
20-06-2009, 12:59 PM
|
 |
مراقبة الملتقيات
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2009
مكان الإقامة: أبو ظبي
الجنس :
المشاركات: 13,883
الدولة :
|
|
رد: سلسلة ( حديث القرآن عن القرآن )
حديث القرآن عن القرآن (41)
ومن حديث القرآن عن القرآن ما تضمه قوله تعالى في سورة الأنفال: ﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ﴿2﴾﴾ [الأنفال: 2].
ففي الآية بيان لتأثير القرآن في قلوب الناس وسلوكهم.
فإن قلوب المؤمنين تستقبل القرآن، كما تستقبل الأرض الطيبة ما ينزل عليها من الغيث، فتهتز وتربو وتنبت وتثمر.
إن للقرآن تأثيره في النفوس وهو يوجهها ويهديها إلى الحق وإلى طريق مستقيم، وترى أثر ذلك في حسن الاستجابة لله وللرسول، وفي الرضا عن الله في جميع الأحوال، وفي حسن التوكل على الله والاستعانة به سبحانه، وفي الأخذ بالأسباب دون ركون إليها.
إن القرآن الكريم يتعهد قلوب المؤمنين ويبصرها بما يجب أن يكون، فتنشط النفس لعمل ال بر وفعل الخير، وتسعى في الأرض واثقة مطمئنة بذكر الله، معتدلة في السراء والضراء، لا تأسى على ما فات، ولا تفرح بما أوتيت، بل تصبر في الضراء، وتشكر في السراء، وتعلم أن ما أصاب الإنسان لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه، فلا يطغى المؤمن بعطاء ولا يقنط بمصاب أو بلاء.
وترى زيادة الإيمان مع تلاوة القرآن في طيب النفس وسرورها بعمل الخير، وانشراحها بتوفيقها للتعاون على البر، والكف عن الشر (وإذا سرتك حسنتك وساءتك سيئتك فأنت مؤمن).
إن القرآن الكريم قد حول نفوسا من حال إلى حال، ووجه طاقات المؤمنين إلى التسابق على البر، والتنافس على الخير، وقد فازوا وأفلحوا حين اعتصموا به ولم يتفرقوا، واستمعوا إليه وعاشوه قولًا وعملا، فأناروا به قلوبهم، وأحيوا به ليلهم، وواجوا به عدوهم مستمسكين به متخلقين.
كانوا كما وصفهم سعد بن أبي وقاص لعمر بن الخطاب -رضي الله عنهما- وهو يقود المجاهدين في أشد المعارك وأقساها، يقول وهو يصف حالهم: «كانوا يدوون بالقرآن إذا جنَّ الليل كدوي النحل لا يفضل من ذهب منهم من بقي إلا بفضل الشهادة».
هكذا كأن القرآن في حياتهم يقيمون حدوده، ويتبعون هدايته وينشدون غايته في إعلاء كلمة الله وابتغاء مرضاته، فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله وما ضعفوا وما استكانوا، بل صبروا وصابروا، فأفلحوا في دنياهم، وسعدوا بلقاء الله في أخراهم ﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ﴿2﴾ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ ﴿3﴾ أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَّهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ ﴿4﴾﴾ [الأنفال: 2-4].
تلك صفات المؤمنين حقًا وهذا جزاؤهم ﴿ لَّهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ ﴾ يزيدهم ما يتلى عليهم من آيات الله إيمانا مع إيمانهم.
﴿ وَإِذَا مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُم مَّن يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ ﴿124﴾ وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ ﴿125﴾﴾ [التوبة: 124، 125].
والقرآن هو القرآن، تستقبله نفوس آمنت بربها وأخلصت له، كما تستقبل الأرض الطيبة ما يصيبها من غيث فتثمر خيرًا وبرًا، وتأبأه نفوس فيزيدها رجسًا إلى رجسها ﴿ وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ وَلاَ يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلاَّ خَسَارًا ﴿82﴾﴾ [الإسراء: 82].
إنَّ الإيمان الصادق يتجاوب مع آيات الله، ويفيد بما فيها من تبصرة وذكرى.
أمَّا أهل الكفر والنفاق -وهم لا يستعملون حواسهم إلا لجلب منفعة أو طلب متاع -فإنهم يولون مستكبرين إذا تليت عليهم آيات الله ﴿ وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا وَلَّى مُسْتَكْبِرًا كَأَن لَّمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْرًا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ﴿7﴾﴾ [لقمان: 7].
ولا يرون في آيات الله في الآفاق -والقرآن يخاطبهم بها- لا يرون فيها ما خلقت له وما دلت عليه من دعوة إلى الحق وإيمان به وإفادة بالتبصرة والذكرى، ولا تتجه حواسهم إلا إلى ما تتجه إلى حواس الأنعام من شهوة ومتاع.
وأولئك إن سمعوا القرآن لا يسمعونه سماع تدبر وخشية. وهم إن قالوا سمعنا فهم لا يسمعون، وقد نهى الله المؤمنين أن يكونوا مثلهم ﴿ وَلاَ تَكُونُوا كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لاَ يَسْمَعُونَ ﴿21﴾﴾ [الأنفال: 21].
﴿ لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالأنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ ﴿179﴾﴾ [الأعراف: 179].
إن الآيات المنزلة تتسق مع آيات الله في الآفاق وفي الأنفس في مخاطبة الإنسان وتبصرته، ولكن من الناس ناسا يغفلون عما جعلت الآيات له، وأنزلت من أجله، ولا يرون إلا أن يكونوا شركاء للأنعام في متاع ﴿ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الأنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَّهُمْ ﴿12﴾﴾ [محمد: 12].
|