عرض مشاركة واحدة
  #3  
قديم 24-07-2009, 11:57 AM
الصورة الرمزية أم عبد الله
أم عبد الله أم عبد الله غير متصل
مراقبة الملتقيات
 
تاريخ التسجيل: Feb 2009
مكان الإقامة: أبو ظبي
الجنس :
المشاركات: 13,882
الدولة : Egypt
افتراضي رد: كتاب سيماهم في وجوهم د. عائض بن عبد الله القرني

فمن خصائص هذا الجيل :
1- أن الله زكاهم ، ومن بعدهم فإنه يحتاج إلى من يزكيه ، فلا نحتاج معهم لكلام العالم يحيى بن معين ، ولا لأبي حاتم ، ولا لابن حبان ، بل لكلام الله عز وجل ، وهو يزكي أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ} (الفتح: من الآية 29)
فهو صلى الله عليه وسلم مع أصحابه مزكون طاهرون ، زكاهم الله في التوراة والإنجيل ، ثم زكاهم في القرآن ، والله عز وجل قد تكفل بتطهيرهم وتزكيتهم .
وان ابن مسعود ، رضي الله عنه و أرضاه ، يقول عليكم بأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ، فإن الله نظر في قلوب عباده فوجد قلب محمد أصفاها وأتقاها ، ثم نظر في قلوب الناس فوجد قلوب أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم أصفى القلوب وأتقاها فاختارهم لصحبة الرسول صلى الله عليه وسلم .
يقول سبحانه وتعالى :{لَكِنِ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ جَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَأُولَئِكَ لَهُمُ الْخَيْرَاتُ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}(التوبة:88).
والذين جاهدوا معه ، هم : أصحابه ، قتلوا بين يديه ، وقطعوا في بدر وفي أحد لرفع لا إله إلا الله .
وتستمر التزكية العاطرة من الواحد الأحد في كتابه {لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً }(الحشر: من الآية 8) . هذا وصف المهاجرين ، خرجوا من مكة ، طردتهم الجاهلية فهم صورة ناصعة .
فمنهم : صهيب بن سنان ، رضي الله عنه وأرضاه ، أخرجوه وطاردوه بالسلام فقال للمشركين : دعوني ، وخذوا كل مالي ، فقبلوا وتكروه ووفد صهيب على الرسول صلى الله عليه وسلم ، وكل صهيب أسى ، وكله جوع ، وله ظمأ ، وكله سهاد، لكن في سبيل الله ، فلما رأى وجهه صلى الله عليه وسلم قال : (( ربح البيع أبا يحيى ، ربح البيع أبا يحيى ، ربح البيع أبا يحيى )) ، فانزل الله المبايعة فقال : {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ} (البقرة:207) .
وأتى مصعب بن عمير ، ترك لحافه الوثير ، وفراشه الدافئ ، وذهبه وفضته لأمه المشركة العجوز ، فلما رآه صلى الله عليه وسلم دمعت عيناه ، وقال : (( والذي نفسي بيده لقد رأيت مصعبا من أغنى أهل مكة )) ثم ترك ذلك كله لله ، ومع ذلك ما كفى مصعبا : أن يترك أمواله ودوره وسكنه ، بل زاد على ذلك بأن قطع جسمه في أحد ، فأتي ببردة لتكون كفنه ، فكانوا إذا غطوا رآه بدت رجلاه ، وإذا غطيت رجلاه بدا رأسه ، فبكى صلى الله عليه وسلم مرة آخر عند هذا الجثمان .
قال سبحانه وتعالى : {يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ}( الحشر : من الآية 8 ).
هذه ميزة للصحابة {وَرِضْوَاناً وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} ، أولئك هم الصادقون .
ثم التفت الخطاب إلى الأنصار {وَالَّذِينَ تَبَوَّأُوا الدَّارَ وَالْأِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ } (الحشر: من الآية 9).
قال تعالى : {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً} (الفتح:18) .
قال أهل التفسير : فعلم ما في قلوبهم من الإخلاص .
