
24-07-2009, 12:08 PM
|
 |
مراقبة الملتقيات
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2009
مكان الإقامة: أبو ظبي
الجنس :
المشاركات: 13,882
الدولة :
|
|
رد: كتاب سيماهم في وجوهم د. عائض بن عبد الله القرني
فقال هشام : يا سليمان بن يسار ( أحد العلماء ) من الذي تولى كبره ؟ أي : في قوله تعالى :{وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ} (النور: من الآية 11) في حادثة الإفك .
قال : عبد الله بن أبي .
قال : كذبت .
فقال : يا فلان ، من الذي تولى كبره ؟
قال : عبد الله بن أبي .
قال : كذبت ، الذي تولى كبره هو علي .
فقال : يا زهري من الذي تولى كبره .
قال : عبد الله بن أبي .
قال : كذبت .
فقام الزهري ، وكان جالسا قال : كذبت أنت وأبوك وجدك ! الذي تولى كبره : عبد الله بن أبي بن سلول ، حدثني بذلك عروة عن عائشة ، ووالله لو نادى مناد من السماء أن الكذب حلال ما كذبت.
فانتفض هشام ، وقال : لعلنا هيجنا الشيخ!
وكان عبد الله بن علي العباسي سفاكا ، والغا في الدماء والأموال ، فسال وزراءه : أترون أحداً يعترض على ما فعلت ؟
قالوا : نظن الاوزاعي يعترض
فاستدعوا الاوزاعي .
قال الاوزاعي : انتظروا قليلا ، فلس أكفانه بعد أن اغتسل وتطيب ، ولبس ثيابه والأكفان من تحتها .
فدخل على عبد الله بن علي .
قال الاوزاعي : والله ، الذي نفي بيده ،لما دخلت عليه أصبح كأنه ذباب في عيني ، وكأني أتصور عرش الله بارزا للناس .
قال : فانعقد في جبينه عرق ، وفي يده خيزران ، وكانت السيوف قد اشرعت على رأس الاوزاعي .
فقال : يا اوزاعي ، ما رأيك في الدماء التي سفكناها ؟
قال : حدثنا فلان ، عن فلان، عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لا يحل دم المسلم إلا بإحدى ثلاث : الثيب الزاني ، والنفس بالنفس ، والتارك للجماعة )).
فغضب وقال : والأموال ؟
قال : حلالها حساب ، وحرامها عقاب .
قال : اخرج
فخرجت .
قال: ارجع .
فرجعت ، وانتظرت السيف أن يعلوني .
قال : خذ هذه الصرة ، فيها فضة وذهب .
فأخذها فوزعها على الجنود، ثم خرج !
وهكذا فعل الإمام أحمد مع المعتصم.
أما بذلهم للعلم :فهي مسالة نشكو منها .
فنحن نعيش أزمة علماء ، وأزمة دعاة ؛ لأن منهم من يقطر العلم بقطارة ، ومنهم من ينفق العلم ، وكأنه ينفق من جيبه .
العلماء كثير وكثير ن ولكن الساحة تشتكي ، فهي تريد أن ينزلوا ؛ لأن الأجيال بحاجة لهم .
كان عروة بن الزبير يتألف الناس على الحديث ، ويقول لطلابه : من يحضر منكم اليوم فله دينار .
لماذا ؟
لأنه يريد أن ينشر العلم الذي عنده ؛ لأن العلم حياة ، والعلم إذا حبس ضاع ، وإذا حب نقص فهو :
يقول تعالى :{وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ} (آل عمران:187) وقال سبحانه وتعالى {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ} (البقرة:159) {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} (البقرة:160)
أما خشيتهم لله عز وجل :
فالله يقول في القرآن {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} (فاطر: من الآية 28) .
لأنهم تعرفوا على الله ، فهابوا ، وكل شيء تقرب منه تأمنه إلا الله كلما اقتربت منه خفته .
لذلك تجد الفاجر لا رهب الله ، فهو يضحك ، ويمزح ويعربد بكلام سيئ ، ويعصي الله ، ويفجر وليس بخائف .
والمؤمن التقي العالم بالله ، إذا عصا معصية ، أو فعل فعلة ، استغفر واستوحش ، وبقي في اضطراب ، وفزع وخوف وحزن ، وهم وغم .
ولذلك يقول ابن مسعود : إن المؤمن يرى ذنوبه كأنها جبل يريد أن يسقط عليه ، وإن الفاجر يرى ذنوبه كذبا ، قال به هكذا فطار من على انفه .
قال أبو وائل : والله ، لقد رأيت جفني ابن عباس من البكاء كالشراكين الباليين .
وورد عنه انه قام ليلة في الحرم من صلاة العشاء إلى صلاة الفجر يردد قوله سبحانه وتعالى : {لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ وَلا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيّاً وَلا نَصِيراً} (النساء:123)
وأبو بكر لما نزلت هذه الآية قال للرسول صلى الله عليه وسلم : كيف العمل بعد هذه الآية ؟{مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ} (النساء: من الآية 123) .
فقال صلى الله عليه وسلم : غفر الله لك ، يا أبا بكر ، ألست تهتم ؟ ألست تحزن ؟ ألست تمرض ؟
قال : بلى ، يا رسول الله.
قال : (( لا يصيب المؤمن من هم ولا نصب ولا وصب ولا مرض إلا كفر الله بها من خطاياه)) (25).
قال بعض أرباب القلوب : رب باك دمعت عيناه من البكاء ، ولكن لا ينظر إلى نظر الله إليه .
