حال اللغة العربية و تعليمها
إن من البلاء العظيم الذي ابتلينا به في هذا العصر، هو أن يوسد الأمر إلى غير أهله، فترى قاضيًا مرتشيًا فيضيع العدل، و ترى مفتيًا بهوى السلطان فيضيع الدين، و ترى معلمًا عاجزًا فيضيع العلم.
لقد أصاب دَخـَنُ هذه البلوى كل مرافق حياتنا، و كان للغتنا العربية حصتها الوافرة منه، فلم يَعُد غريبًا أن ترى مشرفـًا على معلمي اللغة العربية، إذا قام يخطبُ فيهم سكـَّن أواخر الكلمات كي لا يرفعَ منصوبًا، و لا يجرَ مرفوعًا. و إذا كان المشرف كذلك، فحدِّث ما شئت عن المعلمين أنفسهم و لا حرج، و إن كان المعلمون بهذا المستوى الضحل، فماذا تنتظر من الناشئة؟ و كيف يُعطي الشيءَ فاقدُه:
يا أيها العلماء، يا ملحَ البلدْ ........ من يُصلح الملحَ إذا الملحُ فسدْ
لقد توالت المصائب على اللغة العربية حتى عجزنا عن معرفة أي مصيبة كانت سببًا للأخرى... أعُجمة اللسان و حب اللغات الهزيلة، أنجبَ المعلمين العاجزين، أم عجزُ المعلمين ترك الساحة خالية فازدادت العُجمة، أم أن مصيبة غيرهما كانت سببًا لهما معًا، و ما أكثر ما أصِبنا.
لقد أصبح الأهالي يبحثون لأبنائهم عن مدرسة يكون تعليم اللغة الأجنبية فيها قوي و متين، و لا يخطر في بالهم التحقق من مستوى تعليم اللغة العربية في تلك المدارس، و النتيجة، و خاصة في دول الخليج، جيل من الشباب يتقنُ لكنة الغرب في لغتهم، و لا يستقيم لسانه على قراءة فاتحة الكتاب!
قال ابن تيميّة رحمه الله :" وما زال السلف يكرهون تغييرَ شعائرِ العربِ حتى في المعاملات وهو التكلّم بغير العربية إلاّ لحاجة ، كما نصّ على ذلك مالك والشافعي وأحمد ، بل قال مالك: ( مَنْ تكلّم في مسجدنا بغير العربية أُخرِجَ منه ) مع أنّ سائر الألسن يجوز النطق بها لأصحابها ، ولكن سوغوها للحاجة ، وكرهوها لغير الحاجة ، ولحفظ شعائر الإسلام " الفتاوى 32/255
إن مما يبشر بالخير أن أصواتـًا قد بدأت تتعالى تحذر من الوقوع في الهاوية، و تنذر بعاقبة وخيمة إذا لم نبدأ الإصلاح من جديد، فمن الطيب أن نسمع إذاعة القرآن الكريم السعودية تخصص عدة حلقات من أحد برامجها للحديث عن وضع اللغة العربية ومأساتها، و عن تجارب للمصلحين، ولكن عملية الإصلاح هذه لم تعد أمرًا سهلاً.
لقد ظن البعض أن المشكلة يمكن حلها بإلزام المعلمين أن يتحدثوا بالفصحى في فصولهم الدرسية، و لستُ أرى في ذلك حلاً لأن المعلم نفسه، كما سبق بيانه، بحاجة إلى تأهيل هو أيضًا، فالحل يبدأ بأن تأخذ الوزارات - المتنحية جانبًا - دورها في البحث عن الكفاءات اللغوية، ثم إعادة تأهيل المعلمين لغويًا، و ضبط المناهج الدرسية التي تتعلمها الناشئة.
قال ابن تيميّة رحمه الله :" معلومٌ أنّ تعلمَ العربية وتعليمَ العربية فرضٌ على الكفاية ، وكان السلف يؤدّبون أولادهم على اللحن ، فنحن مأمورون أمرَ إيجابٍ أو أمرَ استحبابٍ أن نحفظ القانون العربي ، ونُصلح الألسن المائلة عنه ، فيحفظ لنا طريقة فهم الكتاب والسنّة ، والاقتداء بالعرب في خطابها ، فلو تُرك الناس على لحنهم كان نقصاً وعيباً " الفتاوى 32/252
نسأل الله أن يهدي ولاة الأمر إلى الجادة، ليعيدوا لهذه اللغة شأنها و مكانتها، فهي هويتنا، وهي ديننا، و هي تاريخنا، و حاضرنا، و مستقبلنا.
والله من وراء القصد
مع تحيات أطياف المجد حملة " من أنا ؟ "