
14-07-2009, 06:39 PM
|
 |
أستغفر الله
|
|
تاريخ التسجيل: Jan 2009
مكان الإقامة: بين الأبيض المتوسط والأطلسي
الجنس :
المشاركات: 11,032
|
|
رد: قضية الرزق والأجل
3- أن عليه أن يبادر بالتوبة قبل حلول أجله :
إذا أيقن المسلم أن كل شيء بيد الله تعالى وحده وأن أجله محدود ومعدود فما عليه إلا أن يستعد لهذه اليوم الذي – حتما – سيسير فيه إلى ربه تعالى .
ورحم الله الفضيل بن عياض إذ لقيه رجل فسأله الفضيل عن عمره فقال الرجل: عمري ستون سنة، قال الفضيل : إذاً أنت منذ ستين سنة تسير إلى الله، يوشك أن تصل.فقال الرجل: إنا لله وإنا إليه راجعون، قال الفضيل : هل عرفت معناها؟ قال: نعم، عرفت أني لله عبد، وأني إلى الله راجع، فقال الفضيل : يا أخي! إن من عرف أنه لله عبد وأنه إلى الله راجع عرف أنه موقوف بين يديه، ومن عرف أنه موقوف عرف أنه مسئول، ومن عرف أنه مسئول فَلْيُعِدَّ للسؤال جواباً، فبكى الرجل وقال: يا فضيل ! وما الحيلة؟ قال الفضيل : يسيرة.قال: ما هي يرحمك الله؟ قال: أن تتقي الله فيما بقي، يغفر الله لك ما قد مضى وما قد بقي.( الزمخشري : ربيع الأبرار 212 ).
والتوبة المقبولة لا بد وأن تكون قبل فوات الأوان. فيونس عليه الصلاة والسلام وقومه اعترفوا بذنوبهم وتابوا قبل أن يشرف عليهم الهلاك. قال الله تعالى: «إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا. وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآَنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا» (النساء/17-18).
ذلك أن المسوف يقضي دهره متعديا على حدود الله، مفرطاً في جنبه حتى إذا جاءه الموت، وكشف عنه الغطاء، وعاين الأمور على حقيقتها يتحسر ويندم، ويتمنى التأخير، أو الرجعة إلى الدنيا ليتدارك أمره، وأنى له ذلك، وقد ضاعت منه الفرصة وفات الأوان، يقول تعالى: حَتَّى إِذَا جَاء أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ )المؤمنون 99-100).
فالإنسان لا يدري بما يختم له ففي حديث ابن مسعود : " فو الله الذي لا إله غيره إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها " رواه البخاري ومسلم.
قال الشاعر:
يا نفس قد أزف الرحيل**وأظلك الخطب الجليل
فتأهبي يا نفس**لا يلعبن بك الأمل الطويل
فلتنزلن بمنزل**ينسى الخليل به الخليل
وليحملن عليك فيه **من الثرى حمل ثقيل
وقد يؤدي التسويف إلى تراكم الأعمال، وتزاحم الأعباء، فلا يدري المرء أيها يقدم، وأيها يؤخر، ومن ثم يتشتت فكره ويضيع سعيه، ويصبح أمره فرطا، ولا يمكن أن ينجز واجباً من الواجبات عَنْ أبي عَبْدِ الرَّحْمن عَبْدِ اللَّهِ بن عُمرَ بن الخطَّاب رضي الله عنهما عن النَّبيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قال: "إِنَّ الله عزَّ وجَلَّ يقْبَلُ توْبة العبْدِ مَا لَم يُغرْغرِ" (رواه الترمذي وقال: حديث حسنٌ).
فعلى المرء أن يسارع بالتوبة قبل حلول الأجل :
قدم لنفسك توبةً مرجــوةً ** قبل الممات وقبل حبسِ الألسنِ
بادر بها غلق النفوس فإنها ** ذخر وغُنْم للمنيب المحسـن
وهذا عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه وقد فرغ من دفن سليمان بن عبد الملك الخليفة الذي كان قبله، وانتهى من الخطبة التي افتتح بها حكمه بعد أن بايعه الناس، ينزل عن المنبر ويتجه إلى بيته، ويأوي إلى حجرته يبتغي أن يصيب ساعة من الراحة بعد هذا الجهد، وذلك العناء اللذين كان فيهما منذ وفاة الخليفة سليمان بن عبد الملك. وما يكاد يسلم جنبه إلى مضجعه حتى يقبل عليه ولده عبد الملك - وكان يومئذ يتجه نحو السابعة عشرة من عمره - ويقول له: ماذا تريد أن تصنع يا أمير المؤمنين؟ فقال: يا بني، أريد أن أغفو قليلا، فلم تبق في جسدي طاقة، فقال: أتغفو قبل أن ترد المظالم إلى أهلها يا أمير المؤمنين؟ فقال: أي بني، إني قد سهرت البارحة في عمك سليمان، وإني إذا حان الظهر صليت في الناس، ورددت المظالم إلى أهلها إن شاء الله، فقال: ومن لك يا أمير المؤمنين بان تعيش إلى الظهر؟ فألهبت هذه الكلمة عزيمة عمر، وأطارت النوم من عينيه وبعثت القوة والعزم في جسده المتعب، وقال: ادن مني أي بني، فدنا منه، فضمه إليه، وقبل ما بين عينيه، وقال: الحمد لله الذي أخرج من صلبي، من يعينني على ديني، ثم قام، وأمر أن ينادي في الناس: ألا من كانت له مظلمة فليرفعها (آفات على الطريق : الدكتور : السيد محمد نوح 3/85)
وقال لقمان لابنه: يا بني، لا تؤخر التوبة، فإن الموت يأتي بغتة، ومن ترك المبادرة إلى التوبة بالتسويف، كان بين خطرين عظيمين، أحدهما : أن تتراكم الظلمة على قلبه من المعاصي، حتى يصير رينا وطبعا فلا يقبل المحو، الثاني: أن يعاجله المرض أو الموت فلا يجد مهلة للاشتغال بالمحو .
