عرض مشاركة واحدة
  #4  
قديم 28-08-2009, 03:27 AM
الصورة الرمزية غفساوية
غفساوية غفساوية غير متصل
أستغفر الله
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
مكان الإقامة: بين الأبيض المتوسط والأطلسي
الجنس :
المشاركات: 11,032
59 59 رد: سلسلة أحاديث وفوائد (3) حديث (أنت مع من أحببت)


3- يحشر المرء مع من أحب:


المرء في الدنيا يميل قلبه إلى من يحبه فيأنس إليه ويلهج لسانه بذكره , ويهفو قلبه لمؤانسته ومجالسته , دخل عمارة بن حمزة على المنصور فقعد في مجلسه، وقام رجل فقال: مظلوم يا أمير المؤمنين، قال: ومن ظلمك؟ قال: عمارة غصبني ضيعتي، فقال المنصور: يا عمارة قم فاقعد مع خصمك، فقال: ما هو لي بخصم، إن كانت الضيعة له فلست أنازعه، وإن كانت لي فهي له، ولا أقوم من مجلس قد شرفني أمير المؤمنين بالرفعة إليه لأقعد في أدنى منه بسبب ضيعة.( ابن حمدون : التذكرة الحمدونية 1/148 , نثر الدر للأبي 78).
فانظر إلى عبد أحب عبدا كيف لم يرض أن يترك القرب منه ولا الإيناس به لحظة , فما بالك بمن يأنس بخالقه ومولاه ؟ ويحب من يحبه ويبغض من عاداه .
إن الحب الحقيقي لا الحب الزيف، هو الذي يكون لله وبالله ومع الله ؛ إنه الحب الذي يقرب إلى الله وإلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، إنه الحب الذي دعا صاحبه إلى أن يقول هذه الكلمات النيرات \"والله ما أحب أن محمداً الآن في مكانه الذي هو فيه تصيبه شوكة تؤذيه وإني جالس في أهلي\".
إنه الحب الذي ملك قلوب أولئك الصحابة البررة الأطهار يوم أعلنوا الحب وقالوا: \"يا رسول الله: هذه أموالنا بين يديك فاحكم فيها بما شئت، وهذه نفوسنا بين يديك، لو استعرضت بنا البحر لخضناه، نقاتل بين يديك ومن خلفك وعن يمينك وعن شمالك\"
والمحبة ليست قصصا تُروى، ولا كلمات تقال، ولا ترانيم تُغنى، المحبة لا تكون دعوة باللسان، ولا هياماً بالوجدان، وإنما هي طاعة لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم، المحبة عمل بمنهج الرسول صلى الله عليه وسلم، تتجلى في السلوك والأفعال والأقوال {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ } [آل عمران: 31] .
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:وَدِدْتُ أَنِّي لَقِيتُ إِخْوَانِي ، قَالَ : فَقَالَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم : أَوَلَيْسَ نَحْنُ إِخْوَانَكَ ؟ قَالَ : أَنْتُمْ أَصْحَابِي ، وَلَكِنْ إِخْوَانِي الَّذِينَ آمَنُوا بِي وَلَمْ يَرَوْنِي. أخرجه أحمد 3/155(12607).
وهذه المحبة وإن كانت عملا قلبيا, إلا أن آثارها ودلائلها لابد وأن تظهر على جوارح الإنسان , وفي سلوكه وأفعاله , فالمحبة لها مظاهر وشواهد تميز المحب الصادق من المدعي الكاذب , وتميز من سلك مسلكا صحيحا ممن سلك مسالك منحرفة في التعبير عن هذه المحبة .
وأول هذه الشواهد والدلائل طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم واتباعه , فإن أقوى شاهد على صدق الحب - أيا كان نوعه - هو موافقة المحب لمحبوبه , وبدون هذه الموافقة يصير الحب دعوى كاذبة , فإذا كان الله عز وجل قد جعل اتباع نبيه دليلا على حبه سبحانه , فهو من باب أولى دليل على حب النبي صلى الله عليه وسلم , قال الحسن البصري رحمه الله \" زعم قوم أنهم يحبون الله فابتلاهم الله بهذه الآية .

