
20-08-2009, 11:02 AM
|
 |
مراقبة الملتقيات
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2009
مكان الإقامة: أبو ظبي
الجنس :
المشاركات: 13,883
الدولة :
|
|
رد: نـاس لا يـحـبـهـم الْقهَّـار من الكتاب والسنة والآثار
وقال الإمام أحمد: حدثنا ابن نمير ووكيع كلاهما عن الأعمش عن شقيق عن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «للجنة أقرب إلى أحدكم من شراك نعله والنار مثل ذلك» انفرد بإخراجه البخاري في الرقاق من حديث الثوري عن الأعمش به.. ففي هذا الحديث دليل على اقتراب الخير والشر من الإنسان, وإذا كان الأمر كذلك فلهذا حثه الله تعالى على المبادرة إلى الخيرات من فعل الطاعات، وترك المحرمات التي تكفر عنه الذنوب والزلات وتحصل له الثواب والدرجات.. فقال تعالى: (سابقوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها كعرض السماء والأرض) والمراد جنس السماء والأرض، كما قال تعالى في الاَية الأخرى: (وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ) (آل عمران : 133 ) ..وقال ههنا: (أعدت للذين آمنوا بالله ورسله ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم) أي هذا الذي أهلهم الله له هو من فضله ومنه عليهم وإحسانه إليهم, كما قدمناه في الصحيح أن فقراء المهاجرين قالوا: يارسول الله ، ذهب أهل الدثور بالأجور، بالدرجات العلى والنعيم المقيم. قال «وما ذاك ؟» قالوا: يصلون كما نصلي, ويصومون كما نصوم, ويتصدقون ولا نتصدق, ويعتقون ولا نعتق. قال: «أفلا أدلكم على شيء إذا فعلتموه سبقتم من بعدكم ولا يكون أحد أفضل منكم إلا من صنع مثل ما صنعتم ؟ تسبحون وتكبرون وتحمدون دبر كل صلاة ثلاثاً وثلاثين» قال: فرجعوا فقالوا: سمع إخواننا أهل الأموال مافعلنا ففعلوا مثله, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء».
وقوله تعالى : ( مَآ أَصَابَ مِن مّصِيبَةٍ فِي الأرْضِ وَلاَ فِيَ أَنفُسِكُمْ إِلاّ فِي كِتَابٍ مّن قَبْلِ أَن نّبْرَأَهَآ إِنّ ذَلِكَ عَلَى اللّهِ يَسِيرٌ * لّكَيْلاَ تَأْسَوْاْ عَلَىَ مَا فَاتَكُمْ وَلاَ تَفْرَحُواْ بِمَآ آتَاكُمْ وَاللّهُ لاَ يُحِبّ كُلّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ * الّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النّاسَ بِالْبُخْلِ وَمَن يَتَوَلّ فَإِنّ اللّهَ هُوَ الْغَنِيّ الْحَمِيدُ )
يخبر تعالى عن قدره السابق في خلقه قبل أن يبرأ البرية فقال: (ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم) ، أي في الاَفاق وفي أنفسكم ، (إلا في كتاب من قبل أن نبرأها) أي من قبل أن نخلق الخليقة ونبرأ النسمة. وقال بعضهم: من قبل أن نبرأها عائد على النفوس, وقيل: عائد على المصيبة, والأحسن عوده على الخليقة والبرية لدلالة الكلام عليها كما قال ابن جرير: حدثني يعقوب, حدثني ابن علية عن منصور بن عبد الرحمن قال: كنت جالساً مع الحسن، فقال رجل: سلْه عن قوله تعالى: (ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها).. فسألته عنها، فقال: سبحان الله ومن يشك في هذا ؟ كل مصيبة بين السماء والأرض ففي كتاب الله من قبل أن يبرأ النسمة... وقال قتادة : (ما أصاب من مصيبة في الأرض) قال: هي السِّنون يعني الجدب ؛ (ولا في أنفسكم) يقول: الأوجاع والأمراض, قال: وبلغنا أنه ليس أحد يصيبه خدش عود ولا نكبة قدم ولاخلجان عرق إلا بذنب, وما يعفوالله عنه أكثر.
