عرض مشاركة واحدة
  #4  
قديم 16-06-2009, 08:08 AM
الصورة الرمزية أم عبد الله
أم عبد الله أم عبد الله غير متصل
مراقبة الملتقيات
 
تاريخ التسجيل: Feb 2009
مكان الإقامة: أبو ظبي
الجنس :
المشاركات: 13,882
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الترقيم وعلاماته في اللغة العربية

فقد وجدت ، من حسن الحظ، أن الاص طلاحين يمكن التوفيق بينهما في أهم
المواضع، وفي أكثر المقامات دوراًنا في الكلام.
ذلك بأنني تحققت أن الأسلوبين لا يختلف بعضهما عن بعض إلا في جزئيات
طفيفة، يمكن العربية أن تستغني عنها.
وبيان ذلك أن العرب -حينما هبو ا لأخذ قسطهم من التقدم والار تقاء – ابتدءوا
بالكتابة على طريقة سهلة ساذجة . فكان من كتابتهم قبل البعثة النبوية ما هو
موصول الكلمات بعضها ببعض . فقد ورد ((أنهم وضعوا كتا بًا واح دًا وجعلوه
سطرًا واح دًا موصول الحروف كلها غير متفرق ( 1). ثم فصلوا الكلمات بعضها عن
بعض في عصر النبو ة، ولكن الحروف بقيت خالية من نقط الإعجام التي تميز
الحروف المتشابهة بعضها عن بعض ، كما كانت خل وًا أي ضًا من علامات الشكل
التي تميز الحركات والسكون . وذلك إنما كان لفصاحة القوم الغريزية وفطانتهم
الفطرية.
فلما اتسعت الدائر ة، أحس أهل الرأي منهم بوجوب العمل على إصلاح أول .
فوضعوا علامات الشكل نق ً طا بمداد أحمر فوق الحرف أو تحته أو على شماله . ثم
رأوا بعد ذلك كثرة التصحيف ، فوضعو هذه النقط –مفردة أو مثناة أو مثلثة – فوق
حروف وتحت حروف أخرى . ثم بدا لهم بعد ذلك أنه لا يتيسر لكل إنسان وجود
مدادين عند الكتابة ، فض ً لا عما هنالك من ضياع الو قت، وإمكان تطرق الخلط،
فعدلوا عن الشكل بطريق النقط، فوضعوا علامات الشكل المستعملة الآن . فكان
إصلاحًا ثالًثا.
ثم جاء الطور الرابع –طور الكمال – فوضعوا علامات خطية مختزلة من بعض
الحروف أو من بعض الكلمات ، للدلالة على مواضع الوقف بأنواعه، وعلى مواقع
الفصل، وعلى مكان الانتهاء ، أي حيث يحسن السكوت التام . وأطلقوا على هذا
1) راج ع صفحة 6 من الجزء الثاني من صبح الأعشى بدار الكتب الخديوية، المنقول بالفتوغرافية عن )
النسخة الأصلية المحفوظة بخزانة الكتب بجامعة أكسفورد من أعمال انجلتر ا. واعتبر ما هو جار إلى الآن
عند الألمانيين، وهم من أرقى الأمم في الحضارة، فإنهم يصلون حروف كلمتين فثلاثة فأكثر بعضها ببعض
ويكونون كلمة واحدة منها جميعًا.
التي اصطلح الناس على تسميتها بدواء 606 لعدم إمكان Dioxidiomidoarsenobenzol مثال ذلك لفظة
النطق بتلك الكلمات المجموعة مع بعضها.
ولا يزال لذلك أثر قليل عند أبناء العرب إلى اليوم ، فمن محاجاة الأطفال ومعايا تهم في المكاتب والمدارس
الابتدائية تحدي بعضهم البعض بقراءة هاتين المجموعتين.
(سنستنسبنينتسبسبتشعرها) و(حججحجححجحجتين)
أما اللغة الفصحى ففيها بقية ضئيلة من هذا القبيل . غير أن الأمر لا يتعدى الكلمتين أو الحرفين فقط، كما هو
معلوم في باب الإدغام وغيره من علم الرسم والإملاء.

الاصطلاح الراقي اسم : ((الوقف والابتداء )). فوضع القوم للوقف الاختياري
حروًفا ونق ً طا وخطو ً طا يمتاز بها السكون والإشمام والروم والتضعيف، كما
وضعوا علامات لفظية وخطية لك لٍ من أنواعه الأربعة (الاستثباتي والإنكاري
والتذكري والترنمي ). وكذلك نص أئمة المسلمين على تنويع الصوت في الكلام :
تحذيرًا و تبشيرًا الخ . ونص سيبويه على أن العربي ، لحرصه على بيان الحركة في
آخر كل كلمة سأله عنه ا، كان يعقبها بلفظة (يا فتى ). وبهذه الوسيلة كان سيبويه
يستدل على أن الكلمة مصروفة و مجراة أم لا . إذ لو وقف الأعرابي عليها
بالسكون وهي غير منصوبة وكانت مجرا ة، لم يكن في وسع إمام النحاة أن يعلم
إن كانت تلك الكلمة مجراة أم لا.
غير أن معاشر الكاتبين بالعربية لم يراعوا ذلك الاصطلاح النافع، مراعاة تامة ،
اللهم إلا في كتابة المصحف الشريف دون سو اه. وكأنهم ضنوا بالوقت ، وتطلبوا
الإسراع والتعجيل في سائر أنواع الكتابة ، فأهملوا هذه العلامات . ولكن بعض
العلماء مازالوا محافظين في كتبهم على وضع الحركات الدالة على الشكل ،
وجاراهم نفر من النساخين الذين اتخذوا الأمانة رائدًا لهم في أعمالهم ، وتوخوا
تسليمها للخلف كما وصلت إليهم.
أما السواد الأعظم من العلماء والنساخين فقد أهملوا هذا الشكل ، بل تراخوا في
وضع النقط، نقط الإعجام ذاته ا. فكان ذلك الإهمال المزدوج مثا رًا للإبهام
والالتباس بين الناس ، على م ا هو مشهور عند الع ارفين، من طلبة العلم والباحثين .
حتى لقد تطرق الخ لل إلى كثير من نفس الألفاظ والمسميات ، فأصبحت الكلمة
الواحدة فيها قولان فأك ثر، من جهة وضع النقط على حروفه ا، وقولان فأكثر من
طريق التلفظ بحركاتها وسكناتها.
فلما ظهرت الطباعة العربية ، زادت الحال إشك ا ً لا وتعقي دًا. وهكذا معظم الكتب بين
أيدينا، نرى الصحائف فيها مسودة مطموسة بالكتابة من أولها إلى أخره ا، بلا
فاصل بينها يستريح عنده النظر أو اللسان . وهو أمر طالما أحس الناس بمضاره
المتعددة، وحال دون التيسير في الفهم أو الوصول إلى المطالب المقصود ة. وأشد
ما يظهر هذا النقص في معاجم اللغة (قواميسها)، وفي كتب الأدب ، وفي أس فار
التاريخ، ونحوه ا. بحيث إن الباحث يضيع عليه كثير من وقته، إلى أن يظفر
بضالته؛ بل قد يمر بنظره على موضع الحاجة ، ولكنه قد لا يقف عليه ، أو لا يكاد
يهتدي إليه ، إلا من كان له صبر وممارسة ، وهم القليل من القائمين بش ئون التعليم ،
والمتوفرين على البحث والتنقيب.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 17.00 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 16.37 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (3.69%)]