ورب ساكت ساكن ، يخاف من وقعات قدمه : أن تعطيش به في نار جهنم.
فليس المقصد البكاء ، وإنما المقصد : خشية الله الواحد الأحد { إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} (فاطر: من الآية 28) .
خرج ابن المبارك الزاهد العباد الشهير ، فمر بقصر لطاهر بن حسين في خراسان .
فنظر إلى القصر ، وكان مهولا ،فدمعت عيناه ، وقال : والله لقصيدة عدي بن زيد أحب ، وأحسن عندي من هذا القصر .
عدي بن زيد شاعر جاهلي يقول :
أيها الشامت المعير بالدهر *** أأنت المبرأ الموفور هل رأيت المنايا خلدن أمن *** ذا عليه من أين يضام مجير أين كسرى الملوك انو شروان *** أم أين قبله سابور وأما توضعهم لربهم تبارك وتعالى : فإن اكبر ميزة للعالم التواضع ؛ لأن العلم كالمال قد يطغى صاحبه {كَلَّا إِنَّ الْأِنْسَانَ لَيَطْغَى} (العلق:6)
{ أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى} (عبس:5)
ولذلك تجد اكبر الناس كبرا وعتوا : المثقفون بلا إيمان من فروخ العلمانية ، وفروخ النصرانية ، وفروخ الماسونية ، وأذناب الشيوعية .
فمن صفة العالم : التواضع الذي يجلب التبسم.
فهو يرحم الضعيف ، ويقف مع المسكين ، ويقود الأعمى ، ويساعد الأرملة ، ويخدم بجاهه ، ويقلمه ، وبكتبه ، وبماله ، وبوقته .
خرج ابن معود من المسجد ، فخرج تلاميذه وراءه ، فقال : عودوا إلى أماكنكم ، والله ، لو علمتم ما عندي من الذنوب لحثوتم بالتراب على رأسي .
هذا ، وهو ابن مسعود صاحب قيام الليل ، والصحابي الشهير ،الذي يقول أحد تلاميذه : نمت عنده ، فتركني ، ثم قام يتلو القرآن كأنه نحلة حتى الفجر .
يقول العلامة الأندلسي يناجي الله في الليل ببيتين فيقول :
يا من سترت مثالبي ومعايبي *** وجعلت كل الناس كالإخوان والله لو علموا قبيح سريرتي *** لأبي السالم علي من يلقاني لماذا يتكبر العبد ؟
لماذا لا يعود إلى تاريخه المظلم ؟
لماذا لا يتذكر سيئاته مع الواحد الأحد؟
تخيل ، لو كشف الله مخازيك ، وعرضها على الناس ، والله لا يتجملون لك ، ولا يسلمون عليك ، ولا يزورونك ، ولا يرحبون بك ، ولا يستقبلونك.
فكيف برب العباد الذي ير الخطأ منك ليل صباح ، ويغفر ويعفو ويستر ؟
دخل أحدهم على ابن تيمية ، شيخ الإسلام ، فمدحه ، وقال يا ابن تيمية أنت العالم البحر .
فغضب ابن تيمية حتى احمر وجهه وقال :
أنا المكدي وابن المكدي *** وكذا كان أبي وجدي يقول أنا فقير ، وأبي فقير ،وجدي فقير .
وله قصيدة اسمها الفقرية يشكو فيها فقره على الله ، يقول :
أنا الفقير إلى رب السماوات *** أنا المسكين في مجموع حالاتي وفي الحديث الصحيح : (( من تواضع لله رفعه ، ومن تكبر على الله وضعه )).
فكلما يتكبر العبد يقول الله له : اخأ فلن تعدو قدرك .
وكلما تواضع قال الله : انهض فقد رفعك الله .
إذا علم ذلك ، فإن من مما يميز علماء الإسلام علماء السنة على غيرهم ، هو : التواضع لله عز وجل {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجاهلونَ قَالُوا سَلاماً} (الفرقان:63) .
ولو ذهبت أعدد آثارهم ، وحكاياتهم في التواضع لطال المجال .
ولكن القوم فيما ظهر من أحوالهم : قد ساروا خطى قدوتهم وقدوتنا محمد صلى الله عليه وسلم ، الذي كان يضرب به المثل في التواضع ، كما علم هذا كثيرا ، حيث كان يركب الحمار ،وهو خاتم النبيين .
ويمشي مع الجارية .
ويقوم بأعماله المنزلية .
ويساعد أهله .
بل كان الداخل إلى المسجد ليسأله ، وهو لا يعرفه لا يستطيع أن يميزه من بين أصحابه ، حتى يسال عنه ؛ لأنه لا يتميز عليهم بثوب أو بجلسة أو بغير ذلك .
(18) رواه الترمذي (3736) ، والحاكم (3/242) وصححه وتعقبه الذهبي بقوله : لكنه منقطع ، وفي ثبوت الحديث بحث .
(19) وقد ذكر ابن الجوزي وغيره ، انه تاب وحسن إسلامه ، ثم أسلمت امرأته النصرانية.
(20) متفق عليه .
(21) صحيح ، رواه الترمذي ، وابن ماجه ، وصححه الألباني في الصحيحة (944).
(22) حسن ، رواه ابن ماجه (4112) ، وحسنه الألباني في المشكاة (5176).
(23) صحيح ، رواه الترمذي ، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (943).
(24) صحيح ، رواه أبو داود (4344) ، وابن ماجة (4011).
(25) صحيح ، رواه احمد ، وأصله في (( الصحيحين )) ، من حديثه ، رضي الله عنه .
|