عرض مشاركة واحدة
  #5  
قديم 18-09-2009, 11:52 PM
الصورة الرمزية أم عبد الله
أم عبد الله أم عبد الله غير متصل
مراقبة الملتقيات
 
تاريخ التسجيل: Feb 2009
مكان الإقامة: أبو ظبي
الجنس :
المشاركات: 13,882
الدولة : Egypt
افتراضي رد: من روائع الحكمة لابن حزم

حد الصداقة الذي يدور على طرفي محدوده هو:

أن يكون المرء يسوءه ما يسوء الآخر ، ويسره ما يسره ، فما سفل عن هذا فليس صديقاً ، ومن حمل هذه الصفة فهو صديق ، وقد يكون المرء صديقاً لمن ليس صديقه.

وليس كل صديق ناصحاً ، لكن كل ناصح صديق فيما نصح فيه.

وحد النصيحة هو أن يسوء المرء ما ضر الآخر ، ساء ذلك الآخر أو لم يسؤه ، وأن يسره ما نفعه ، سر الآخر أو ساءه ، فهذا شرط في النصيحة زائد على شروط الصداقة.

وأقصى غايات الصداقة التي لا مزيد عليها من شاركك بنفسه ، وبماله لغير علة توجب ذلك ، وآثرك على من سواك.

ليس شيء من الفضائل أشبه بالرذائل من الاستكثار من الإخوان والأصدقاء ، فإن ذلك فضيلة تامة متركبة ؛ لأنهم لا يكتسبون إلا بالحلم ، والجود ، والصبر ، والوفاء .. والعفة ... وتعليم العلم ، وبكل حالة محمودة.

ولسنا نعني .. الأتباع أيام الحرمة ، فأولئك لصوص الإخوان وخبث الأصدقاء ، والذين يظن أنهم أولياء وليسوا كذلك.

ودليل ذلك انحرافهم عند انحراف الدنيا.

ولا نعني أيضاً المصادقين لبعض الأطماع ، .. والمتآلفين على النيل من أعراض الناس ، والأخذ في الفضول ، وما لا فائدة فيه ؛ فليس هؤلاء أصدقاء.

ودليل ذلك أن بعضهم ينال من بعض ، وينحرف عنه عند فقد تلك الرذائل التي جمعتهم ، وإنما نعني إخوان الصفاء لغير معنى إلا لله عز وجل ، إما للتناصر على بعض الفضائل الجدية ، وإما لنفس المحبة المجردة فقط.

ولكن إذا أحصيت عيوب الاستكثار منهم ، وصعوبة الحال في إرضائهم ، والغرر في مشاركتهم ، وما يلزمك من الحق لهم عند نكبة تعرض لهم ، فإن غدرت بهم أو أسلمتهم ، لؤمت وذممت ، وإن وفيت ؛ أضررت بنفسك ، وربما هلكت ، وهذا لا يرضى الفاضل بسواه إذا تنشب في الصداقة .

وإذا تفكرت في الهم بما يعرض لهم وفيهم من موت أو فراق أو غدر من يغدر منهم ؛ كاد السرور بهم لا يفي بالحزن الممض من أجلهم.

وليس في الرذائل أشبه بالفضائل من محبة المدح ، ودليل ذلك أنه في الوجه سخف ممن يرضى به ، وقد جاء في الأثر في المداحين ما جاء ، إلا أنه قد ينتفع به في الإقصار عن الشر والتزيد من الخير ، وفي أن يرغب في ذلك الخلق الممدوح من سمعه.

بعض أنواع النصيحة يشكل تمييزه من النميمة ؛ لأن من سمع إنساناً يذم آخر ظالماً له ، أو يكيده ظالماً له ؛ فكتم ذلك عن المقول فيه والمكيد ، كان الكاتم لذلك ظالماً مذموماً ، ثم إن أعلمه بذلك على وجهه كان ربما قد ولد على الذام والكائد ما لم يبلغه استحقاقه بعد من الأذى ؛ فيكون ظالماً له ، وليس من الحق أن يقتص من الظالم بأكثر من قدر ظلمه ، فالتخلص من هذا الباب صعب إلا على ذوي العقول.

والرأي للعاقل في مثل هذا ، إن يحفظ المقول فيه من القائل فقط ، دون أن يبلغه ما قال ، لئلا يقع في الاسترسال إليه فيهلك.

وأما في الكيد فالواجب أن يحفظه من الوجه الذي يكاد منه بألطف ما يقدر في الكتمان على الكائد ، وأبلغ ما يقدر في تحفيظ المكيد ، ولا يزد على هذا شيئاً.

وأما النميمة فهي التبليغ لما سمع مما لا ضرر فيه على المبلغ إليه ، وبالله التوفيق.

