أمعنت النظر في هذه الأسباب، الداعية إلى الخلل والاضطراب ، ورأيت أن أحسن
علاج لها هو إحياء الكثير من القواعد التي قررها علماء اللغة العربية، لبيان
مواضع الوقف والابتداء ؛ ورأيت من المفيد استعمال العلامات الإفرنجية ، وإضافة
رموز أخرى عليها، مما تدعو إليه طبيعة ا لتركيب في الكلام العربي . وإنما جنحت
إلى هذا التوفيق بين القواعد العربية وبين العلامات الأجنبية ، لتوحيد العمل ، وتقليل
الكلفة، وتسهيل السبيل ، خصو صًا أن هذه العلامات قد شاع استعمالها في المدارس
والمطبوعات والمخطوطات العربية ، في عصرن ا هذ ا. وفض ً لا عن ذلك ، وجدت
بعض هذه العلامات قد استعملها النساخون المصريون في كثير من الكتب العربية ،
كما تشهد به الآثار المحفوظة بدار الكتب الخديوية ، وكما تشهد به الآثار المنقولة
بطريق التصوير الشمسي التي ستتخذ أساسًا لإحياء الآداب العربية.
وفوق ذلك قد استخدمها الأتراك في مطبوعاتهم ، خصوصًا جرائدهم السيار ة. وأهم
الدواعي التي قض ت بالتعويل على هذه العلامات، أن التلاميذ المصريين في جميع
المدارس الأميرية والأهلية والأجنبية يتعلمون هذه العلامات، أثناء تلقيهم اللغات
الأجنبية. فلو اخترت علامات أخرى ، لكان ذلك العمل موج بًا للتهويش (التشويش)
على الطلبة ، ولا سيما حدي ثي العهد منهم بالدراسة . وفي ذلك ما فيه ، مما يتحتم
تلافيه.
فلهذه الأسباب كله ا، رأيت وجوب الاعتماد على هذه العلامات، بعد تعديل
وضعها، بحيث يمكن كتابتها بالقلم العربي ؛ م راعاة لحركة اليد في الكتابة ، من
اليمين إلى اليسار . وقد اصطلحت على تس مية هذا العمل بالترقيم ؛ لأن هذه المادة
تدل على العلامات والإشارات والنقوش التي توضع في الكتابة وفي تطريز
المنسوجات. ومنها أخذ علماء الحساب لفظة ((رقم وأرقام )) للدلالة على الرموز
المخصوصة للأعداد . فنقلناها نحن لهذا الاصطلاح الجديد ، لما بينهما من الملابسة
والمشابهة. وعندي أنه لا موجب لاستعمال هذه العلامات في كتابة القرآن الكريم ؛
لأن علماء القراآت -رحمهم الله - قد تكفلوا بالإشارة إلى ما فيه الغناء والكفاية فيما
يختص به . وربما كان الأوفق عدم استعمالها أي ضًا في كتابة الحديث الشريف ؛ لأن
تعليمه حاصل بطريق التلقين ، وأما روايته فلا بد فيها م ن الدراية أيضًا. و لي أمل
شديد، في أن يكون من وراء هذا الصنيع الجديد فائدة للسان العربي وأهله، بفضل
الله وكرمه. إنه عليم بالنيات، وهو المستعان على تحقيق الغايات!