بسم الله الرحمن الرحيم
شاب نشأ في عبادة الله عز وجل
عن أبي هريرة رضي الله عنه : عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( سبعة يظلهم الله تعالى في ظله يوم لا ظل إلا ظله : ... وذكر منهم ( وشاب نشأ في عبادة الله )
وعن عقبة مرفوعا ( إن ربك ليعجب للشاب لا صبوة له ) صحيح الألباني
وقال صلى الله عليه وسلم ( لاتزول قدما ابن آدم يوم القيامة عند ربه حتى يُسأل عن خمس : عن عمره فيما أفناه ، وعن شبابه فيم أبلاه ، وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه ، وماذا عمِلَ فيم علِم) رواه الترمذي والألباني في صحيحه
لماذا خص الله الشاب بالذكر في الأحاديث أعلاه دون غيره ؟
ربما لأن
في الشباب حب للحياة وإقبال عليها وعلى ملذاتها
والشباب توثُّب روح واستنارة فكر ، وطفرة أمل وصلابة وعزيمة.
وما ظهر الدين وعرف الناس شرائع النبيين إلا بفضل الشباب الصالحين
قال تعالى في أصحاب الكهف (نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آَمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى (13))الكهف :13
فهؤلاء الفتية الذين يعتزلون قومهم إلى كهف ضيق مظلم ، فرارًا بدينهم ، كانوا النور الذي اهتدت به الأقوام من بعدهم ، وآية من آيات الله على أرضه .
ولا تنس أن العصبة المؤمنة التي تركزت في دار الأرقم وعلى يديْها تحقق نصر الإسلام كانوا شبابا، فرسول الله صلى الله عليه وسلم كان عمره أربعين سنة عند البعثة ، وأبو بكر كان أصغر من النبي بسنتين، وكان عمُر عمَر ستة وعشرون سنة ، وعثمان عشرين، وعلي ثمان عشرة سنة ، وزيد بن حارثة عشرين ، وعبد الرحمن بن عوف ثلاثين ، والأرقم بن الأرقم إحدى عشرة سنة وهو الذي تأسست في داره أول دار علم في الإسلام.
وسأذكر بعض الأمثلة والشواهد لشباب أفنوا أعمارهم في عبادة الله عز وجل وطاعته :
علي بن أبي طالب : القاتل لصناديد قريش وهو شاب
قَتل علي بن أبي طالب وهو شاب في يوم بدر شيبة بن الربيعة ، واشترك في قتل الوليد بن عتبة ، وقتل بعدهما العاص بن سعيد ، وعامر بن عبد الله ، وطعيمة بن عدي ، وزمعة بن الأسود ، ونوفل بن خويلد ، ..... خمسة عشر رجلا قتلهم علي في يوم بدر
وقبل هذا لا ننسى حمايته للنبي ودين الله عندما نام في فراشه في أصعب ليلة مرَّت بها الدعوة ، نام في الفراش وهو يعلم أنّ على الباب رجالا لايريدون إلا رأس النائم على الفراش
وفي يوم أحد يقتل علي :أبا أميمة بن أبي حذيفة ، وعبد الله بن حميد
وفي يوم الأحزاب يقتل عمرو بن عبد ود - فارس قريش في يوم الأحزاب -
لله در شاب كان أول من أسلم من الصبيان ، ترعرع وتربى في بيت النبوّة والرسالة
لله در شاب قال له النبي صلى الله عليه وسلّم (ألا يرضيك أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى ) رواه البخاري
لله در شاب قال عنه النبي ليلة خيبر ( لأعطين الراية غدًا رجلا يحبه الله ورسوله ) أخرجه مسلم
فأعطاها لعلي ، وقتل علي مرحب فارس خيبر
لله در شاب قال عنه النبي صلى الله عليه وسلّم ( إنّ منكم من يقاتل على تأويل هذا القرآن كما قاتلت على تنزيله ) فاستشرف الصحابة وفيهم أبو بكر وعمر - فقال : ( لا ولكنّه خاصف النعل ) يعني عليًا رضي الله عنه .... فقاتل الخوارج -صحيح الجامع-
***
معاذ بن جبل مقدام العلماء
قال صلى الله عليه وسلّم ( استقرئوا القرآن من أربعة : من عبد الله بن مسعود ، وسالم مولى أبي حذيْفة ، وأُبي بن كعب ، ومعاذ بن جبل ) البخاري ومسلم
وفي الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لمعاذ ( يامعاذ ، والله إني لأحبك ، والله إني لأحبك ....) رواه أحمد
لله دره من سيد ، له أسبقيّته ، وإيمانه، هو معلم وفاتح اليمن .
