
24-07-2009, 12:04 PM
|
 |
مراقبة الملتقيات
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2009
مكان الإقامة: أبو ظبي
الجنس :
المشاركات: 13,882
الدولة :
|
|
رد: كتاب سيماهم في وجوهم د. عائض بن عبد الله القرني
أما الرجل الثالث ، فهو عمرو بن العاص داهية العرب : الذي كان إذا رآه عمر بن الخطاب ، قال : رمينا ارطبون الروم بارطبون العرب .
كان عمرو بن العاص دقيقا قصيرا ، لكن كله عقل وذكاء يتوقد .
وجاء عن عمر انه كان إذا رآه يقول : ليس لأبي عبد الله أن يمشي إلا أميرا .
روي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : (( بنو العاص مؤمنان عمرو وهشام )) والحديث هذا صحيح(10) .
تأخر في الإسلام ، رضي الله عنه و أرضاه ، فرافقه إلى المدينة عثمان بن أبي شيبة ؛ من بني عبد الدار وخالد بن الوليد ، فلما اقتربوا من المدينة ، قال عمرو لهم : دعوني حتى أقدم على الرسول صلى الله عليه وسلم ، فإن لي ذنوبا اعتذر منها .
فتركوه .
فاقبل عمرو ، فلما رآه صلى الله عليه وسلم هش وبش في وجهه ، وقام له فأجلسه بجانبه .
قال : يا رسول الله ، أريد أن اسلم ابسط يدك لأبايعك .
فبسط يده صلى الله عليه وسلم ، فقبض عمرو يده .
قال صلى الله عليه وسلم : (( ما لك يا عمرو )) ؟
قال : اشترط .
قال : (( ماذا تشترط )) ؟
قال : اشترط أن يغفر الله لي ذنبي .
قال : (( أما علمت يا عمرو أن الإسلام يهدم ما قبله وان التوبة تجب ما قبلها )) ؟
قال عمرو : فأسلمت ، فوالله الذي لا إله إلا هو ، ما كان أحد احب إلي من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والله ما ملأت عيني بعد الإسلام منه إجلالا له ، والله لو سألتموني الآن أن أصفه ما استطعت أن أصفه.
فاسلم ، وأصبح من دهاة الناس ، عظيما من العظماء ، ينفع الله به هذا الدين ، ويقود كتائب المسلمين .
وله مواقف مع الرسول صلى الله عليه وسلم .
في ترجمته أن الرسول صلى الله عليه وسلم أراد أن يتألفه في أول أيام الإسلام ، فخطب صلى الله عليه وسلم فكان ينظر إلى عمرو ولا ينظر إلى الناس يتألفه بالنظر .
قال عمرو : فتوهمت إني أفضل الناس .
فلما انتهت الخطبة قلت : يا رسول الله من أفضل – ظن أن الرسول صلى الله عليه وسلم سيقول : عمرو بن العاص !..
قال : (( أبو بكر )) .
قال : ثم من ؟
قال : (( عمر )).
قال : ثم عدد رجالا ، فوددت أن الأرض خسفت بي(11).
قال عمرو : أرسلني صلى الله عليه وسلم في غزوة فأتيت لأتهيأ ، وهو يتوضأ صلى الله عليه وسلم فقلت : يا رسول الله ، أنا لا أريد المال أريد الجهاد في سبيل الله ، فتبسم صلى الله عليه وسلم وقال : (( يا عمرو نعم المال الصالح في يد الرجل الصالح ))(12).
وصح انه خرج في غزوة ، وكان قائدا على ابي بكر وعمر ، وعلى أمثالهما من الصحابة ، فأصابته جنابة في ليلة شاتبة .
فترك الماء ، لأنه ما استطاع أن يغتسل به فتيمم وصلى بهم .
فشكوه إلى الرسول صلى الله عليه وسلم .
فقال صلى الله عليه وسلم : (( يا عمرو أصليت بأصحابك جنبا )) ؟
قال : يا رسول الله إن الله يقول :{ وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً} (النساء: من الآية 29) يفتي بين يدي الرسول صلى الله عليه وسلم ! .
فتبسم صلى الله عليه وسلم وسكت (13).
والتبسم عند أهل الحديث : إقرار ، فإذا تبسم صلى الله عليه وسلم ، وسكت فسكوته : إقرار ، : اقره على ما فعل ، رضي الله عنه وأرضاه .
وفي إسلامه دروس :
أولا : أن التوبة تهدم ما قبلها من الذنوب والخطايا ، ولو كانت كالجبال إذا كانت صادقة نصوحا ، وأن الإسلام يهدم ما قبله من الخطايا فلا يعاتب العبد إذا أحسن على ما فعل في الجاهلية .
الثاني : أن علي الداعية أن يتألف القلوب بنظرة أو كلمة حانية .
الثالث : المبايعة بالأيدي ، وأنها سنة من سنن الرسول صلى الله عليه وسلم
الرابع : حبه صلى الله عليه وسلم وما كان له من منزلة في قلوب الصحابة .
الخامس : أن الناس يوزنون بميزان قوله – سبحانه وتعالى -:{أُولَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجَاوَزُ عَنْ سَيِّئَاتِهِمْ فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ} (الاحقاف:16)
السادس : أن الإنسان يقدر ببلائه في الإسلام .
السابع : أن الدهاء يستخدم لإعلاء كلمة الله ، ولا باس به ، وإذا استخدم لإضرار المسلمين فهو خبث ونكاية ونفاق ، والعياذ بالله .
(10) صحيح ، رواه أحمد (2/304 ، 327) ،والبخاري في (( التاريخ الكبير )) (6/303) ، والنسائي في (( فضائل الصحابة )) (195) ، والحاكم (3/268) ، والطبراني في (( الأوسط )) (7/28) ، وابن أبي عاصم في (( الأحاد والمثاني ))(2/99) ، جميعا من حديث محمد بن عمرو ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة به . وصححه الحاكم عل شرط مسلم ، وأقره الذهبي ، وانظر (( مجمع الزوائد )) (9/352).
(11) متفق عليه .
(12) صحيح ، اخرجه الطيالي (1061) ، وابن أبي شيبة (22182) ،وأحمد (4/202) ، والبخاري في (( الأدب المفرد )) (299) ، وأبو يعلى (7336) ، وابن حبان (3211- إحسان ) ، والحاكم (2/2) ، جميعا من حديث موسى بن علي ، عن أبيه ، عن عمرو بن العاص به . وصححه الحاكم على شرط مسلم وأقره الذهبي ، وهو كما قالا ، فرجاله كلهم ثقات على رسم مسلم في (( صحيحه )).
(13) صحيح ، رواه أحمد (4/203) ، وصححه الألباني في (( الإرواء )) (154).
|