وهذه الاَية الكريمة العظيمة من أدل دليل على القدرية نفاة العلم السابق ـ قبحهم الله ـ وقال الإمام أحمد: حدثنا أبو عبد الرحمن, حدثنا حيوة وابن لهيعة قالا: حدثنا أبو هانىء الخولاني أنه سمع أبا عبد الرحمن الحبلي يقول: سمعت عبد الله بن عمرو بن العاص يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: « قدر الله المقادير قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة ». ورواه مسلم في صحيحه من حديث عبد الله بن وهب وحيوة بن شريح ونافع بن زيد وثلاثتهم عن أبي هانىء به, وزاد ابن وهب «وكان عرشه على الماء» ورواه الترمذي وقال حسن صحيح... وقوله تعالى: ( إن ذلك على الله يسير) أي إن علمه تعالى الأشياء قبل كونها وكتابته لها طبق ما يوجد في حينها سهل على الله عز وجل, لأنه يعلم ما كان وما يكون وما لم يكن لو كان كيف كان يكون.
وقوله تعالى: ( لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بماآتاكم ) أي أعلمناكم بتقدم علمنا وسبق كتابتنا للأشياء قبل كونها, وتقديرنا الكائنات قبل وجودها, لتعلموا أن ما أصابكم لم يكن ليخطئكم وما أخطأكم لم يكن ليصيبكم, فلا تأسوا على ما فاتكم لأنه لو قدر شيء لكان؛ ( ولا تفرحوا بما آتاكم ) أي جاءكم, وتفسير آتاكم أي أعطاكم وكلاهما متلازم أي لا تفخروا على الناس بما أنعم الله به عليكم, فإن ذلك ليس بسعيكم ولا كدكم, وإنما هو عن قدر الله ورزقه لكم فلا تتخذوا نعم الله أشراً وبطراً تفخرون بها على الناس, ولهذا قال تعالى: ( والله لا يحب كل مختال فخور ) أي مختال في نفسه ، متكبر ؛ فخور أي على غيره. وقال عكرمة: ليس أحد إلا هو يفرح ويحزن ولكن اجعلوا الفرح شكراً والحزن صبراً... ثم قال تعالى: ( الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل ) أي يفعلون المنكر ويحضون الناس عليه ( ومن يتول ) أي عن أمر الله وطاعته ( فإن الله هو الغني الحميد ) كما قال على لسان موسى عليه السلام إِن تَكْفُرُواْ أَنتُمْ وَمَن فِي الأَرْضِ جَمِيعاً فَإِنَّ اللّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ) (إبراهيم : 8 ).
وقال القرطبي رحمه الله :
قوله تعالى: (اعلموا أنما الحياة الدنيا لعب ولهو) ، وجه الاتصال أن الإنسان قد يترك الجهاد خوفا على نفسه من القتل، وخوفا من لزوم الموت، فبين أن الحياة الدنيا منقضية فلا ينبغي أن يترك أمر الله محافظة على ما لا يبقى. و"ما" صلة، تقديره : اعلموا أن الحياة الدنيا لعب باطل ، ولهو أي فرح ، ثم تنقضي. وقال قتادة: لعب ولهو: أكل وشرب. وقيل: إنه على المعهود من اسمه، قال مجاهد: كل لعب لهو ... وقيل: اللعب ما رغب في الدنيا، واللهو ما ألهى عن الآخرة، أي شغل عنها. وقيل: اللعب الاقتناء، واللهو النساء. ( وزينة ) الزينة ما يتزبن به، فالكافر يتزين بالدنيا ولا يعمل للآخرة، وكذلك من تزين في غير طاعة الله. ( وتفاخر بينكم ) أي يفخر بعضكم على بعض بها . وقيل: بالخلقة والقوة. وقيل: بالأنساب على عادة العرب في المفاخرة بالآباء . وفي صحيح مسلم عـن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله أوحى إلي أن تواضعوا حتى لا يبغي أحد على أحد ولا يفخر أحد على أحد"... وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "أربع في أمتي من أمر الجاهلية لا يتركونهن : الفخر في الأحساب ،والطعن في الأنساب ، والإستسقاء بالنجوم ،والنياحة ."