وأعظم مزاياه أنه كان فقيها أعلم الأمة بالحلال والحرام كما شهد له رسول الله
ويقول عنه عمر ( لولا معاذ بن جبل لهلك عمر )
كان أصحاب رسول الله إذا تحدثوا وفيهم معاذ نظروا إلى هيبته ، فقد بلغ منزلة عظيمة في العلم ، أيام رسول الله وبعد مماته
مات رحمه الله ولم يجاوز ثلاثًا وثلاثين سنة ، وقد حصّل ما حصّل في الفقه وعلم الحلال والحرام في تسع سنوات
لله در معاذ من شاب فارس مغوار مشتاق لربه
كان رضي الله عنه قائد الميمنة في أجنادين ، وقام في أصحابه فقال : (يا معشر المسلمين : اشروا أنفسكم اليوم لله .. فإنكم إن هزمتموهم اليوم ، كانت لكم هذه البلاد دار الإسلام أبدًا مع رضوان الله والثواب العظيم من الله)
قال عنه ثابت بن سهل : ( كان معاذ بن جبل من أشّد الناس علينا حرصًا ، وأمضاهم في رقاب الروم سيفًا )
قاد الميمنة في معركة اليرموك ، وخطب الناس في صباح المعركة ، فقال ( يا قُرَّاء القرآن ومستحفظي الكتاب وأنصار الهدى وأولياء الحق ، إن رحمة الله - والله- لا تُنال بالأماني ، ولا يؤتي الله المغفرة والرحمة الواسعة إلا الصادقين المصدقين ، ... أنتم إن شاء الله منصورون فأطيعوا الله ورسوله ، ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم ، واصبروا إن الله مع الصابرين ، واستحْيوا من ربكم أن يراكم فرارًا من عدوكم وأنتم في قبضته ورحمته ، وليس لأحد منكم ملجأ من دونه ، ولا متعزز بغير الله)
ولما نزل الطاعون في جند الشام وهو فيه قال للصحابة ( رحمة ربكم ، ودعوة نبيكم ، وموت الصالحين قبلكم ، اللهم فآت آل معاذ النصيب الأوفر من هذه الرحمة )
فما أمسى حتى طُعِن ابنه عبد الرحمن ، فرجع من المسجد ، فوجده مكروبًا ،
فقال : يا عبد الرحمن كيف أنت ؟
فقال عبد الرحمن : يا أبة : (الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ (147))البقرة
فقال معاذ رضي الله عنه : وأنا ستجدني إن شاء الله من الصابرين ، فمات من ليلته ودفن من الغد
كان رضي الله عنه مشتاق لربه صابر محتسب ، فقد أصاب أهل بيته الطاعون ولم يبق منهم أحد ، وطُعِن في أصبعة السبابة فكان يقول : ما يسرني أن لي بها حمر النعم
ولما حضره الموت قال : ( أعوذ بالله من ليلة صباحها إلى النار ، مرحبا بالموت مرحبا زائرا مغيب ، حبيب جاء على فاقة ، اللهم إني قد كنت أخافك فأنا اليوم أرجوك ، اللهم إن كنت تعلم أني لم أكن أحب الدنيا وطول البقاء فيها لكرى الأنهار ، ولا لغرس الأشجار ، ولكن لظمأ الهواجر ، ومكابدة الساعات ، ومزاحمة العلماء بالركب عند حلق الذكر )
هذا هو معاذ بن جبل فأين نحن منه
***
الحب بن الحِب : أسامة بن زيد رضي الله عنه
كان رضي الله عنه على حداثة سنه ، مؤمنًا صلبًا ، ومسلمًا قويًا ، يحمل كل تبعات إيمانه ودينه ، في ولاء مكين ، وعزيمة قاهرة جعلته قريبا من قلب رسول الله وكبيرا في عينيْه .
وفي سن مبكرة - لم يتجاوز العشرين - أمَّر الرسول صلى الله عليه وسلّم أسامة بن زيد على جيش ، بين أفراده وجنوده أبو بكر وعمر ، فاستكثر المسلمون على الفتى الشاب إمارة جيش فيه شيوخ الأنصار وكبار المهاجرين،
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إن تطعنوا في إمارته فقد طعنتم في إمارة أبيه من قبله ، وايم الله لقد كان خليقًا للإمارة ، وإن كان من أحب الناس إليّ ، وإن هذا لمن أحب الناس إليّ من بعده ) رواه البخاري
بعث رسول الله أسامة على جيش المسلمين إلى حيث قٌتِل أبوه والصحابة ،
ولكن مرِض الرسول صلى الله عليه وسلم مرضَه الذي قُبِض فيه ، فتأخر خروج الجيش .
وعندما سار بجيشه نحو مؤتة ، بعث فرسانه لينهضوا الثابتين على الإسلام ، ويعينوهم على من ارتد ، وهرب المرتدون إلى دومة الجندل ، ولم تكن هذه من أهداف أسامة ،فما إن عادت إليه خيوله حتى مضى يغير إغارات شديدة وسريعة ، هنا وهناك ، ثم قدم المدينة سالما غانما بعد أن غاب عنها خمسة وثلاثين يوما، بلا ضحايا
وقال عنه المسلمون يومئذٍ ( ما رأينا جيشًا أسلم من جيش أسامة )
وكان هرقل بحمص حين بلغه ما صنع أسامة بعملائه العرب النازلين بأطراف إمبراطوريّته
فدعا بطارقته وقال لهم ( هذا الذي حذّرتكم فأبيتم أن تقبلوه مني ، قد صارت العرب تأتي من مسيرة شهر فتغير عليكم ، ثم تخرج من ساعتها ولم تُكلَم )
أي تجرح.
هذا هو أسامة بن زيد ، فرضي الله عن الشاب الربانيّ الحِب ابن الحب
****
المرجع :
ترطيب الأفواه بذكر من يظلهم الله
لم أنتهي بعد
وتابعوا معي قصصا أخرى لشباب قضوا شبابهم في طاعة الله ومرضاته
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته