عرض مشاركة واحدة
  #4  
قديم 27-07-2009, 09:32 PM
الصورة الرمزية أم عبد الله
أم عبد الله أم عبد الله غير متصل
مراقبة الملتقيات
 
تاريخ التسجيل: Feb 2009
مكان الإقامة: أبو ظبي
الجنس :
المشاركات: 13,883
الدولة : Egypt
افتراضي رد: أشكُو إليكَ زَوْجي

لا يشعرني بالأنس، وشيء من التسلية
وأحاديث القلب والروح، وأخبار الفكاهة والمُلَح،
ليست في قاموس تعاملاته

مما ينبغي أن يفهمه الأزواج جيدًا، أن سعادة الزوجة لا تقف عند إغداق النفقات عليها، وإعطائها الأموال بسخاء، بل هناك أسباب أخرى مهمة ذات شأن كبير عند الزوجة تسعدها، وتجعلها تشعر بالهناء والسرور، وتجاهل الرجل لهذه الأسباب، أو عدم اكتراثه بها شيء خطير للغاية، يحدث بسببه فجوة بين الرجل وزوجته وهو لا يدري ما هو السبب؟
من هذه الأسباب المهمة إشعار الزوجة بالأنس، بتبادل الأحاديث الشيقة معها، وتجاذب أخبار الفكاهة والمُلَح.
وقد كان من هديه صلى الله عليه وسلم إيناس أزواجه والسمر معهن، مع كثرة مشاغله، وعظم أعباء الدعوة والدولة.
عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أنه قال: "استأذن عمر رضي الله عنه على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعنده نساء قريش يكلمنه ويستكثرنه([1])، عالية أصواتهن([2])، فلما استأذن عمر قُمْنَ يبتدرن الحجاب، فأذن له رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فدخل ورسول الله صلى الله عليه وسلم يضحك.
فقال عمر: أضحك الله سِنَّك يا رسول الله.
فقال صلى الله عليه وسلم: ((عجبتُ من هؤلاء اللاتي كن عندي، فلما سمعن صوتك ابتدرن الحجاب)).
فقال عمر: فأنت يا رسول الله أحق أن يهبن. ثم قال عمر: أي عدوات أنفسهن، أتَهِبنَنِي ولا تَهِبن رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟
قلن: نعم، أنت أغلظ وأفظ.
فقال صلى الله عليه وسلم: ((والذي نفسي بيده، ما لقيك الشيطان قط سالكًا فجًا إلا وسلك فجًا غير فجك))([3]).
وكذلك في حديث أم زُرع المشهور الذي رواه البخاري ومسلم عندما قصت عائشة رضي الله عنها حديث إحدى عشرة امرأة، كل واحدة تخبر عن زوجها، وذلك كان بعد صلاة العشاء، وبوب عليه الإمام البخاري: (باب السمر مع الأهل). فتأمل أخي الزوج حسن عشرة النبي صلى الله عليه وسلم لزوجاته، وكريم خلقه معهن، وكيف أنه كان صلى الله عليه وسلم يقتطع شيئًا من وقته يتسامر فيه مع أهله، بدليل إصغائه صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله عنها وهي تحدثه عن قصة وقعت في الجاهلية، من نساء اجتمعن وتعاقدن على أن تخبر كل واحدة منهن من خبر زوجها معها شيئًا.
قال القاضي عياض: وفي هذا الحديث من الفقه: التحدث بمُلَح الأخبار، وطُرَف الحكايات؛ تسليةً للنفس، وجلاءً للقلب، وهكذا ترجم الإمام الترمذي عليه: "باب ما جاء في كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم في السمر".
إن مؤانسة الرجل لزوجته، وشعورها باهتمامه بها، يسعد الزوجة كثيرًا، ويريحها ويزيح عنها متاعب اليوم كله من العمل داخل البيت وتربية الأولاد.
(وفي الإهمال كثير من الأخطار، فإنَّ مُكْثَ المرأة في الدار وطُولَ القرار، وبُعد زوجها عنها الساعات الطوال، يسرب إلى نفس الزوجة السآمة والملال، والضيق والأحزان.
فينبغي للزوج المسلم أن يدرك الأخطار قبل وقوعها، فيشعر زوجته بالإيناس ويسليها بتحديثها عن آماله وآلامه، وأشواقه وأحلامه، وأحواله في عمله مثلاً، ومواقف الحياة الطريفة... وأخبار العالم وأحداثه المثيرة، ومواقف للدعوة والدعاة... والسؤال عن أحوالها وأخبارها وشئونها.. إلى غير ذلك مما يصل حبال الأنس بينهما.
وينبغي للزوج المسلم أن يشعر زوجته بقوة ارتباطه بها، وعظم اهتمامه بها، وأنها في بؤرة شعوره لا هامشه، في سويداء قلبه لا جوانبه.
خيالك في عيني وذِكرك في فمي