... (وتكاثر في الأموال والأولاد) لأن عادة الجاهلية أن تتكاثر بالأبناء والأموال، و تكاثر المؤمنين بالإيمان والطاعة. قال بعض المتأخرين: "لعب" كلعب الصبيان "ولهو" كلهو الفتيان "وزينة" كزينة النسوان "وتفاخر" كتفاخر الأقران "وتكاثر" كتكاثر الدهقان... وقيل: المعنى أن الدنيا كهذه الأشياء في الزوال والفناء. وعن علي رضي الله عنه قال لعمار: لا تحزن على الدنيا فإن الدنيا ستة أشياء: مأكول، ومشروب وملبوس، ومشموم، ومركوب، ومنكوح ؛ فأحسن طعامها العسل وهو بزقة ذبابة، وأكثر شرابها الماء يستوي فيه جميع الحيوان، وأفضل ملبوسها الديباج وهو نسج دودة، وأفضل المشموم المسك وهو دم فأرة، وأفضل المركوب الفرس وعليها يقتل الرجال، وأما المنكوح فالنساء وهو مبال في مبال، والله إن المرأة لتزيِّن أحسنها يراد به أقبحها.... ثم ضرب الله تعالى لها، أي للدنيا، مثلا بالزرع في غيث فقال: (كمثل غيث) أي مطر (أعجب الكفار نباته) الكفار هنا: الزراع لأنهم يغطون البذر. والمعنى أن الحياة الدنيا كالزرع يعجب الناظرين إليه لخضرته بكثرة الأمطار، ثم لا يلبث أن يصير هشيما كأن لم يكن، وإذا أعجب الزراع فهو غاية ما يستحسن... وقيل: الكفار هنا الكافرون بالله عز وجل، لأنهم أشد إعجابا بزينة الدنيا من المؤمنين. وهذا قول حسن، فإن أصل الإعجاب لهم وفيهم، ومنهم يظهر ذلك، وهو التعظيم للدنيا وما فيها. وفي الموحدين من ذلك فروع تحدث من شهواتهم، وتتقلل عندهم وتدق إذا ذكروا الآخرة. وموضع الكاف رفع على الصفة. ( ثم يهيج ) أي يجف بعد خضرته، (فتراه مصفرا) أي متغيرا عما كان عليه من النضرة. ( ثم يكون حطاما ) أي فتاتا وتبنا فيذهب بعد حسنه، كذلك دنيا الكافر... (وفي الآخرة عذاب شديد) أي للكافرين. والوقف عليه حسن، ويبتدئ ( ومغفرة من الله ورضوان ) أي للمؤمنين. وقال الفراء: (وفي الآخرة عذاب شديد ومغفرة)، تقديره : إما عذاب شديد وإما مغفرة، فلا يوقف على "شديد". (وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور) هذا تأكيد ما سبق، أي تغر الكفار، فأما المؤمن فالدنيا له متاع بلاغ إلى الجنة. وقيل: العمل للحياة الدنيا متاع الغرور تزهيدا في العمل للدنيا، وترغيبا في العمل للآخرة.
وقوله تعالى: (سابقوا إلى مغفرة من ربكم) أي سارعوا بالأعمال الصالحة التي توجب المغفرة لكم من ربكم. وقيل: سارعوا بالتوبة، لأنها تؤدي إلى المغفرة، قاله الكلبي. وقيل التكبيرة الأولى مع الإمام، قاله مكحول. وقيل: الصف الأول. ( وجنة عرضها كعرض السماء والأرض) لو وصل بعضها ببعض. قال الحسن: يعني جميع السموات والأرضين مبسوطتان كل واحدة إلى صاحبتها. وقيل: يريد لرجل واحد أي لكل واحد جنة بهذه السعة. وقال ابن كيسان: عني به جنة واحدة من الجنات. والعرض أقل من الطول، ومن عادة العرب أنها تعبر عن سعة الشيء بعرضه دون طوله. قال:
كأن بلاد الله وهي عريضة على الخائف المطلوب كفة حابل
وقال طارق بن شهاب: قال قوم من أهل الحيرة لعمر رضي الله عنه: أرأيت قول الله عز وجل: (وجنة عرضها كعرض السماء والأرض) فأين النار؟ فقال لهم عمر: أرأيتم الليل إذا ولى وجاء النهار أين يكون الليل؟ فقالوا: لقد نزعت بما في التوراة مثله... (أعدت للذين آمنوا بالله ورسله) شرط الإيمان لا غير، وفيه تقوية الرجاء. وقد قيل: شرط الإيمان هنا وزاد عليه في سورة آل عمران، فقال: "(وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ* الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) (آل عمران :133- 134 )... ( ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء ) أي أن الجنة لا تنال ولا تدخل إلا برحمة الله تعالى وفضله... (والله ذو الفضل العظيم).
