عرض مشاركة واحدة
  #3  
قديم 18-09-2009, 11:51 PM
الصورة الرمزية أم عبد الله
أم عبد الله أم عبد الله غير متصل
مراقبة الملتقيات
 
تاريخ التسجيل: Feb 2009
مكان الإقامة: أبو ظبي
الجنس :
المشاركات: 13,883
الدولة : Egypt
افتراضي رد: من روائع الحكمة لابن حزم

غاظني أهل الجهل مرتين من عمري:

أحدهما: بكلامهم فيما لا يحسنونه أيام جهلي،
والثاني: بسكوتهم عن الكلام بحضرتي ، فهم أبداً ساكتون عما ينفعهم ، ناطقون فيما يضرهم.

وسرني أهل العلم مرتين من عمري:

أحدهما: بتعليمي أيام جهلي،
والثاني بمذاكرتي أيام عملي.

من فضل العلم والزهد في الدنيا ، أنهما لا يؤتيهما الله عز وجل إلا أهلهما ومستحقهما ،

ومن نقص علو أحوال الدنيا من المال والصوت ، أن أكثر ما يقعان في غير أهلهما وفيمن لا يستحقهما.

من طلب الفضائل لم يساير إلا أهلها ، ولم يرافق في تلك الطريق إلا أكرم صديق من أهل المواساة ، والبر ، والصدق ، وكرم العشيرة ، والصبر ، والوفاء ، والأمانة ، والحلم ، وصفاء الضمائر ، وصحة المودة.

ومن طلب الجاه والمال واللذات ، لم يساير إلا أمثال الكلاب الكلبة ، والثعالب الخلبة ، ولم يرافق في تلك الطريق إلا كل عدو المعتقد ، خبيث الطبيعة.

منفعة العلم في استعمال الفضائل عظيمة ، وهو أنه يعلم حسن الفضائل = فيأتيها ولو في الندرة.

ويعلم قبح الرذائل = فيجتنبها ولو في الندرة .

ويسمع الثناء الحسن = فيرغب في مثله ، والثناء الرديء = فينفر منه ، فعلى هذه المقدمات يجب أن يكون للعلم حصة في كل فضيلة ، وللجهل حصة في كل رذيلة .

ولا يأتي الفضائل ممن لم يتعلم العلم إلا صافي الطبع جداً ، فاضل التركيب ، وهذه منزلة خص بها النبيون عليهم الصلاة والسلام ؛ لأن الله تعالى علمهم الخير كله ، دون أن يتعلموه من الناس.

وقد رأيت من غمار العامة من يجري من الاعتدال ، وحميد الأخلاق إلى ما لا يتقدمه فيه حكيم عالم رائض لنفسه ، ولكنه قليل جداً.

ورأيت ممن طالع العلوم ، وعرف عهود الأنبياء عليهم السلام ، ووصايا الحكماء ، وهو لا يتقدمه في خبث السيرة ، وفساد العلانية والسريرة شرار الخلق ، وهذا كثير جداً ، فعلمت أنهما مواهب ، وحرمان من الله تعالى.

احرص على أن توصف بسلامة الجانب ، وتحفظ من أن توصف بالدهاء = فيكثر المتحفظون منك ، حتى ربما أضر ذلك بك ، وربما قتلك.

وطّن نفسك على ما تكره = يقل همك إذا أتاك ، ويعظم سرورك ، ويتضاعف إذا أتاك ما تحب مما لم تكن قدّرته.

إذا تكاثرت الهموم سقطت كلها.

الغادر يفي للمجدود [المحظوظ] ، والوفي يغدر بالمحدود [عديم الحظ] ، والسعيد كل السعيد في دنياه من لم يضطره الزمان إلى اختبار الإخوان.

طوبى لمن علم من عيوب نفسه أكثر مما يعلم الناس منها.

الصبر على الجفاء ينقسم ثلاثة أقسام:
فصبر عمن يقدر عليك ولا تقدر عليه،
وصبر عمن تقدر عليه ولا يقدر عليك،
وصبر عمن لا تقدر عليه ولا يقدر عليك.
فالأول ذل ومهانة وليس من الفضائل.

والرأي لمن خشي ما هو أشد مما يصبر عليه: المتاركة والمباعدة.

والثاني فضل وبر: وهو الحلم على الحقيقة، وهو الذي يوصف به الفضلاء.
والثالث ينقسم قسمين: إما أن يكون الجفاء ممن لم يقع منه إلا على سبيل الغلط ويعلم قبح ما أتى به ويندم عليه، فالصبر عليه فضل وفرض، وهو حلم على الحقيقة.

وأما من كان لا يدري مقدار نفسه ويظن أن لها حقاً يستطيل به، فلا يندم على ما سلف منه، فالصبر عليه ذل للصابر، وإفساد للمصبور عليه، لأنه يزيد استشراء، والمقارضة له سخف، والصواب إعلامه بأنه كان ممكناً أن ينتصر منه، وإنه إنما ترك ذلك استرذالاً له فقط، وصيانة عن مراجعته ولا يزاد على ذلك.

وأما جفاء السفلة فليس جزاؤه إلا النكال وحده.

من جالس الناس لم يعدم هماً يؤلم نفسه، وإنما يندم عليه في معاده، وغيظاً ينضج كبده، وذلاً ينكس همته، فما الظن بعد بمن خالطهم وداخلهم ?