ومثواك في قلبي فأين تغيب


فلا يشغله عنها كثرة الأعمال؛ سواء كانت تجارة وجمع مال لتحسين الحال، أو كثرة الأسفار والحل والترحال، أو طلب العلم، أو شئون الدعوة... كل ذلك لا ينسيه حقها من المؤانسة والتسلية.
كيف ينسيه ومن هو أكثر منه مشاغل، وأعظم تبعة كان حريصًا على هذا الجانب، لا يغفله في حضر ولا سفر؟ تلك هي العظمة التي توازن بين المطالب والحقوق، فلا يطغى جانب على جانب، بل يعطي كل ذي حق حقه بالعدل والميزان، بلا زيادة ولا نقصان. حينها تسير سفينة الحياة الزوجية آمنة في غاية الاستقرار، مصونة من الأعاصير والأخطار.
فاحذر يا أخي الزوج المسلم أن تجعل حياتك وتصرفاتك أمام زوجتك ألغازًا وأسرارًا، ولكن أشركها معك في أمورك، وأطلعها على أحوالك بقدر، وإن كان لابد من ستر شيء هام، فعوضها عن ذلك بما يذهب وحشتها، ويؤنس وحدتها، تنل حبها وثقتها، وتحقق سعادتها. وارجع دائمًا إلى هدي خير الأزواج صلى الله عليه وسلم ، وتأمل فيه وتدبر، واجتهد واعمل. وعليك بكتب المُلَح والطرائف من أخبار الأذكياء، والبخلاء، والحمقى والمغفلين، ونوادر العرب وغيرها ففيها زاد طيب)([4]).
ومن المظاهر الخاصة لتسلية الزوج زوجته ومؤانستها، الترويح والملاعبة، والذي من شأنهما إشاعة المحبة بين الزوجين، مما يقوي وشائج الألفة بينهما، ويجلب السعادة لأهل البيت جميعهم.
ولقد كان من هديه صلى الله عليه وسلم الترويح عن زوجاته بالفكاهة والمداعبة، والمزاح والملاعبة، تأنيسًا لهن، وتلطفًا بهن، وإدخالاً للسرور عليهن، وكان يحث صلى الله عليه وسلم أصحابه على ذلك أيضًا.
فعن جابر رضي الله عنه قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة، فلما رجعنا وكنا قريبًا من المدينة، قلت: يا رسول الله، إني حديث عهد بعرس. قال: ((أتزوجت؟))، فقلت: نعم. قال: ((أبكر أم ثيب؟)) قلت: بل ثيب. قال: ((فهلا بكرًا تلاعبها)). وفي رواية: ((فهلا جارية تلاعبها وتلاعبك)). أو قال: ((تضاحكها وتضاحك))([5]).
فلم ينكر النبي صلى الله عليه وسلم أن يلاعب الرجل أهله وتلاعبه، وأن يضاحكها وتضاحكه، بل حث على ذلك، رغم أعباء الرسالة والدولة التي كانت على عاتق النبي صلى الله عليه وسلم. لذلك من الخطأ أن يفهم البعض أن من "الخشية" أو "الالتزام" أو "التقوى" العبوس في وجه الزوجة، وأن تكون الحياة والعلاقة بينهما جادة، تفتقد إلى لغة المشاعر، والكلمة الطيبة، والابتسامة الحلوة، والفكاهة المضحكة.
إن السلوك الراقي والتصرف الحكيم والذوق العالي له لغة، لكنها غير مكتوبة ككل اللغات إنها لغة الإحساس الرقيق، لغة المشاعر النبيلة والوجدان الفياض.
هذه اللغة السامية نحن بحاجة إلى التدرب عليها، واستعمالها في حياتنا بشكل عام، وحياتنا الأسرية على وجه الخصوص.
إن لغة المشاعر والأحاسيس والقلوب والوجدان هي السعادة والهناء، عندما ترفرف طيورها الجميلة على البيت المسلم، فتُسعد كل من فيه، وكل من حوله. الزوج ينظر إلى زوجته، فيحس بها إن كانت سعيدة أم حزينة، إنه يتجنب السؤال المباشر، لكنه يفهم السبب الذي من أجله تبدو زوجته كما يراها، فيتعامل معها على هذا الأساس، يحاول إزالة ما يغضبها أو يحزنها، أو يزيد مما يسعدها ويفرحها، إنه يشعرها بالاهتمام ويتذكرها، دون أن تُذكره ـ في المناسبات الخاصة ـ بالهدايا، حتى وإن كانت رمزية، وهنا يزداد الحب وتقوى العواطف وتتعمق الأواصر.
(والزوجة التي ترى زوجها متضايقًا لا تسأله عما يضايقه؛ لأنها أدركت السبب فسارعت إلى إزالته أو تغييره، إن كان السبب في المكان أو في المظهر أو في الطعام أو في الاهتمام. إنها ليست بحاجة إلى أن يقول لها لماذا فعلت أو لم تفعلي... إنها تدربت على لغة القلوب والمشاعر، تكفيها النظرة، تكفيها الإشارة، وكل لبيب بالإشارة يفهم.. وهكذا ينعدم من حياتها وحياة زوجها اللوم والتأنيب والشجار والألفاظ الجارحة والاتهامات المتبادلة.
والأبناء الذين يعيشون في أجواء هذه المشاعر والمعاني الرقيقة، ويتدربون عليها، يعيشون في ود وصفاء وأدب وحياء. تعالوا جميعًا نجرب هذه اللغة. ونعيش آدابها ومعانيها، وسنرى كيف تؤثر في حياتنا وحياة مجتمعاتنا... هيا نبدأ بأنفسنا أولاً)([6]).
ولنضرب هنا بعض الأمثلة التي كان من شأنها يشعر النبي صلى الله عليه وسلم أهله فيها بالاهتمام بهن، وإدخال السرور عليهن، وإشعارهن بالأنس والمرح، لعل يتعلم ـ ذلك ـ أهل الجفاف والجمود، الذين هربت منهم خفة الروح، وشقيت بهم زوجاتهم.
عن عائشة رضي الله عنها قالت: خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره، وأنا جارية ـ أي حديثة السن ـ لم أحمل اللحمة ولم أبدن... فقال للناس: ((تقدموا))، ثم قال: ((تعالِ، حتى أسابقك)) فسابَقته فسبِقته، فسكت عني، حتى حملت اللحم وبدنت وسمنت، فخرجت معه صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره، فقال صلى الله عليه وسلم: ((تقدموا)) فتقدموا، ثم قال: ((تعالِ، أسابقك))، فقلت: كيف أسابقك يا رسول الله وأنا على هذه الحال؟ فقال: ((لتفعلن)) فسابقته، فسبَقني، فجعل يضحك صلى الله عليه وسلم وهو يقول: ((هذه بتلك))([7]).
وعنها رضي الله عنها أيضًا قالت: "كنت ألعب بالبنات([8]) عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكانت تأتين صواحبي فينقمعن([9]) من رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان يسربهن إلي، فيلعبن معي"([10]).
وعنها رضي الله عنها قالت: "كنت أشرب وأنا حائض ـ أي من إناء النبي صلى الله عليه وسلم ـ فيضع فاه([11]) على موضع فمي فيشرب، وأتعرق العِرْق وأنا حائض ثم أناوله النبي صلى الله عليه وسلم ، فيضع فاه على موضع فمي"([12]).
وعنها رضي الله عنها أيضًا قالت: "كنت أغتسل أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم من إناء واحد، بيني وبينه تختلف أيدينا عليه، فيبادلني حتى أقول: دع لي، دع لي. قالت: وهُما جُنبان".
فيا أيها الزوج الحبيب! راجع نفسك وانظر (هل أنت زوج تلاعب زوجتك وتداعبها وتمزح معها، وتحسسها بمكانتها الزوجية والإنسانية، أم أنت زوج تمثل شخصية مصطنعة في البيت، تدخل عليهم والهم يحملك، والعبوس يقتلك.
خرج طفل إلى السوق يزف البشرى لأقرانه عندما رأى والده قد ضحك، لاعتقاده أن الآباء لا يضحكون، وقالت ابنته: نحتاج إلى عيد ثالث، أول مرة أرى أسنان والدي في البيت)([13]).

&&&


([1]) يستكثرنه: قال النووي: قال العلماء: معنى يستكثرنه: يطلبن كثيرًا من كلامه وجوابه بحوائجهن وفتاويهن.

([2]) عالية أصواتهن: قال القاضي عياض: يحتمل أن هذا قبل النهي عن رفع الصوت فوق صوته صلى الله عليه وسلم ، ويحتمل أن علو أصواتهن إنما كان باجتماعهن لا أن كل واحدة بانفرادها صوتها أعلى من صوته صلى الله عليه وسلم.

([3]) متفق عليه.

([4]) كيف تسعد زوجتك، محمد عبد الحليم حامد ص31ـ 33.

([5]) متفق عليه.

([6]) جريدة "آفاق عربية" المصرية.

([7]) رواه أحمد وأبو داود.

([8]) المراد لعب الأطفال والدُمي.

([9]) ينقمعن: يستخفين هيبة منه r.

([10]) متفق عليه.

([11]) فاه: فمه.

([12]) رواه مسلم.

([13]) الشهد والشوك في الحياة الزوجية ص116.


رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 29.01 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 28.38 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.16%)]