وقال غيرهم فعلم ما في قلوبهم من الحب لله .
والصحيح : علم ما في قلوبهم من الخير .
يقول بعض الأدباء : كأني بالصحابة ،أي مشاعر عاشوها ؟ يسمعون نداء الله من فوق سبع سماوات يقول لهم {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ} ويقول سبحانه : {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ }(التوبة: من الآية 100).
من لي بمثل سيرك المدلل *** تمشي رويدا وتجي في الأول
الأولون ، يوم الفقر والعوز ، يوم الشدة ، يوم التهديد ، يوم تقف الجاهلية كلها ضد الرسول صلى الله عليه وسلم ، يوم تهدده الكرة الأرضية ، تهدده اليهودية والنصرانية والصابئة والمجوس ، فيقف معه أبو بكر وعمر ، والصفوة الأولى .
قم يقول سبحانه وتعالى {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأنصار وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} (التوبة:100) وهو خير من فوز الدنيا وما فيها .
أما الأحاديث في فضلهم ، رضوان الله عليهم ، فكثيرة . منها ما جاء من حديث عمران بن الحصين ، رضي الله عنهما ، أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال : (( خير القرون قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم )).
فهم خير القرون أبدا ، ومن طعن فيهم فهو علامة البدعة والرجس والخبث والهوى ، علامة الجهل بأمر الله سبحانه وتعالى .
وثبت من حديث أبي سعيد الخدري ، رضي الله عنه ، أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال : (( لا تسبوا أصحابي ، لا تسبوا أصحابي ، فإن أحدكم لو انفق مثل أحد ذهبا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه )).
وفي الحديث : (( الله الله في أصحابي ، لا تتخذوا أعراضهم غرضا ، فمن أحبهم فبحبي أحبهم ، ومن ابغضهم فببغضي ابغضهم )).
ولذلك عقد البخاري في الصحيح ( باب ) : آية الإيمان حب الأنصار .. وآية النفاق بغض الأنصار .
فمن خاف في إعراض الصحابة أو تعرض لهم ،فواجب تأديبه ، والأخذ عل يديه ، وهو سفيه ، لأن الله تعالى مدحهم وأثنى عليهم وزكاهم .
وثبت في (( صحيح مسلم )) عن عروة قال : قالت لي عائشة : يا ابن أختي ، أمروا أن يستغفروا لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فسبوهم .
قال تعالى : {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْأِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ} (الحشر:10) .
قال ابن تيمية : لا يجوز أن يدفع الفيء إلى الرافضة ؛ لأنهم لم يقولوا { رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْأِيمَانِ } (الحشر: من الآية 10) .
وقال صلى الله عليه وسلم ، وهو يرفع طرفه إلى السماء : (( النجوم آمنة السماء ، فإذا ذهبت النجوم أتى السماء ما توعد، وأصحابي أمنة لأمتي ، فإذا ذهب أصحابي أتى أمتي ما يوعدون )) .
فالرسول صلى الله عليه وسلم أمنة لأصحابه من الفتن . ولذلك لم تظهر البدع إلا بعد موتهر صلى الله عليه وسلم ، والصحابة أمنة للأمة لما حموله من الآثار ، وما صدقوا فيه من الأخبار ، ولما قدموا فيه الانتصارات الباهرة .
وعن ابن عمر ، رضي الله عنهما ، قال : من كان مستنا فليستن بالميت ، فإن الحي لا تؤمن عليه الفتنة .
قال بعض الشعراء يمدح أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم :
وقاتلت معنا الأملاك في أحد *** تحت العجاجة ما حادوا وما انكشفوا
سعد وسلمان والقعقاع قد عبروا *** إياك نعبد من سلسألها رشقوا
أملاك ربي بماء المزن قد غسلوا **** جثمان حنظلة والروح تختطف
وكلم الله من أوس شهيدهم *** من غير ترجمة زيحت له السجف

2- من الخصائص : أنهم يهتمون بأعمال القلوب أكثر من اهتمامهم بأعمال الجوارح ، لا لأنهم مقصرون في أعمال الجوارح ، لكن ليسوا كتقصير الأجيال الحالية يوم اهتمت بأعمال الجوارح وتركت أعمال القلوب ، إلا من رحم الله ، فتجد في المتأخرين من يهتم بأمر السنة في الظاهر فيطلق لحيته ، وهذا لابد منه ،ويقصر ثوبه ، وهذا لابد منه، وتجده يتفنن في إيراد السنة على مظهره ، ولكن قلبه محشو من الكبر والعجب والرياء والحسد .
فأما الصحابة فقد صفى الله قلوبهم من هذه الأمراض فلا تجد منهم حسدا ولا كبرا ولا رياء ؛ لأن الله اصطفاهم مخلصين ، وصفاهم سبحانه وتعالى بالمحن والزلازل والفتن إلى درجة أن جعلهم عبادا له خلصا ، رضوان الله عليهم .
عن قتادة قال: سئل ابن عمر هل كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يضحكون ؟
قال : نعم ، والإيمان في قلوبهم أعظم من الجبال .
كانوا يضحكون كما يضحك الناس ، وكانوا يتمازحون ، ولحياتهم بساطة ويسر وسهولة .
لكن إذا وصلت التضحية قدموا رؤوسهم على أياديهم ، وسلوا سيوفهم في سبيل الله .
وهذا أمر يفوت الكثيرين ، حتى تجد الناس يتكلمون في الأمور الظاهرية ، بينما يتركون الأمور الباطنية التي هي من أعمال القلوب . فانك الآن لو سمعت بشارب خمر لقامت الدنيا وقعدت ،ولم تسكن ، بينما يوجد في الناس من يحسد ، ومن يتكبر على عباد الله ، لا يفعل الكبائر الظاهرة ، فيبدو عند الناس من أهل الصلاح .
فالصحابة كانوا مجردين له في بواطنهم ، قد أخلصوها للواحد الأحد .
قيل لابن عمر ، رضي الله عنهما ، وهو محرم : ألم تسمع ما يقول هذا الشاعر – شاعر يتغنى وهو محرم ؟
قال : ماذا يقول الشاعر ؟
قالوا : يقول :
قف بالطواف ترى الغزال المحرما *** حج الحجيج وعاد يقصد زمزما
لو أن بيت الله كلم عاشقا *** من قبل هذا كاد أن يتكلما

فهذا حاج محرم ،رأى هذه الجميلة فضيع الأركان والطواف والسعي ، وأخذ يتغزل !
قال ابن عمر : سبحان الله ! والله الذي لا إله إلا هو ، ما دخلت الحرم إلا ونسيت الدنيا .
3- من الخصائص : سلامتهم النفاق العملي والاعتقادي ، فلا تجد صفات المنافقين فيهم ؛ مثل : إذا حدث كذب ، وإذا وعد أخلف ، وإذا أؤتمن خان ، وإذا خاصم فجر ، وإذا عاهد غدر .
بينما تجد من يقوم الليل في المتأخرين ، أو من يصوم الاثنين والخميس ، أو من يقرا القرآن ويختمه كل أسبوع ،أو من يكثر من التسبيح ، توجد فيه بعض هذه المسائل ، فالصحابة خصهم الله بان برأهم من النفاق الاعتقادي والعملي .
قال ابن أبي ملية : أدركت ثلاثين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، كلهم يخاف النفاق على نفسه ، ما منهم أحد يقول : انه على إيمان جبريل وميكائيل .
فخوف الصحابة من النفاق لعلهم مبرئين منه .
أما المتأخرون فتجدهم يبرئون انفهم بأنفسهم ، حتى تجد الواحد منا إذا قلت : بأنك منافق غضب وأرعد ، وقد يكون منافقا حقيقيا لكن مع ذلك لا يرضى بهذا ، ويغضب عليك ، حتى يقول الحسن : ما خافه إلا مؤمن ولا أمنه إلا منافق .