النصيحة مرتان:

فالأولى: فرض وديانة .

والثانية: تنبيه وتذكير .

وأما الثالثة: فتوبيخ وتقريع ، وليس وراء ذلك إلا التركل واللطام ، اللهم إلا في معاني الديانة ، فواجب على المرء ترداد النصح فيها رضي المنصوح أو سخط ، تأذى الناصح بذلك ، أو لم يتأذ.

وإذا نصحت فانصح سراً لا جهراً ، وبتعريض لا تصريح ، إلا أن لا يفهم المنصوح تعريضك ؛ فلا بد من التصريح.

ولا تنصح على شرط القبول منك ، فإذا تعديت هذه الوجوه = فأنت ظالم لا ناصح ، وطالب طاعة ، ومُلْك لا مؤدي حق أمانة وأُخوة.

وليس هذا حكم العقل ، ولا حكم الصداقة ، لكن حكم الأمير مع رعيته ، والسيد مع عبيده.

لا تكلف صديقك إلا مثل ما تبذل له من نفسك ، فإن طلبت أكثر ، فأنت ظالم.

ولا تكسب إلا على شرط الفقد .

ولا تتول إلا على شرط العزل ، وإلا فأنت مضر بنفسك خبيث السيرة.

من أردت قضاء حاجته بعد أن سألك إياها ، أو أردت ابتداءه بقضائها ، فلا تعمل له إلا ما يريد هو لا ما تريد أنت ، و إلا فأمسك ، فإن تعديت هذا كنت مسيئاً لا محسناً ، ومستحقاً للوم منه ومن غيره لا للشكر ، ومقتضياً للعداوة لا للصداقة.

لا تنقل إلى صديقك ما يؤلم نفسه ، ولا ينتفع بمعرفته ؛ فهذا فعل الأرذال.

ولا تكتمه ما يستضر بجهله ، فهذا فعل أهل الشر ، ولا يسرك أن تمدح بما ليس فيك ، بل ليعظم غمك بذلك ؛ لأنه نقصك ينبه الناس عليه ، ويسمعهم إياه ، وسخرية منك وهزؤ بك ، ولا يرضى بهذا إلا أحمق ضعيف العقل.

ولا تأس إن ذممت بما ليس فيك ؛ بل افرح به ، فإنه فضلك ينبه الناس عليه ، ولكن افرح إذا كان فيك ما تستحق به المدح ، وسواء مدحت به أو لم تمدح ، واحزن إذا كان فيك ما تستحق به الذم ، وسواء ذممت به أو لم تذم.

من سمع قائلاً يقول في امرأة صديقه قول سوء ، فلا يخبره بذلك أصلاً ، لا سيما إذا كان القائل عيابة ، وقاعاً في الناس سليط اللسان ، أو دافع معرة عن نفسه ، يريد أن يكثر أمثاله في الناس ، وهذا كثير موجود.

وبالجملة فلا يحدث الإنسان إلا بالحق ، وقول هذا القائل لا يدري أحق هو أم باطل ، إلا أنه في الديانة عظيم.

فإن سمع القول مستفيضاً من جماعة ، وعلم أن أصل ذلك القول شائع ، وليس راجعاً إلى قول إنسان واحد ، أو اطلع على حقيقته إلا أنه لا يقدر أن يوقف صديقه على ما وقف هو عليه ، فليخبره بذلك بينه وبينه في رفق ، وليقل له: النساء كثير ، أو حصن منزلك ، وثقف أهلك ، أو اجتنب أمراً كذا ، وتحفظ من وجه كذا.

فإن قبل المنصوح وتحرز فحظ نفسه أصاب ، وإن رآه لا يتحفظ ولا يبالي أمسك ، ولم يعاوده بكلمة ، وتمادى على صداقته إياه ، فليس في أن لا يصدقه في قوله ما يوجب قطيعته ، فإن اطلع على حقيقة وقدر أن يوقف صديقه على مثل ما وقف عليه هو من الحقيقة = ففرض عليه أن يخبره بذلك ، وأن يوقفه على الجلية. فإن غيّر فذلك ، وإن رآه لا يغير اجتنب صحبته ؛ فإنه رذل لا خير فيه ولا نقية.

ودخول رجل متستر في منزل المرء ، دليل سوء لا يحتاج إلى غيره.

ودخول المرأة في منزل رجل على سبيل التستر مثل ذلك أيضاً.

وطلب دليل أكثر من هذين سخف.

وواجب أن يجتنب مثل هذه المرأة وفراقها على كل حال ، وممسكها لا يبعد عن الدياثة .

الناس في أخلاقهم على سبع مراتب:

فطائفة تمدح في الوجه ، وتذم في المغيب ؛ وهذه صفة أهل النفاق من العيابين ، وهذا خلق فاش في الناس غالب عليهم .

