
10-06-2009, 07:22 PM
|
 |
مراقبة الملتقيات
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2009
مكان الإقامة: أبو ظبي
الجنس :
المشاركات: 13,883
الدولة :
|
|
رد: دروس وعبر من غزوة أحد (40 درس من غزوة أحد)
4- سنة الله في الصراع بين الحق والباطل:
وفي غزوة أحد تأكيد لسنة الله في الصراع بين الحق والباطل، والهدى والضلال، فقد جرت سنة الله في رسله وأتباعهم أن تكون الحرب سجالاً بينهم وبين أعدائهم، فيدالوا مرة ويدال عليهم أخرى، ثم تكون لهم العاقبة في النهاية، ولئن انتفش الباطل يوماً وكان له صولات وجولات، إلا أن العاقبة للمتقين، والغلبة للمؤمنين، فدولة الباطل ساعة ودولة الحق إلى قيام الساعة، سنة الله ولن تجد لسنة الله تبديلا.
والجنة عزيزة غالية لا تُنال إلا على جسر من المشاق والمتاعب، والنصر الرخيص السهل لا يدوم، ولا يدرك الناس قيمته، ولذلك قال الله:
{أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ}[1].
5- لا بد من الأخذ بالأسباب:
لا بد أيضاً من الأخذ بأسباب النصر المادية والمعنوية مع التوكل على الله والاعتماد عليه، فقد ظاهر النبي -صلى الله عليه وسلم- بين درعين، ولبس لأْمَة الحرب، وكافح معه الصحابة، وقاتل عنه جبريل وميكائيل أشد القتال، رغم أن الله عصمه من القتل.
6- تمحيص المؤمنين :
ومن فوائد غزوة أحد تمحيص المؤمنين وتمييزهم عن المنافقين، ومحق الكافرين باستحقاهم غضب الله وعقابه، وقد جمع الله ذلك كله في قوله:
{وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (139) إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ}[2] إلى غير ذلك من الحكم والفوائد الكثيرة التي لا يتسع المقام لذكرها.
7-التضحية من أجل الدين:
إن هذا الدين وصل إلينا بعد كفاح مرير من الصحابة والأسلاف، ذاقوا فيه مرارة المصائب والمحن:
أنس بن النضر يصاب في هذه الغزوة ببضع وثمانين جراحة، ثم مثّل به بعدها، فلم يعرفه أحد سوى أخته عرفته ببنانه.
وفي سعد بن الربيع سبعون طعنة.
فماذا قدمنا لديننا؟؟ وللصحابة الكرام الصُحبة والسبق والإقدام، تقطعت منهم الأشلاء، وتمزقت الأجساد، وترمل النساء، قدَّموا أرواحهم فداء لهذا الدين، حتى وصل إلينا كاملاً متمّماً، فاقدر لهم قدرهم، واشكر لهم سعيهم، وترض عنهم، فقد أحبهم ربهم، - رضي الله عنهم وأرضاهم -.
8- العاقبة للمتقين:
للحق جولة، وللباطل صولة، والعاقبة للتقوى، فلا تيأس من إصلاح المجتمع، ولا تقنط من هدايته، فصَبَر النبي على الأذى والجراح، حتى دخل الناس أفواجاً في دين الله، إن عواقب الأمور كلها بيد الله، فامض في الدعوة، وداوم على الدعاء، وهداية البشر بيد خالق البشر.
أبو سفيان في أُحُد يقود المشركين، وشعاره:"اعلُ هُبل"، وفي فتح مكة يقول:"لا إله إلا الله".ووحشي يقتل حمزة، ثم يُسلم ويقتل مُدعي النبوة مسيلمة الكذاب.
فاحذر على نفسك التقلب، ((فالقلوب بين أصبعين من أصابع الرحمن، يقلبها كيف يشاء)).واسأله دوماً دوام الثبات، والعبد وإن استغرق في العصيان، فالتوبة تحط الأوزار وإن بلغت العنان.
خالد بن الوليد يقود خيَّالة الكفر، وقُتِل على يديه فضلاء الصحابة، ولما شرح الله صدره للإسلام، أتى يبايع النبي، وقال: يا رسول الله، إني أشترط أن تُغفَر زلتي، فقال: ((يا خالد، أما علمت أن الإسلام يهدم ما قبله، وأن التوبة تجُبُّ ما قبلها)).
فأنقذ نفسك من وحل الأوزار، وأقبل على ربك تائباً من الآثام، فالحسنات يذهبن السيئات، ولا تستنكف عن التمسك بهذا الدين، فحوله سالت الدماء.
9-الابتلاء بذوي القربى:
المرء قد يُبتلى بذوي القربى والأرحام، فاصبر على ما تلاقيه منهم، فأقارب النبي تركوا أوطانهم وأموالهم، وقدموا إلى المدينة وقطعوا مسافة أربعمائة كيلومتر أو أكثر لقتل النبي، وفعلوا ما لم يفعله غالب الكفار، من تمثيلهم بالقتلى، مع أنهم بنو عمه، وفي الفتح عفا عنهم وصفح، وقال: ((لا تثريب عليكم اذهبوا فأنتم الطلقاء)).
فاتخذ النبي قدوة لك في الحلم والعفو، وصل رحمك، وغض الطرف عما يسوؤك منهم.
10-ولا تنازعوا:
في الفُرقة والنزاع تبعثَر الجهود، وفي الألفة والاتفاق صفاء القلوب، فاحذر من تفرق الكلمة والاختلاف في الرأي، فهما الهزيمة، ( وَلاَ تَنَـازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ)[3].
11-الأنبياء عبيد مخلوقون :
الأنبياء عبيد مخلوقون، يعتريهم ما يعتري البشر، لا يُرفعون فوق منزلة العبودية، ولا يحَطُّ من شأنهم، والنبي ظاهر بين درعين، ولبس لأْمَة الحرب، وكافح معه الصحابة، وقاتل عنه جبريل وميكائيل أشد القتال، ومع هذا شُجَّ في وجهه، وكُسرت رَباعيته، والأمر لله من قبل ومن بعد، وهو سبحانه وحده النافع الضار، ولو كان يملك لنفسه شيئاً ما سال الدم منه.
12-العرفان لمن خدم هذا الدين:
ومن مُروآت الأفعال العرفان لمن خدم الدين، ومن جميل الخلال الوفاء للأصحاب، ودماء شهداء أحد بقيت في نفس الرسول إلى السنة التي مات فيها، فصلى على قتلى أُحُد بعد ثمان سنين، كالمودع لهم.
فأجلّ نبلاء هذا الدين، واحفظ ودَّ خِلاَّنك، وارع حق صحبتهم، واحفظ سرهم.
13-حب الصحابة لنبيهمr:
طوق المشركون رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ومن معه وكانوا تسعة فقتل سبعة منهم بعد قتال عنيف. ولم يبق معه غير سعد بن أبي وقاص وطلحة بن عبد الله.
فطمعوا في القضاء على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رماه عتبة بن أبي وقاص بالحجارة فوقع لشقه، وأصيبت رباعيته اليمنى السفلى، وكلمت شفته السفلى، وتقدم إليه عبد الله الزهري فشجه في جبهته، وجاء عبد الله بن قمئة فضرب على عاتقه بالسيف ضربة عنيفة شكا لأجلها أكثر من شهر، وضربه بأبي هو وأمي ضربة أخرى عنيفة حتى دخلت حلقتان من حلق المقفر في وجنته، فقال عليه الصلاة و السلام وهو يسلت الدم عن وجهه: ((كيف يفلح قوم شجوا وجه نبيهم وكسروا رباعيته وهو يدعوهم إلى الله، اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون)).
واستبسل سعد وطلحة في الدفاع عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقد نثل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كنانته لسعد بن أبي وقاص وقال: ارم فداك أبي وأمي، وأما طلحة فقد قاتل حتى شلت يده، وكان أبو بكر -رضي الله عنه - إذا ذكر يوم أحد قال: ذلك اليوم كله لطلحة. وروى الترمذي أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال فيه يومئذ: ((من ينظر إلى شهيد يمشي على وجه الأرض فلينظر إلى طلحة بن عبيد الله)).
وخلال هذا الموقف العصيب تسارع المسلمون إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأقاموا حوله سياجًا من أجسادهم وسلاحهم وبالغوا في الدفاع عنه، قام أبو طلحة على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يسور نفسه بين يدي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ويرفع صدره ليقيه عن سهام العدو، وكان راميًا يرمي فكلما رمى أشرف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ليرى موضع سهمه، فيقول له أبو طلحة: بأبي أنت وأمي لا تشرف يصبك سهم من سهام القوم، نحري دون نحرك، وقام أبو دجانة أمام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فترس عليه ظهره والنبل يقع عليه، وهو لا يتحرك، وامتص مالك بن سنان الدم عن وجنته وأنقاه فقال: مجه. فقال: والله لا أمجه أبدًا، ثم أدبر يقاتل، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم- : ((من أراد أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة فلينظر إلى هذا)) فقتل شهيدًا.
وقاتلت أم عمارة حول رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فضربها ابن قمئه على عاتقها ضربة تركت جرحًا أجوف، وضربته فنجا بدرعه، وبقيت تقاتل حتى أصابها اثنا عشر جرحًا.
وقام النبيصلى الله عليه وسلمفعرفه كعب بن مالك فنادى بأعلى صوته: يا معشر المسلمين أبشروا هذا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ، فأشار إليه أن اصمت لئلا يعرف المشركون موضعه، فلاذ إليه المسلمون فأخذ بالانسحاب المنظم إلى شعب الجبل، وأثناء القتال كان النعاس يأخذ المسلمين أمنة من الله، وفي أثناء الانسحاب عرضت لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- صخرة من الجبل فنهض إليها ليعلوها فلم يستطع، فجلس تحته طلحة بين عبيد الله فنهض حتى استوى عليها وقال: ((أوجب طلحة)) أي الجنة.
قال سعد بن أبي وقاصرضي الله عنه: مر رسول اللهصلى الله عليه وسلمبامرأة من بني دينار، وقد أصيب زوجها وأخوها وأبوها مع رسول اللهصلى الله عليه وسلمبأحد, فلما نعوا لها قالت: فما فعل رسول اللهصلى الله عليه وسلم؟ قال: خيرًا يا أم فلان، هو بحمد الله كما تحبين، قالت: أرونيه حتى أنظر إليه، فأشير لها إليه، حتى إذا رأته قالت: كل مصيبة بعدك جلل، تريد صغيرة، وهكذا يفعل الإيمان في نفوس المسلمين.
[1] - (آل عمران 142).
[2]- (آل عمران 139 - 140)
[3]- [الأنفال:46]
|