والمعنى : ما خاف النفاق إلا مؤمن ، فإذا رأيت الرجل يخاف من الرياء ، ويخاف النفاق ، ويخاف أن يكون مشركا ، فاعلم انه قريب من الله ، إما من يأمن من مكر الله فهو مخذول لا محالة .
وفي الحديث أن عمر ، رضي الله عنه و أرضاه ،قال لحذيفة بن اليمان: يا حذيفة ، أسالك بالله أسماني رسول الله صلى الله عليه وسلم من المنافقين ؟
قال : لا ، ولا أزكي أحداً بعدك .
4- ومن الخصائص : جهدهم المنقطع النظير في الدنيا ، قد يأتي أفراد في الدنيا يكونون في الزهد على درجة عالية ، لكن الزهد الجماعي الذي عاشه الصحابة، والتخلي عن ملذات الدنيا ، وطلب رضوان الله عز وجل ، وطلب ما عند الله عز وجل أمر عظيم ، وفي حديث أبي هريرة المشهور ، قال : صليت المغرب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما انصرف الناس تعرضت لعمر بن الخطاب ما بي إلا الجوع ، الجوع الشديد الذي كان يصيب أبا هريرة ، حتى يقول : والذي نفي بيده لقد كنت اصرع بين المنبر وبين بيت الرسول صلى الله عليه وسلم من شدة الجوع ، فيظن الناس أن بي مسا من الجنون !
قال : فتصديت لعمر فسألته عن الآيات من أواخر سورة آل عمران فتلاها .
قال : فتصديت لأبي بكر وسألته عن الآيات .
قال : اعرفها ، فتلاها علي
فخرج صلى الله عليه وسلم فتصدى له أبو هريرة ، فسأله عن الآيات من آخر سورة آل عمران ، فضحك صلى الله عليه وسلم ، ثم اخذه بيده ودخل على إحدى زوجاته .
فقال : أعندكم طعام .
قالت لا ، إلا شيء من لبن أرسله لنا بنو فلان من الأنصار .
قال : يا أبا هريرة ،أطلق إلى أهل الصفة فتعال بهم .
قال أبو هريرة لنفسه :ماذا يصنع هذا اللبن مع أهل الصفة ؟ وهم فقراء بالعشرات في المسجد ، وماذا يبقى لي ، قال : فاخذوا أماكنهم.
قال صلى الله عليه وسلم : (( يا أبا هريرة ، خذ الكوب وناول الناس )) ، فيأخذ الإناء يملؤه ويعطيهم واحدا واحداً ، حتى رووا من اللبن .
قال : (( يا أبا هريرة ، بقيت أنا وأنت )) .
قال : صدقت ، يا رسول الله .
قال : (( اشرب )) .
والرسول صلى الله عليه وسلم يبتسم .
فشرب ، قال: (( زد )) ، فشرب ، قال : ( زد)) ،فشرب قال : (( زد )) .
قال : والذي نفسي بيده ، يا رسول الله ، لا أجد له مسلكا .
رأى ابن عمر رفقة من أهل اليمن ، رحالهم الجلود الممزقة القديمة ، فقال : من أحب أن ينظر إلى شبه أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم فلينظر إلى هؤلاء .
وعن عائشة قالت : مات أبو بكر فما ترك دينارا ولا درهما ، وكان قد أخذ قبل ذلك ماله فألقاه في بيت المال .
وفي سيرة أبي بكر ، رضي الله عنه : انه ترك بغلة وثوبين ، فدفعهما إلى عمر ، وكتب له سطرين ، قال : يا عمر ، قد وليتك امر أمة محمد ، فاتق الله ، لا يصرعنك الله مصرعا كمصرعي .
فلما وصلت عمر جلس يبكي ، ويقول : أتعبت الخلفاء بعدك ، يا أبا بكر .
وفي (( كتب السير )) أن سعد بن أبي وقاص لما فتح المدائن وجد المائدة الكبرى ؛ مائدة انو شروان ، مائدة مرصعة بالذهب والزمرد واللؤلؤ والدر .