وطائفة تذم في المشهد ، والمغيب، وهذه صفة أهل السلاطة والوقاحة من العيابين .

وطائفة تمدح في الوجه والمغيب ، وهذه صفة أهل الملق والطمع .

وطائفة تذم في المشهد ، وتمدح في المغيب ، وهذه صفة أهل السخف والنواكة.

وأما أهل الفضل فيمسكون عن المدح والذم في المشاهدة ، ويثنون بالخير في المغيب ، أو يمسكون عن الذم.

وأما العيابون البرآء من النفاق والقحة ، فيمسكون في المشهد ، ويذمون في المغيب .

وأما أهل السلامة فيمسكون عن المدح وعن الذم في المشهد والمغيب .

ومن كل من أهل هذه الصفات قد شاهدنا وبلونا.

إذا نصحت ففي الخلاء وبكلام لين ، ولا تسند سب مَن تحدثه إلى غيرك ؛ فتكون نماماً ، فإن خشّنت كلامك في النصيحة ؛ فذلك إغراء وتنفير ، وقد قال الله تعالى (فقولا له قولاً ليناً) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا تنفروا) .

وإن نصحت بشرط القبول منك = فأنت ظالم ، ولعلك مخطئ في وجه نصحك ؛ فتكون مطالباً بقبول خطئك ، وبترك الصواب.

لكل شيء فائدة ، ولقد انتفعت بمحك أهل الجهل منفعة عظيمة ، وهي أنه توقد طبعي ، واحتدم خاطري ، وحمي فكري ، وتهيج نشاطي ، فكان ذلك سبباً إلى تواليف لي عظيمة المنفعة ، ولولا استثارتهم ساكني ، واقتداحهم كامني ، ما انبعثت لتلك التواليف.

لا تصاهر إلى صديق ولا تبايعه ، فما رأينا هذين العملين إلا سبباً للقطيعة ، وإن ظن أهل الجهل أن فيهما تأكيداً للصلة ؛ فليس كذلك ؛ لأن هذين العقدين داعيان كل واحد إلى طلب حظ نفسه ، والمؤثرون على أنفسهم قليل جداً ، فإذا اجتمع طلب كل امريء حظ نفسه ، وقعت المنازعة ، ومع وقوعها فساد المروءة .

الطمع أصل لكل ذل ، ولكل هم ، وهو خلق سوء ذميم.

وضده نزاهة النفس ، وهذه صفة فاضلة مركبة من النجدة والجود والعدل والفهم ؛ لأنه رأى قلة الفائدة في استعمال ضدها فاستعملها ، وكانت فيه نجدة أنتجت له عزة نفسه ؛ فتنـزه ، وكانت فيه طبيعة سخاوة نفس فلم يهتم لما فاته ، وكانت فيه طبيعة عدل حببت إليه القناعة وقلة الطمع.

فإذن نزاهة النفس متركبة من هذه الصفات.

فالطمع الذي هو ضدها متركب من الصفات المضادة لهذه الصفات الأربع ، وهي: الجبن والشح والجور والجهل.

والرغبة طمع مستوفى متزايد مستعمل ، ولولا الطمع ما ذل أحد لأحد .

من امتحن بقرب من يكره ، كمن امتحن ببعد من يحب ولا فرق.

اقنع بمن عندك ، يقنع بك من عندك.

السعيد في المحبة هو من ابتلي بمن يقدر أن يلقي عليه قفله ، ولا تلحقه في مواصلته تبعة من الله عز وجل ، ولا ملامة من الناس.

إذا ارتفعت الغيرة فأيقن بارتفاع المحبة .

الغيرة خلق فاضل متركب من النجدة والعدل ؛ لأن من عدل كره أن يتعدى إلى حرمة غيره ، وإن يتعدى غيره إلى حرمته ؛ ومن كانت النجدة طبعاً له ، حدثت فيه عزة ، ومن العزة تحدث الأنفة من الاهتضام.
أخبرني بعض من صحبناه في الدهر عن نفسه ، أنه ما عرف الغيرة قط ، حتى ابتُلي بالمحبة فغار . وكان هذا المخبر فاسد الطبع ، خبيث التركيب ؛ إلا أنه كان من أهل الفهم والجود .

كنا نظن أن العشق في ذوات الحركة والحدة من النساء أكثر ، فوجدنا الأمر بخلاف ذلك ، وهو في الساكنة الحركات أكثر ، ما لم يكن ذلك السكون بلهاً.

التلون المذموم هو التنقل من زي متكلف لا معنى له إلى زي آخر مثله في التكلف ، وفي أنه لا معنى له .
رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 25.81 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 25.19 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.43%)]