عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 28-05-2009, 08:24 PM
الصورة الرمزية أم عبد الله
أم عبد الله أم عبد الله غير متصل
مراقبة الملتقيات
 
تاريخ التسجيل: Feb 2009
مكان الإقامة: أبو ظبي
الجنس :
المشاركات: 13,882
الدولة : Egypt
افتراضي رد: سكب الرذاذ على سيرة سعد بن معاذ

استخلاف رسول الله له على المدينة في غزوة بواط :
وفي شهر ربيع الأول سنة اثنتين من الهجرة خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في طلب عير لقريش، على رأس ثلاثة عشر شهرا من مهاجره وحمل لواءه سعد بن أبي وقاص وكان أبيض واستخلف على المدينة سعد بن معاذ وخرج في مائتين من أصحابه يعترض عيرا لقريش فيها أمية بن خلف الجمحي ومائة رجل من قريش وألفان وخمسمائة بعير فبلغ بواطا وهما جبلان فرعان أصلهما واحد من جبال جهينة مما يلي طريق الشام وبين بواط والمدينة نحو أربعة برد فلم يلق كيدا فرجع.[1]
وقال ابن هشام: استعمل على المدينة السائب بن عثمان بن مظعون.[2]
و( بواط ) اسم جبل على بعد ثلاثة برد من المدينة.
المؤاخاة في الجاهلية:
عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن سعد بن معاذ أنه كان صديقا لأمية بن خلف وكان أمية إذا مر بالمدينة انطلق سعد معتمرا فنزل على أمية بمكة فقال لأمية انظر لي ساعة خلوة لعلي أن أطوف بالبيت فخرج به قريبا من نصف النهار فلقيهما أبو جهل فقال يا أبا صفوان من هذا معك؟ فقال هذا سعد فقال له أبو جهل ألا أراك تطوف بمكة آمنا وقد آويتم الصباة وزعمتم أنكم تنصرونهم وتعينونهم أما والله أنك مع أبي صفوان ما رجعت إلى أهلك سالما . فقال له سعد ورفع صوته عليه أما والله لئن منعتني هذا لأمنعنك ما هو أشد عليك منه طريقك على المدينة فقال له أمية لا ترفع صوتك يا سعد على أبي الحكم سيد أهل الوادي فقال سعد دعنا عنك يا أمية فوالله لقد سمعت الرسول صلى الله عليه وسلم يقول ( إنهم قاتلوك ). قال بمكة ؟ قال لا أدري ففزع لذلك أمية فزعا شديدا فلما رجع أمية إلى أهله قال يا أم صفوان ألم تري ما قال لي سعد ؟ قالت وما قال لك ؟ قال زعم أن محمدا أخبرهم أنهم قاتلي فقلت له بمكة قال لا أدري فقال أمية والله لا أخرج من مكة فلما كان يوم بدر استنفر أبو جهل الناس قال أدركوا عيركم ؟ فكره أمية أن يخرج فأتاه أبو جهل فقال يا أبا صفوان أنك متى ما يراك الناس قد تخلفت وأنت سيد أهل الوادي تخلفوا معك فلم يزل أبو جهل حتى قال أما إذ غلبتني فوالله لأشترين أجود بعير بمكة ثم قال أمية يا أم صفوان جهزيني فقالت له يا أبا صفوان وقد نسيت ما قال لك أخوك اليثربي ؟ قال لا ما أريد أن أجوز معهم إلا قريبا فلما خرج أمية أخذ لا ينزل منزلا إلا عقل بعيره فلم يزل بذلك حتى قتله الله عز وجل ببدر. [3]
كان شأن العمرة قديما، وكان الصحابة مأذونا لهم في الاعتمار من قبل أن يعتمر النبي صلى الله عليه وسلم بخلاف الحج.
ويؤخذ من الحديث ما كان عليه سعد من قوة النفس واليقين والحرص على أداء شعائر الله عزوجل.
مواقف لا تنسى:
وفي غزوة بدر الكبرى شاور صلى الله عليه وسلم أصحابه في الأمر تطييباً لقلوبهم ليكون أنشط لهم فيما يفعلونه.
روى مسلم في صحيحه وغيره عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث بلغه إقبال أبي سفيان قال: فتكلم أبو بكر فأعرض عنه ثم تكلم عمر فأعرض فقال سعد بن عبادة: إيانا تريد يا رسول الله والذي نفسي بيده لو أمرتنا أن نخيضها البحار لا خضناها ولو أمرتنا أن نضرب أكبادها إلى برك الغماد.[4]
وهذه المشاورة هي الأولى، وكانت في المدينة.
ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أشيروا علي أيها الناس. فقال المقداد فأحسن، وكذلك أبو بكر، وعمر وإنما يريد رسول الله صلى الله عليه وسلم الأنصار، وذلك أنهم عدد الناس وأنهم حين بايعوه بالعقبة قالوا يا رسول الله إنا براء من ذمامك حتى تصل إلى ديارنا فإذا وصلت إلينا فأنت في ذمتنا نمنعنك مما نمنع منه أبناءنا ونساءنا فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتخوف ألا تكون الأنصار ترى عليها نصره إلا ممن دهمه بالمدينة من عدوه وأن ليس عليهم أن يسير بهم إلى عدو من بلادهم.
فلما قال ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له سعد بن معاذ والله لكأنك تريدنا يا رسول الله قال أجل قال فقد آمنا بك وصدقناك وشهدنا أن ما جئت به هو الحق وأعطيناك على ذلك عهودنا ومواثيقنا على السمع والطاعة فامض يا رسول الله لما أردت فنحن معك فوالذي بعثك بالحق لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك ما تخلف منا رجل واحد وما نكره أن تلقى بنا عدونا غدا إنا لصبر في الحرب صدق في اللقاء لعل الله يريك منا ما تقر به عينك فسر بنا على بركة الله.
وفي رواية : لعلك أن تكون خرجت لأمر وأحدث الله إليك غيره فانظر الذي أحدث الله إليك فامض فصل حبال من شئت واقطع حبال من شئت وسالم من شئت وعاد من شئت وخذ من أموالنا ما شئت وأعطنا ما شئت وما أخذت منا كان أحب إلينا مما تركت
فسر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقول سعد ونشطه ذلك ثم قال سيروا وابشروا فإن الله تعالى قد وعدني إحدى الطائفتين والله لكأني الآن أنظر إلى مصارع القوم.[5]
وكانت هذه الاستشارة الثانية من رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: ويمكن الجمع بأن النبي صلى الله عليه وسلم استشارهم في غزوة بدر مرتين الأولى وهو بالمدينة أول ما بلغه خبر العير مع أبي سفيان وذلك بين في رواية مسلم ولفظه أن النبي صلى الله عليه وسلم شاور حين بلغه إقبال أبي سفيان والثانية كانت بعد أن خرج كما في حديث الباب.[6]
قال القرطبي رحمه الله: مشاورة النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه حين بلغه إقبال أبي سفيان، وإعراضه عن تكليم المهاجرين إنما كان ليستخرج ما عند الأنصار من خروجهم معه للحرب، وذلك أنهم إنما كانوا بايعوه ليمنعوه من الأحمر والأسود ولم يأخذ عليهم أن يخرجوا معه، فأراد أن يعلم ما عندهم من ذلك.[7]
قلت: كانت كلمات سعد بن معاذ رضي الله عنه مشجعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وملهبة لمشاعر الصحابة رضي الله عنهم، فقد رفعت من معنوياتهم وشجعتهم على القتال والجهاد في سبيل الله.
وحرص النبي صلى الله عليه وسلم على استشارة أصحابه في الغزوات كان لتأكيد أهمية مبدأ الشورى في الإسلام.
إشارته لرسول الله يوم بدر ببناء العريش:
وعندما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى غزوة بدر بادرهم إلى الماء حتى جاء أدنى ماء من بدر فنزل به ، فقال سعد بن معاذ رضي الله عنه يا رسول الله ألا نبني لك عريشا تكون فيه وندع عندك ركائبك ثم نلقى عدونا فإن أعزنا الله وأظهرنا كان ذلك ما أحببنا وإن كانت الأخرى جلست على ركائبك فلحقت بمن وراءنا فقد تخلف عنك أقوام يا نبي الله ما نحن بأشد لك حبا منهم ولو ظنوا أنك تلقى حربا ما تخلفوا عنك يمنعكم الله بهم يناصحوك ويجاهدون معك. فأثنى عليه صلى الله عليه وسلم خيرا ودعا له بخير وقال يقضى الله خيرا من ذلك يا سعد . ثم بنى له ذلك العريش فوق تل مشرف على المعركة فدخله النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وقام سعد بن معاذ متوشحا بالسيف.[8]
وقال ابن سعد: كان لواء المهاجرين مع مصعب بن عمير و لواء الخزرج مع الحباب بن منذر و لواء الأوس مع سعد بن معاذ.[9]
قلت:كذا قال و المعروف أن سعد بن معاذ كان يومئذ على حرس رسول الله صلى الله عليه و سلم في العريش، والله أعلم.
ويستفاد من بناء العريش أمور منها:
-لابد من أن يكون مكان القيادة مشرفا على أرض المعركة.
-ينبغي أن يكون مقر القيادة آمنا بتوفر الحراسة الكافية فيه.
-ينبغي الاهتمام بحياة القائد وصونها من التعرض لأي خطر.
-ينبغي أن يكون للقائد قوة احتياطية أخرى تعوض الخسائر التي قد تحدث

في المعركة.[10]
وهذا من حكمة سعد رضي الله عنه وحسن تدبيره.
