عرض مشاركة واحدة
  #36  
قديم 20-06-2009, 12:53 PM
الصورة الرمزية أم عبد الله
أم عبد الله أم عبد الله غير متصل
مراقبة الملتقيات
 
تاريخ التسجيل: Feb 2009
مكان الإقامة: أبو ظبي
الجنس :
المشاركات: 13,883
الدولة : Egypt
افتراضي رد: سلسلة ( حديث القرآن عن القرآن )

حـديـث القـرآن عـن القـرآن
34
د/ محمـد الـراوي
ومن حديث القرآن عن القرآن ما جاء في قوله تعالى في سورة الأنعام: ﴿ وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ [الأنعام : 155]
والإشارة في قوله ﴿ وَهَذَا كِتَابٌ ﴾ إلى القرآن الكريم , وأنزلناه صفة لـ «كتاب» و«مبارك» صفة أخرى له , والوصفان يرشدان إلى صدق اليقين وحسن الاتباع فالله هو الذي أنزله ، وبالحق أنزله . فهو جدير أن يُسْتَمْسَك به وأن يتبع . وهو مبارك ثابت البركة لا ينقطع مدُّه ولا يزول نفعه ﴿ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ﴾ وإنه لكتاب مبارك حقا إذ تناط به رحمة الله لمن أحسن الاتباع واتقى ربه فأخلص وأحسن .
مبارك في ذاته ومبارك في آثاره ونتائجه , وكفاه شهادةُ الله له بأنه « مبارك » ففيه من التعظيم لشأنه والإشادة بذكره ما فيه .

فهو جامع لكل أسباب الهداية الثابتة الدائمة النامية . فاتبعوا ما هداكم إليه واتقوا ما نهاكم عنه وحذركم إياه ، لتكون رحمة الله تعالى مرجوة لكم في دنياكم وآخرتكم فإن أكبر سبب لنيل رحمة الله اتباع هذا الكتاب علما عملا .

فما من خير إلاَّ ودعا إليه ورغب فيه وما من شر إلا ونهى عنه وحذر منه . فهو مبارك في ذاته وفي آثاره ونتائجه بما يفيض به من الخيرات وما يحققه من طمأنينة نفس واستقامة سعي وهدى للتي هي أقوم .

ومن تدبر آثاره في عالم النفس وعالم الحس رأى المكانة التي سما إليها الإنسان حين استمسك به واسترشد بهدايته . حيث نهاه أن يسجد لشمس أو قمر وأمره أن يسجد لله الذي خلقه وعلَّمه أن الأشياء مع عظمها وكبرها خلقت من أجله وسخِّرت له . وأنه خُلق لعبادة ربِّه فلا يسجد لغيره ولا يذل لسواه .

فسمت بذلك مكانة الإنسان وتحددت منزلته وغايته ، وغدَا به صاحب رسالة ومبدأ. ارتفع به عن جاذبية التعصب لجنس أو لون . وجعله ينظر إلى الحياة من أفق أعلى . ويرى أرضه شيئا في ملك الله وليست كل شئ ، فتحرر من الخلود إليها والإفساد فيها , مشى في مناكب الأرض ينشد رزق ربه وهو يوقن بالعود إليه والحساب بين يديه . فلم يفتن بعطاء ، ولم يَقنط بمصاب أو بلاء . والقرآن الكريم يوجه سعيه ويطمئن قلبه ويحفظ نفسه من الدمار بإيثار الحياة الدنيا أو الركون إليها . دعاه إلى الأخذ بالأسباب والعمل لدنياه دون غفلة عن أخراه فما ضيعت دنيا ولا تركت الأخرى .

فكانت بركة القرآن تعميرًا لدنيا الناس وحفظا لأخراهم .
وقد حدد للمجتمع كله طريق أمنه وسلمه . ودعا إلى تعارفه وحذر من تناكره . وجعل الفرائض التي أمر بها عونا له على تقديم خيره وكفِّ شرِّه .
ومن الحدود التي شرعها حماية للإنسان من ظلم نفسه أو ظلم غيره .
ومن العقيدة التي نادى بها طلبًا لأخراه في صالح العمل في دنياه .

فما ضيعت دنيا ولا أهملت أخرى. بل نعمت دنيا الناس بما في سعي الآخرة من عمل بر وتقديم خير. وطابت الآخرة بما يكون في الدنيا من إخلاص قصد واستقامة سعي .

فكانت بركة القرآن وهدايته عدلا للإنسان في ذات نفسه بين مطالب جسده وفضائل روحه , عدلاً بينه وبين غيره . عدلا في حق دنياه وحق آخرته .

فوجد به الإنسان الصحيح الذي يتحقق به الأمن ويصان السلم .

والإنسان الصحيح تصح به الأمور الفاسدة والإنسان الفاسد تفسد به الأمور الصالحة . ومن أجل الإنسان نزل القرآن نورًا وهدى للناس ليتراحموا فيما بينهم وليتعارفوا ولا يتناكروا . نزل ليتَّبع ويعمل به ﴿ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 15.50 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 14.87 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (4.05%)]