وقوله تعالى : ( مَآ أَصَابَ مِن مّصِيبَةٍ فِي الأرْضِ وَلاَ فِيَ أَنفُسِكُمْ إِلاّ فِي كِتَابٍ مّن قَبْلِ أَن نّبْرَأَهَآ إِنّ ذَلِكَ عَلَى اللّهِ يَسِيرٌ * لّكَيْلاَ تَأْسَوْاْ عَلَىَ مَا فَاتَكُمْ وَلاَ تَفْرَحُواْ بِمَآ آتَاكُمْ وَاللّهُ لاَ يُحِبّ كُلّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ * الّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النّاسَ بِالْبُخْلِ وَمَن يَتَوَلّ فَإِنّ اللّهَ هُوَ الْغَنِيّ الْحَمِيدُ )
قوله تعالى: (ما أصاب من مصيبة في الأرض) قال مقاتل: القحط وقلة النبات والثمار. وقيل: الجوائح في الزرع. (ولا في أنفسكم) بالأوصاب والأسقام، قال قتادة. وقيل: إقامة الحدود، قال ابن حيان. وقيل: ضيق المعاش، وهذا معنى رواه ابن جريج. (إلا في كتاب) يعني في اللوح المحفوظ. (من قبل أن نبرأها) الضمير في (نبرأها) عائد على النفوس أو الأرض أو المصائب أو الجميع. وقال ابن عباس: من قبل أن يخلق المصيبة. وقال سعيد بن جبير: من قبل أن يخلق الأرض والنفس. (إن ذلك على الله يسير) أي خلق ذلك وحفظ جميعه (على الله يسير) هين. قال الربيع بن صالح: لما أخذ سعيد بن جبير رضي الله عنه بكيت، فقال: ما يبكيك ؟ قلت: أبكي لما أرى بك ولما تذهب إليه. قال: فلا تبك فإنه كان في علم الله أن يكون، ألم تسمع قوله تعالى: (مَآ أَصَابَ مِن مّصِيبَةٍ فِي الأرْضِ وَلاَ فِيَ أَنفُسِكُمْ إِلاّ فِي كِتَابٍ مّن قَبْلِ أَن نّبْرَأَهَآ إِنّ ذَلِكَ عَلَى اللّهِ يَسِيرٌ). وقال ابن عباس: لما خلق الله القلم قال له اكتب، فكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة. ولقد ترك لهذه الآية جماعة من الفضلاء الدواء في أمراضهم فلم يستعملوه ثقة بربهم وتوكلا عليه، وقالوا قد علم الله أيام المرض وأيام الصحة، فلو حرص الخلق على تقليل ذلك أو زيادته ما قدروا، قال الله تعالى مَآ أَصَابَ مِن مّصِيبَةٍ فِي الأرْضِ وَلاَ فِيَ أَنفُسِكُمْ إِلاّ فِي كِتَابٍ مّن قَبْلِ أَن نّبْرَأَهَآ إِنّ ذَلِكَ عَلَى اللّهِ يَسِيرٌ) وقد قيل: إن هذه الآية تتصل بما قبل، وهو أن الله سبحانه هون عليهم ما يصيبهم في الجهاد من قتل وجرح، وبين أن ما يخلفهم عن الجهاد من المحافظة على الأموال وما يقع فيها من خسران، فالكل مكتوب مقدر لا مدفع له، وإنما على المرء امتثال الأمر.
قوله تعالى: ( لكيلا تأسوا على ما فاتكم ) أي حتى لا تحزنوا على ما فاتكم من الرزق، وذلك أنهم إذا علموا أن الرزق قد فرغ منه لم يأسوا على ما فاتهم منه. وعن ابن مسعود أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا يجد أحدكم طعم الإيمان حتى يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه وما أخطأه لم يكن ليصيبه" ثم قرأ (لكيلا تأسوا على ما فاتكم) إي كي لا تحزنوا على ما فاتكم من الدنيا فإنه لم يقدر لكم ولو قدر لكم لم يفتكم (ولا تفرحوا بما آتاكم ) أي من الدنيا، قاله ابن عباس. وقال سعيد بن جبير: من العافية والخصب. وروى عكرمة عن ابن عباس: ليس من أحد إلا وهو يحزن ويفرح، ولكن المؤمن يجعل مصيبته صبرا، وغنيمته شكرا. والحزن والفرح المنهي عنهما هما اللذان يتعدى فيهما إلى ما لا يجوز، قال الله تعالى: (والله لا يحب كل مختال فخور) أي متكبر بما أوتي من الدنيا، فخور به على الناس. وقراءة العامة ( آتاكم ) بمد الألف أي أعطاكم من الدنيا. واختاره أبو حاتم. وقرأ أبو العالية ونصر بن عاصم وأبو عمرو ( أَتاكم ) بقصر الألف واختاره أبو عبيد. أي جاءكم، وهو معادل لـ ( فاتكم ) ولهذا لم يقل أفاتكم. قال جعفر بن محمد الصادق: يا ابن آدم ، ما لك تأسى على مفقود لا يرده عليك الفوت، أو تفرح بموجود لا يتركه في يديك الموت؟.. وقيل لبرزجمهر: أيها الحكيم! مالك لا تحزن على ما فات، ولا تفرح بما هو آت؟ قال: لأن الفائت لا يتلافى بالعبرة، والآتي لا يستدام بالحبرة. وقال الفضيل بن عياض في هذا المعنى: الدنيا مبيد ومفيد، فما أباد فلا رجعة له، وما أفاد آذن بالرحيل. وقيل: المختال الذي ينظر إلى نفسه بعين الافتخار، والفخور الذي ينظر إلى الناس بعين الاحتقار، وكلاهما شرك خفي. والفخور بمنزلة المصراة تشد أخلافها ليجتمع فيها اللبن، فيتوهم المشتري أن ذلك معتاد وليس كذلك، فكذلك الذي يرى من نفسه حالا وزينة وهو مع ذلك مدع فهو الفخور.
قوله تعالى: (الذين يبخلون) أي لا يحب المختالين ( الذين يبخلون ) فـ (الذين) في موضع خفض نعتا للمختال. وقيل: رفع بابتداء أي الذين يبخلون فالله غني عنهم. قيل: أراد رؤساء اليهود الذين يبخلون ببيان صفة محمد صلى الله عليه وسلم التي في كتبهم، لئلا يؤمن به الناس فيذهب ملكهم، قال السدي والكلبي. وقال سعيد بن جبير: (الذين يبخلون) يعني بالعلم (ويأمرون الناس بالبخل) أي بألا يعلموا الناس شيئا...وقال زيد بن اسلم: إنه البخل بأداء حق الله عز وجل... وقيل: إنه البخل بالصدقة والحقوق، قاله عامر بن عبدالله الأشعري... وقال طاوس: إنه البخل بما في يديه. وهذه الأقوال الثلاثة متقاربة المعنى. وفرق أصحاب الخواطر بين البخل والسخاء بفرقين: أحدهما أن البخيل الذي يلتذ بالإمساك. والسخي الذي يلتذ بالإعطاء. الثاني: أن البخيل الذي يعطي عند السؤال، والسخي الذي يعطي بغير سؤال... ( ومن يتول ) أي عن الإيمان ( فإن الله هو الغني الحميد ) غني عنه. ويجوز أن يكون لما حث على الصدقة أعلمهم أن الذين يبخلون بها ويأمرون الناس بالبخل بها فإن الله غني عنهم. وقراءة العامة ( بالبُخْل ) بضم الباء وسكون الخاء. وقرأ أنس وعبيد بن عمير ويحيى بن يعمر ومجاهد وحميد وابن محيصن وحمزة والكسائي ( بالبَخَل ) بفتحتين وهي لغة الأنصار. وقرأ أبو العالية وابن السميقع ( بالبَخْل ) بفتح الباء وإسكان الخاء. وعن نصر بن عاصم ( البُخُل ) بضمتين وكلها لغات مشهورة...
وقرأ نافع وابن عامر (فإن الله الغني الحميد) بغير (هو). والباقون (هو الغني) على أن يكون فصلا. ويجوز أن يكون مبتدأ و( الغني ) خبره والجملة خبر إن. ومن حذفها فالأحسن أن يكون فصلا، لأن حذف الفصل أسهل من حذف المبتدأ.
|