كبير في الشعور بوجوب هذا الإصلاح ، والعمل على الوصول إليه بقوتهم الذاتية
الفردية، لا تجمعهم رابطة يرجعون إليها أو قاعدة يعتمد الناس عليه ا. بقيت الحال
على هذا المنوال في ديار مصر، وهي الملاذ الأخير للغة العرب، والموئل الكبير
لعلومهم وآدابهم. وأما البلاد العربية الأخرى، فالأمر فيها أشد وأنكى.
حتى إذا أشرقت علين ا أنوار هذا العصر العباسي المجيد أخذت اللغة في الانتعاش،
خصوصًا عند ما أقرت الحكومة الخديوية المصرية إحياء الآداب العربية . وكان
من كمال التوفيق أن أتاح الله للهيمنة على نظارة المعارف العمومية ، والإشراف
على إحياء الآداب العربية، سعادة النابغة المفضال أحمد حشمت باشا.
فقد أخذ ، منذ تقلد زمام هذه النظار ة، في إعادة اللغة العربية إلى مكانتها الطبيعية
من الرجحان في جميع ا لمدارس الأميرية ، كما أخذ يتحرى الأسباب الموصلة إلى
إحياء الآداب العربية في أجمل شكل، وعلى أحسن مثال.
وكان من باكورة أعماله في هذا الإحياء أن عهد إلى واضع هذا، بمباشرة طبع
الجزء الأول من كل من الموسوعتين الحافلتين الموسومتين ((نهاية الأرب في
فنون الأدب )) للنويري، و ((مسالك الأبصار ، في ممالك الأمصار )) لابن فضل الله
العمري.
ولقد أشار سعادة أحمد حشمت باشا بتدارك النقض الحاصل في تلاوة الكتابة
العربية؛ وطلب استنباط طريقة لوضع العلامات التي تساعد على فهم الكلام،
بفصل أجزائه بعضها عن بعض ، ليتمكن القارئ من تنويع صو ته: تب عًا لأغراض
الكاتب، وتوضيحًا للمعاني التي قصدها، ومراعاة للوجدان الذي أملي عليه.
واشترط (حفظه الله ) أن يكون ذلك الاصطلاح بطريقة منطقية مضبوطة منطبقة
على القواعد والأصول المقررة للوقف والابتداء، في اللغة العربية.
فبدأت بمراجعة الكتب العربية التي وضعه ا النابغون من السلف الصالح في الوقف
والابتداء، مثل : ((القول المفيد في علم التجويد )) و((منار الهدى في الوقف
والابتدا)) و((كتاب الوقف والابتداء )) للإمام السجاوندي ، وشروح ((المقدمة فيما
يجب على القارئ أن يعلمه )) و((الإتقان في علوم القرآن )) و((البحث المعروف
في معرفة الوقوف )) ( 1) للداني ، و ((كتاب الوقوف )) للشاطبي ( 2) وغيرها من
الأمهات الموضوعة في هذا الباب.
ثم رجعت إلى ما تواضع عليه الإفرنج في هذا المعنى، من كتب النحو ومعاجم
اللغة المستفيضة بين الناس . فكانت نتيجة البحث مما يقر الخاطر ، ويسر الناظر ؛
1) اعتما دًا على الخلاصة الفرنسية التي كتبها عليه العلامة ده ساسي . والأصل محفوظ بمكتبة باريس )
الأهلية.
2)الأصل محفوظ أيضًا بمكتبة باريس الأهلية. )