
09-08-2009, 11:19 AM
|
 |
مشرفة ملتقى السيرة وعلوم الحديث
|
|
تاريخ التسجيل: Apr 2006
مكان الإقامة: العراق / الموصل
الجنس :
المشاركات: 2,056
|
|
رد: معنى حديث " فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار "
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أحسن الله إليك أختي الكريمة وجعل نقلك المبارك في ميزان حسناتك
وأود أن أضيف ما قد فهمته من دراستي للحديث
قوله صلى الله عليه وسلم : ( فيسبق عليه الكتاب ) أي الذي سبق في العلم ، أو الذي سبق في اللوح المحفوظ ، أو الذي سبق في بطن الأم .كما ذكرنا في شرح مراتب القدر.
ما الحكمة في أن الله يخذل هذا العمل بعمل أهل الجنة حتىما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار؟
إن الحكمة في ذلك هو أن هذا الذي يعمل بعمل أهل الجنة إنما يعملبعمل أهل الجنة فيما يبدو للناس وإلا فهو في الحقيقة ذو طوية خبيثة ونية فاسدة،فتغلب هذه النية الفاسدة حتى يختم له بسوء الخاتمة نعو بالله من ذلك. وعلى هذافيكون المراد بقوله: حتى ما يكون بينه وبينها إلاذراعقرب أجله لا قربه من الجنة بعمله.
قال ابن حجر الهيتمي: إن خاتمة السوء تكون - والعياذ بالله - بسبب دسيسة باطنية للعبد، ولا يطلع عليها الناس، وكذلك قد يعمل الرجل عمل أهل النار وفي باطنه خصلة خير خفية تغلب عليه آخر عمره فتوجب له حسن الخاتمة.
وهذا يوضح رواية ثانية للحديث: " (إن الرجل ليعمل عمل أهل الجنة فيما يبدو للناس، وهو من أهل النار، وإن الرجل ليعمل عمل أهل النار فيما يبدو للناس وهو من أهل الجنة). … " (متفق عليه).
إن كلمة "فيما يبدو للناس" توضح المعنى الذي يرمي إليه رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- في هذا الحديث وقرار الله في محكم تبيانه أنه لا يضيع عمل العاملين، وعلى ضوء هذه الرواية التي جاءت مقيدة بقيد "فيما يبدو للناس" ينبغي فهم الرواية الأخرى التي جاءت في حديث ابن مسعود، وذلك لأن القاعدة تقتضي بتفسير العام على ضوء الخاص والمطلق على ضوء المقيد، لا العكس؟
نعلم أن الله عز وجل يقول: { فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا }الكهف-110، ونعلم أنه عز وجل يقول عن أناس يعملون بأعمال أهل الجنة: ( َوقدمنا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا)الفرقان-23، ومعنى الآيتين أن العمل الذي يدخل صاحبه الجنة لا يكفي أن يكون مما قد أحبه الله وأمر به، بل لابد معه من أن يكون المقصود به وجه الله عز وجل، لا غيره من المنافع والمصالح الدنيوية المتنوعة، سواء أكان هذا الغير شريكاً في القصد مع الله أو هو المقصود وحده، كما هو شأن المنافقين.
وهذا مصداق قول رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-: (إن الله لا ينظر إلى أجسادكم ولا إلى صوركم، ولكن ينظر إلى قلوبكم) وأشار بأصبعه إلى صدره، وقوله -صلى الله عليه وآله وسلم- ( إن الله طيب لا يقبل إلا طيباً).
وقال الله تعالى إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات إنا لا نُضَيِّع أجر مَن أحسن عملاً ).
إذا يتضح من قوله صلى الله عليه وسلم (إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة) الخ، أن في الناس من تكون أعمالهم أعمال أهل الجنة ولكنهم ليسوا من أهلها، إذ تكون أعمالهم مشوبة بنفاق أو برياء، وما أكثرهم في كل عصر، وأن في الناس من تكون أعمالهم من أعمال أهل النار، ولكنهم لن يكونوا من أهلها بسبب حالات قلبية خاصة تكون بينهم وبين ربهم، كالانكسار والتذلل على أعتاب الله، والشعور المهيمن عليهم بسوء حالهم، وبسبب أن ارتكابهم للأوزار ليس لاستكبار منهم على أوامر الله وشرعه، ولكن لضعف يهيمن عليهم.
وعلى هذا فكلمة "الكتاب" في قوله -صلى الله عليه وآله وسلم-: (فيسبق عليه الكتاب) تعني قضاء الله الذي هو علمه وإرادته، والله يعلم ما سيؤول إليه حال كل من الصنفين اللذين تحدث عنهما وسبب ذلك، فلنعلم أيضاً أنه لا إشكال في أن يريد الله عز وجل أن يختم حياة الفريق الأول بالضلال والشقاء، وأن يختم حياة الفريق الثاني بالهداية والرشد، لأن إرادته جاءت على أعقاب السبب الذي مارسه كل من الفريقين بمحض اختياره ورغبته.
اللهم إجعل عملنا خالصا لوجهك الكريم ولاتجعل شيئا منه لأحد سواك وأرزقنا حسن الخاتمة وأختم بالصالحات أعمالنا وتوفنا وأنت راض عنا غير غضبان
|