاشية ، حسبما يتطلب الأمر .
كل هذا وأنا أؤكد على بدعهم وضلالاتهم التي ينبغي أن تُحْذَرَ ، ويُنَبَّهَ عليها حتى لا يغترَ بهم عامةُ المسلمين ، كما أن من ساستهم من يشبه ساسة أهل السنة في الركون إلى الأعداء ، والعمل معهم لتقويض أمة الإسلام ، فينسحب عليهم ما ينسحب على هؤلاء في الحكم .
وأسأل الله سبحانه وتعالى أن يقبل منا هذا العمل وأن يجعله في ميزان أعمالنا يوم نلقاه ، كما أدعو لكل مخلص ساهم في إخراج هذا الكتاب للنور خدمة لأمة الإسلام وسعيا في سبيل نهضتها ووحدتها ، فبارك الله سعيهم ، وكلله بالتوفيق والنجاح .
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .