أحكام يوم الجمعة (متابعة).
إخوتي في الله،
قبل أن ننتقل بكم إلى المبحث الثاني،
مبتدئين به في وجوب صلاة الجمعة والترهيب من تركها،
رأينا أن نعرض عليكم طائفة أخرى من الأحكام المتعلقة بهذا اليوم العظيم،
مع ملاحظة أن أحكام هذه الجلسة خاصة بالمذهب الحنفي فحسب،
وبالاتكال على رب العباد،
وباسمه تعالى،
نبدأ عرض الأحكام.
إليكم هذه الأحكام يا إخوتي
لقد كان من هدي نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، إذا اشتد الحر أن يُبرد بصلاة الظهر، فماذا إن اشتد الحر يوم الجمعة، هل نُبرد بها أو لا نفعل ذلك؟؟
والإجابة هي أنه لا يُسنَ الإبراد فيها، ولو اشتد الحر، لما أخرجه البخاري عن أنس رضي الله عنه،
{كان النبي صلى الله عليه وسلم، إذا اشتد الحر أبرد بالصلاة بغير الجمعة} 1
صلاة الجمعة يٌقصد بها اجتماع المسلمين، فماذا لو أتى العيد يوم الجمعة، فهل يلزم الاجتماع لصلاة العيد، ثم لصلاة الجمعة؟؟
والإجابة أنه لا يلزم إلا أحدهما، أما الخلاف، فيقع في أيهما أولى 2
من صلى الظهر يوم الجمعة قبل أداء المسلمين صلاتها من دونما عذر، هل تجوز صلاته هذه؟؟
البعض ارتأى أنها جائزة، مع كراهية أن يفعل ذلك 3،
فيما ارتأى البعض الآخر، ومنهم الإمام زفر، أن صلاته تلك لا تُجزئه، ولا بد له من أداء صلاة الجمعة، باعتبار الجمعة هي الفريضة أصالة، والظهر كالبدل عنها، ولا يُصار إلى البدل مع القدرة على الأصل 4
وهنا يبرز السؤال الآخر، إن صلى الظهر، ثم توجه لأداء صلاة الجمعة، فهل تبطل صلاته تلك أو لا؟؟
يقول الإمام أبو حنيفة إنها لا تبطل حتى يدخل مع الإمام 5 فيما يرى أصحابه أنها تبطل بمجرد توجهه إليها 6
لمن خاف أن تفوته صلاة الجمعة إن توضأ، هل يجوز له أن يتيمم؟؟
كلا، لا يجوز له ذلك، لأن صلاة الجمعة تفوت إلى خلف لها 7 ولأن الوضوء هناك يُتوصل به إلى صلاة الظهر الذي هو أصل فرض الوقت، فكان مخاطباً باستعمالها بالماء 8
لنفترض أن الناس غادروا جميعاً المسجد فجأة قبل إتمامهم الصلاة، فماذا يفعل الإمام في هذه الحالة،
وكيف يصلي؟؟
المسألة فيها تفصيل بسيط، ما قبل البدء بالصلاة وما بعد ذلك،
فإن كان الإمام قد افتتح صلاته أكملها كصلاة جمعة ولو نفر الناس جميعاً،
وإلا فعليه أداؤها كصلاة الظهر 9
المسجد ليس فيه مكان مخصص للنساء عادة، ومع هذا دخل بعض النساء في الصلاة، دون أن ينوي الإمام أن يؤمهن، فهل يصح اقتداؤهن به؟؟
أيضاً هناك قولان، أحدهما أنه يصح 10 والثاني يقول بعدم صحته،
والأكثرية على الرأي الثاني 11
معذور في صلاة الجمعة بطل عذره، صلى الظهر في عذره ذلك، ثم توجه لأداء صلاة الجمعة، فهل تفسد صلاته تلك؟؟
وبالتالي يتوجب عليه إما صلاة الجمعة إن أدركها، أو إعادة الظهر إن لم يدرك الجمعة؟؟
الواقع أن هذا ما يقوله الإمام أبو حنيفة ويأخذ به، أن مجرد توجهه إلى الجمعة أفسد صلاته للظهر، وعليه إعادتها إن لم يدرك الجمعة مع الإمام،
فيما يخالفه أصحابه في هذا، فالإمامان أبو يوسف ومحمد قالا إن صلاة الظهر لا تفسد إلا إذا أدرك الجمعة، فإن فاتته، فقد صلى الظهر بالفعل، ولا حاجة به لإعادة صلاته،
أما الإمام زفر، فيخالف كل منهم في ناحية، فصلاته للظهر لا تفسد سواء أدرك الجمعة أو لم يدركها،
فصلاته هي ما صلاه في بيته لعذره، فإن أدرك الجمعة، فهي نافلة له 12
ماذا لو فات الإمام شيء في صلاته أبطلها،
فهل يعيد صلاة الجمعة؟؟
نعم، وجب عليه أن يعيدها،
إنما لا يُلزم بإعادة الخطبة 13
قد علمنا أن المسافر لا تجب عليه صلاة الجمعة، ولو صلاها لا بأس بهذا، ولكن هل يحق له أن يصليها إماماً، وهي الغير واجبة عليه أصلاً؟؟
يرى زفر أنه لا يجوز ذلك، لهذا الاعتبار أنه ما من جمعة على المسافر،
لكن أصحاب المذهب الحنفي يردون عليه مستشهدين بأن سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم قد أقام الجمعة بمكة،
وقد كان مسافراً 14
وآخر هذه الأحكام هنا، متعلق فيما ينبغي على الإمام أن يفعل، فيما لو نسي أن يجهر بصلاته الجمعة، وإن كان يجب عليه إعادتها باعتبار أنها جهرية؟؟
الجواب هو كلا، بل لا يسجد حتى للسهو، دفعاً للفتنة 15
وما يزال الكلام مستمراً في الباب الثاني إن شاء الله تعالى
1- حاشية ابن عابدين 2\165 +
اللمعة في خصائض الجمعة 1\49
2- الدر المختار 2\166
3- بداية المبتدي 1\26
4- الهداية في شرح البداية 1\83
5- المرجع نفسه 1\85
6- بداية المبتدي 1\27
7- البحر الرائق 1\167
8- المبسوط 1\129
9- البداية 1\27 +
الهداية 1\85
10- البحر الرائق 1\299
11- المبسوط 1\185
12- فتاوى السغدي 1\94
13- شرح فتح القدير 2\62
14- المبسوط 1\249
15- حاشية الطحطاوي 1\69