وصدق القائل :

تعصي الإله وأنت تزعم حبه * * * هذا لعمري في القياس بديع
لو كان حبك صادقا لأطعته* * * إن المحب لمن يحب مطيع
فالصادق في حب النبي صلى الله عليه وسلم , هو من أطاعه واقتدى به , وآثر ما يحبه الله ورسوله على هوى نفسه .
فإذا أردت دخول الجنة فأحب النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه الكرام ومن تبعهم بإحسان حتى تحشر معهم واعلم أخي الكريم أن محبة النبي صلى الله عليه وسلم من أصول الإيمان وهي مقارنة لمحبة الله عز وجل ، وقد قرنها الله بها ، وتوعد من قدم عليها شيء من الأمور المحبوبة طبعاً من الأقارب والأموال والأوطان وغير ذلك ، فقال تعالى : (( قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ )) .
سئل وهيب بن الورد : هل يجد طعم الإيمان من يعصي الله ؟ قال : لا ، ولا من هم بالمعصية .
وقال ذو النون : كما لا يجد الجسد لذة الطعام عند سقمه كذلك لا يجد القلب حلاوة العبادة مع الذنوب . عن معاذ بن أنس الجهني أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن أفضل الإيمان ، فقال : أن تحب لله وتبغض لله وتعمل لسانك في ذكر الله \" . وفيه - أيضا – عن عمرو بن الجموح ، عن النبي صلى الله عليه وسلم : لا يحق العبد حق صريح الإيمان حتى يحب لله ويبغض لله ، فإذا أحب لله ، وأبغض لله فقد استحق الولاية من الله \" وفيه : عن البراء عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : \" أوثق عرى الإيمان : أن تحب في الله وتبغض في الله وخرج الإمام أحمد، وأبو داود عن أبي ذر ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : \" أفضل الأعمال : الحب في الله والبغض في الله\". ومن حديث أبي أمامة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : \" من أحب لله وأبغض لله وأعطى لله ومنع لله فقد استكمل الإيمان \" . وخرجه أحمد ، والترمذي من حديث معاذ بن أنس ، عن النبي صلى الله عليه وسلم وزاد أحمد في رواية \" وأنكح لله \".
وهذا ثوبان رضي الله عنه غاب النبي صلى الله عليه وسلم طوال اليوم عن سيدنا ثوبان خادمه وحينما جاء قال له ثوبان: أوحشتني يا رسول الله وبكى، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: \' اهذا يبكيك ؟ \' قال ثوبان: لا يا رسول الله ولكن تذكرت مكانك في الجنة ومكاني فذكرت الوحشة فنزل قول الله تعالى { وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا } [69] سورة النساء .

أنا ما أَتيتُكَ يا حَبيبـي مَادحــاً * * * يَكفِيـكَ مَدْحُ اللهِ والتَمجِـيـــدُ
فَصِفَاتُ خَلْقِكَ في الكِتَابِ كَثيـرَةٌ* * *لَيسـتْ لهـا حَدٌ .. ولا تَحديـــدُ
أنا هَائمٌ في نُورِ حُبِّـكَ ذَائِـبٌ* * *فَأَظـلُّ أَبكـى... والغَرَامُ يَزِيـــدُ
يقول الشافعي وهو يتحدث عن نفسه بتواضع:

أحب الصالحين ولست منهم * * لعلي أن أنال بهم شفاعة
وأكره من تجارتهم المعاصي * * وإن كانا سوياً في البضاعة

فيرد عليه الإمام أحمد ويقول:

تحب الصالحين وأنت منهم* * ومنكم قد تناولنا الشفاعة
وتكره من بضاعتهم معاصي * * وقاك الله من شر البضاعة

فاعلم – أيها الحبيب – أنك إذا أحببت رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام حشرت معهم , وإذا أحببت أهل المعاصي والفجور حشرت والعياذ بالله معهم , فأي الفريقين تختار ؟ وأي النهجين تفضل ؟ .


أمامك فانظر أي نهجيك تنهج ؟ * * * طريقان شتى : مستقيم وأعوج


صيد الفوائد


جعلنا الله ممن يحب الله ورسوله وأصحابه الغر الميامين وآله الطيبين الطاهرين , وحشرنا معهم جميعا في جنات رب العالمين .
رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 18.82 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 18.21 كيلو بايت... تم توفير 0.61 كيلو بايت...بمعدل (3.25%)]