وعن أبي إسحاق قال : قيل لرجل من عبد القيس في مرضه: أوصنا قال: أنذرتكم سوف .
وأوصى ثمامة بن بجاد السلمي قومه، فقال: أي قوم، أنذرتكم سوف أعمل، سوف أصلي، سوف أصوم .
ويقول الحسن البصري رحمه الله : إياك والتسويف، فانك بيومك، ولست بغدك، قال: فإن يكن غد لك، فَكِسْ فيه - أي اعمل عملا تكون به كيسا- كما كست في اليوم، وإلا يكن الغد لك، لم تندم على ما فرطت في اليوم .
وكان مالك بن دينار يقول لنفسه: ويحك، بادري قبل أن يأتيك الأمر، ويحك بادري قبل أن يأتيك الأمر. حتى كرر ذلك ستين مرة .
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا أراد الله بعبده خيراً استعمله) قالوا: كيف يستعمله؟ قال: (يوفقه لعمل صالح قبل موته) (رواه الإمام أحمد .والترمذي وصححه الحاكم في المستدرك).
وعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ ,أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم الْتَقَى هُوَ وَالْمُشْرِكُونَ فَاقْتَتَلُوا ، فَلَمَّا مَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم إِلَى عَسْكَرِهِ ، وَمَالَ الآخَرُونَ إِلَى عَسْكَرِهِمْ ، وَفِى أَصْحَابِ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم رَجُلٌ لاَ يَدَعُ لَهُمْ شَاذَّةً وَلاَ فَاذَّةً إِلاَّ اتَّبَعَهَا يَضْرِبُهَا بِسَيْفِهِ. فَقَالَوا : مَا أَجْزَأَ مِنَّا الْيَوْمَ أَحَدٌ كَمَا أَجْزَأَ فُلاَنٌ , فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم : أَمَا إِنَّهُ مِنْ أَهْلِ النَّارِ, فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ : أَنَا صَاحِبُهُ أبدا. قَالَ : فَخَرَجَ مَعَهُ , كُلَّمَا وَقَفَ وَقَفَ مَعَهُ ، وَإِذَا أَسْرَعَ أَسْرَعَ مَعَهُ , قَالَ : فَجُرِحَ الرَّجُلُ جُرْحًا شَدِيدًا ، فَاسْتَعْجَلَ الْمَوْتَ ، فَوَضَعَ نَصْلَ سَيْفِهِ بِالأَرْضِ , وَذُبَابَهُ بَيْنَ ثَدْيَيْهِ ، ثُمَّ تَحَامَلَ عَلَى سَيْفِهِ ، فَقَتَلَ نَفْسَهُ ، فَخَرَجَ الرَّجُلُ إِلَى رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم فَقَالَ : أَشْهَدُ أَنَّكَ رَسُولُ الله. قَالَ : وَمَا ذَاكَ ؟ قَالَ : الرَّجُلُ الذي ذَكَرْتَ آنِفًا أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ النَّارِ ، فَأَعْظَمَ النَّاسُ ذَلِكَ. فَقُلْتُ : أَنَا لَكُمْ بِه , فَخَرَجْتُ في طَلَبِهِ ، ثُمَّ جُرِحَ جُرْحًا شَدِيدًا ، فَاسْتَعْجَلَ الْمَوْتَ ، فَوَضَعَ نَصْلَ سَيْفِهِ بالأَرْضِ , وَذُبَابَهُ بَيْنَ ثَدْيَيْهِ ، ثُمَّ تَحَامَلَ عَلَيْهِ ، فَقَتَلَ نَفْسَهُ , فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم , عِنْدَ ذَلِكَ : إِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ عَمَلَ أَهْلِ الْجَنَّةِ , فِيمَا يَبْدُو لِلنَّاسِ ، وَهْوَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ عَمَلَ أَهْلِ النَّارِ , فِيمَا يَبْدُو لِلنَّاسِ ، وَهْوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ. (أخرجه اْحمد 5/331(23201) و"البُخَاريّ" 4/44(2898) و5/168(4204) و"مسلم" 1/74(221) و 8/49(6834).
ولقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يسأل الله دائما حسن الخاتمة , كما كان من دعائه صلى الله عليه وسلم :" اللهم بعلمك الغيب وقدرتك على الخلق أحيني ما علمت الحياة خيرا لي وتوفني إذا علمت الوفاة خيرا لي , اللهم إني أسألك خشيتك في الغيب والشهادة , وأسألك كلمة الحق في الرضا والغضب , وأسألك القصد في الغنى والفقر, وأسألك نعيما لا ينفد , وأسألك قرة عين لا تنقطع , وأسألك الرضا بعد القضاء , وأسألك برد العيش بعد الموت , وأسألك لذة النظر إلى وجهك والشوق إلى لقائك في غير ضراء مضرة ولا فتنة مضلة , اللهم زينا بزينة الإيمان واجعلنا هداة مهتدين" (النسائي 3 / 54 , 55 وأحمد 4 / 364 وصححه الألباني في صحيح النسائي 1 / 281).
فاشتغل أيها العبد بما أنت مخلوق له , ولا تنشغل بما خُلق لك , فما قدر على فكيك أن يمضغاه فلسوف يمضغاه , وما قدر لك من أجل لن ينقص ولن يزيد ؛ لأن ربك فعال لما يريد .
صيد الفرائد
|