فحملوها على الرؤوس ، ووضعوها على جمل ، وأرسلوها لعمر .
فلما رآها عمر بكى ، وقال : والذي نفسي بيده ، إن رجالا بلغوها اياي لأمناء .
فهذا زهدهم ، رضي الله عنهم ، الذي ميزهم عن غيرهم .
5- من الخصائص : علم اليقين ، فهم ارفع من كل الطبقات والقرون بعلم اليقين أي : انهم يعبدون الله بعلم اليقين ،فالواحد منهم في الصباح يذهب إلى المعركة ، ويقول لأهله : استودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه .
قالوا : تعود إلينا ؟
قال : والله ، لا أعود ، أريد جنة عرضها السماوات والأرض .
ابن رواحة يقول له الصحابة : يا ابن رواحة عد لنا بالسلامة .
قال لا ، لا أريد أن أعود .
قالوا : لماذا ؟
قال :
لكنني أسأل الرحمن مغفرة *** وطعنة ذات فرغ تقذف الزبدا
حتى يقال إذا مروا على جدثي *** يا ارشد الله من غاز وقد رشدا

ذكر عن علي ، رضي الله عنه وأرضاه ، انه قال : والذي نفسي بيده لو كشف الله لي الغطاء ما زدت على ما عندي من إيمان حبة خردل .
ونحن عندنا الظن ، يعني : نصدق بأن هناك جنة ، لكن أعمالنا وتطبيقنا وصلاحنا لا يدل على هذا .
ومن الناس من وصل إلى حال مناقض لحال الصحابة ، فلم يعد يبصر إلا المادة .
يقول أحدهم وهو المتنبي
خذ ما رأيت ودع شيئا ودع شيئا سمعت به *** في طلعة البدر ما يغنيك عن زحل
أي : تعجل شهوات ، ويقول آخر :
لبست ثوب العمر لم استشر وتهت فيه بين شتى الصور
فما أطال النوم عمرا ولا *** قصر في الأعمار طول السهر
يقول : اشرب ، وكل ، واعص الله ، فانك لا تدري ما النتيجة تخرج ، أو لا تخرج من هذه الدنيا !!
فالصحابة كانوا يعبدون الله على علم اليقين .
6- من الخصائص اهتمامهم باجتماع الكلمة ، ونبذ الفرقة فإن الله سبحانه وتعالى ذم الخلاف ، ونهى عن التفرق ، فقال )وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا )(آل عمران: من الآية 103) ، وقال سبحانه وتعالى : {وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} (آل عمران:105) ، فالصحابة كانوا يحرصون على اجتماع الكلمة ، وكانوا نصحة .
فعن سليم بن قيس العامري ،قال : سأل ابن الكوا – أحد الخوارج – عليا عن السنة والبدعة ، وعن الجماعة والفرقة .
فقال : يا ابن الكوا ، حفظت المسالة ، فافهم الجواب : السنة ، والله ، سنة محمد صلى الله عليه وسلم ، والبدعة ما فارقها ، والجماعة ،والله ، ما اجتمع عليه أهل الحق ، وان قلوا ، والفرقة ما فارق ذلك ، واجتمع عليه أهل الباطل .
وجاء رجل إلى علي ، رضي الله عنه ، فقال : يا ابن أبي طالب ، أتدري أن أولئك على باطل وأنت على حق ؟
قال : ويل ، اعرف الحق تعرف أهله ، ولا تعرف الحق بالرجال .
فكانوا يحرصون على اجتماع الكلمة .
ومن ذلك : ما جاء عن قتادة قال : لما بلغ ابن مسعود أن عثمان صلى بمنى أربعا استرجع ،ثم قام فصلى أربعا .
فقيل له استرجعت ثم صليت أربعا .
قال : الخلاف شر ، الخلاف شر .
فكانوا ، رضي الله عنهم ، احرص الناس على الائتلاف ونبذ الفرقة .
رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 36.59 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 35.96 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.72%)]