والعز والراحة والسرور والسلامة في الانفراد عنهم، ولكن أجعلهم كالنار تدفأ بها، ولا تخالطها.

لو لم يكن في مجالسة الناس إلا عيبان لكفيا، أحدهما الاسترسال عند الأنس بالأسرار المهلكة القاتلة، التي لولا المجالسة لم يبح بها البائح، والثاني: مواقعة الغلبة المهلكة في الآخرة، فلا سبيل إلى السلامة من هاتين البليتين إلا بالإنفراد عن المجالسة جملة.

لا تحقر شيئاً من عمل غد أن تحققه بأن تعجله اليوم وإن قل ، فإن من قليل الأعمال يجتمع كثيرها، وربما أعجز أمرها عند ذلك فيبطل الكل.
لا تحقر شيئاً مما ترجو به تثقيل ميزانك يوم البعث إن تعجله الآن وإن قل، فإنه يحط عنك كثيراً، لو اجتمع لقذف بك في النار.

الوجع والفقر والنكبة والخوف، لا يحس أذاها إلا من كان فيها، ولا يعلمه من كان خارجاً عنها.

وفساد الرأي ، والعار ، والإثم لا يعلم قبحها إلا من كان خارجاً عنها، وليس يراه من كان داخلاً فيها.

الأمن والصحة والغنى، لا يعرف حقها إلا من كان خارجاً عنها، وليس يعرف حقها من كان فيها.

وجودة الرأي والفضائل وعمل الآخرة، لا يعرف فضلها إلا من كان من أهلها، ولا يعرفه من لم يكن من أهلها.

أول من يزهد في الغادر، من غدر له الغادر، وأول من يمقت شاهد الزور من شهد له به، وأول من تهون الزانية في عينه، الذي يزني بها.
كثرة المال ترغب، وقلته تقنع.

كثرة وقوع العين على الشخص يسهل أمره ويهونه.

لا يغتر العاقل بصداقة حادثة له أيام دولته ؛ فكل أحد صديقه يومئذ.

لا تجب عن كلام نقل إليك عن قائل حتى توقن أنه قاله ، فإن من نقل إليك كذباً رجع من عندك بحق.

ثق بالمتدين ، وإن كان على غير دينك ، ولا تثق بالمستخف ، وإن أظهر أنه على دينك.

من استخف بحرمات الله تعالى فلا تأمنه على شيء مما تشفق عليه.

من قبيح الظلم الإنكار على من أكثر الإساءة إذا أحسن في الندرة.

لم أر لإبليس أصيد ، ولا أقبح ولا أحمق من كلمتين ألقاهما على ألسنة دعاته:

إحداهما: اعتذار من أساء بأن فلاناً أساء قبله .

والثانية، استسهال الإنسان أن يسيء اليوم لأنه قد أساء أمس ، أو أن يسيء في وجه ما ، لأنه قد أساء في غيره ، فقد صارت هاتان الكلمتان عذراً مسهلتين للشر ، ومدخلتين له .

استعمل سوء الظن حيث تقدر على توفيته حقه في التحفظ والتأهب ، واستعمل حسن الظن حيث لا طاقة بك على التحفظ ، فتربح راحة النفس.

حد الجود وغايته أن يبذل الفضل كله في وجوه البر ، وأفضل ذلك في الجار المحتاج ، وذي الرحم الفقير ، وذي النعمة الذاهبة ، و الأحضر فاقة.

ومنع الفضل من هذه الوجوه داخل في البخل ، وعلى قدر التقصير والتوسع في ذلك يكون المدح والذم ، وما وضع في غير هذه الوجوه = فهو تبذير ، وهو مذموم.

وما بذلت من قوتك لمن هو أمس حاجة منك = فهو فضل وإيثار ، وهو خير من الجود ، وما منع من هذا = فهو لا حمد ولا ذم ، وهو انتصاف.

بذل الواجبات فرض ، وبذل ما فضل عن القوت جود ، والإيثار على النفس من القوت بما لا تهلك على عدمه فضل ، ومنع الواجبات حرام ، ومنع ما فضل عن القوت بخل وشح ، والمنع من الإيثار ببعض القوت عذر ، ومنع النفس أو الأهل القوت أو بعضه نتن ورذالة ومعصية.

والسخاء بما ظَلَمْتَ فيه ، أو أخذتَه بغير حقه = ظلم مكرر ، والذم جزاء ذلك لا الحمد ؛ لأنك إنما تبذل مال غيرك على الحقيقة لا مالك.

حد الشجاعة بذل النفس للموت عن الدين ، والحريم ، وعن الجار المضطهد ، وعن المستجير المظلوم ، وعن الهضيمة ظلماً في المال والعرض ، وفي سائر سبل الحق سواء قل من يعارض أو أكثر.

والتقصير عما ذكرنا جبن وخور ، وبذلها في عرض الدنيا تهور وحمق.

حد العفة أن تغض بصرك ، وجميع جوارحك عن الأجسام التي لا تحل لك ، فما عدا هذا = فهو عهر.

حد العدل أن تعطي من نفسك الواجب وتأخذه.

وحد الجور أن تأخذه ولا تعطيه.
رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 24.04 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 23.42 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.61%)]