قال ابن إسحاق: فلما وضع القوم أيديهم يأسرون ورسول الله صلى الله عليه وسلم في العريش وسعد بن معاذ قائم على باب العريش الذي فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم متوشح السيف في نفر من الأنصار يحرسون رسول الله صلى الله عليه وسلم يخافون عليه كرة العدو ورأى رسول الله صلى الله عليه وسلم - فيما ذكر لي - في وجه سعد بن معاذ الكراهية لما يصنع الناس فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : والله لكأنك يا سعد تكره ما يصنع القوم قال : أجل والله يا رسول الله كانت أول وقعة أوقعها الله بأهل الشرك فكان الإثخان في القتل بأهل الشرك أحب إلي من استبقاء الرجال.[11]
الأعمال بالخواتيم:
عن أبي هريرة: أن عمرو بن قيس كان له ربا في الجاهلية ، وكان يمنعه ذلك الرب من الإسلام حتى يأخذه ، فجاء ذات يوم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه بأحد فقال : أين سعد بن معاذ ؟ فقيل بأحد فقال : أين بنو أخيه ؟ قيل : بأحد ، فسأل عن قومه ، قالوا : بأحد فأخذ سيفه ورمحه ، ولبس لامته ، ثم ذهب إلى أحد فلما رآه المسلمون ، قالوا : إليك عنا يا عمرو ، قال : إني قد آمنت ، فحمل فقاتل ، فحمل إلىأهله جريحا ، فدخل عليه سعد بن معاذ ، فقال له : جئت غضبا لله ولرسوله أم حمية لقومك ؟ قال : بل جئت غضبا لله ولرسوله. فقال أبو هريرة : فدخل الجنة وما صلى لله صلاة.[12]
قلت: صدق الله فصدقه، و الأعمال بالخواتيم، نسأل الله حسنها.
وسؤاله عن سعد لأهميته ومكانته العلية في قومه، فما سأل عن أحد باسمه غيره.
وفي هذا الحديث أن الأجر الكثير قد يحصل بالعمل اليسير فضلا من الله وإحسانا.


ثباته يوم أحد واعترافه بالفضل لأنس بن النضر :
وفي غزوة أحد ثبت سعد مع من ثبت من الصحابة رضي الله عنهم.[13]
في الصحيحين وغيرهما عن أنس رضي الله عنه قال: غاب عمي أنس بن النضر عن قتال بدر، فقال: يا رسول الله، غبت عن أول قتال قاتلت المشركين، لئن الله أشهدني قتال المشركين ليرين الله ما أصنع. فلما كان يوم أحد وانكشف المسلمون قال: اللهم إني أعتذر إليك مما صنع هؤلاء، يعني أصحابه، وأبرأ إليك مما صنع هؤلاء، يعني المشركين. ثم تقدم فاستقبله سعد بن معاذ، فقال: يا سعد بن معاذ، الجنة ورب النضر، إني أجد ريحها من دون أحد. قال سعد: فما استطعت يا رسول الله ما صنع. قال أنس: فوجدنا به بضعا وثمانين ضربة بالسيف أو طعنة أو رمية بسهم، ووجدناه قد قتل وقد مثل به المشركون، فما عرفه أحد إلا أخته ببنانه. قال أنس: كنا نرى -أو نظن- أن هذه الآية نزلت فيه وفي أشباهه:)مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّه عليه[14](.[15]
قلت: غزوة أحد التي اجتمع فيها النصر والهزيمة، وظهر فيها النفاق بأظهر علاماته، والإيمان بأكمل صفاته. هذه الغزوة التي كانت درسا عمليا للصحابة الكرام ولمن جاء بعدهم، فأصبحت شعارا لكل من خالف أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وسلك غير سبيله.
ومن الأمور المهمة في هذه القصة الاعتراف بالفضل لأهله وذويه وشكرهم على أعمالهم الطيبة والإقرار بالحقيقة، فهذا لا ينقص من قيمة الإنسان بل يزيده رفعة ومكانة بين الناس، فكما قيل: لا يعرف الفضل لأهل الفضل إلا أهل الفضل.
ومن الجدير بالذكر في هذه الغزوة أنه قد استشهد من بني عبد الأشهل – قوم سعد- اثنا عشر رجلا، فرضي الله عنهم أجمعين.
هذا اللون من البطولة مدفون تحت جدران التاريخ الإسلامي القائم إلى اليوم، وما يقوم للإسلام صرح ولا ينكسف عنه طغيان إلا بهذه القوى المذخورة المضغوطة في أفئدة الصديقين والشهداء.
من سر هذا الإلهام؟ من مشرق هذا الضياء ؟ من مبعث هذا الاقتدار؟ إنه محمد، إنه هو الذي ربى ذلكم الجيل الفذ، ومن قلبه الكبير أترعت هذه القلوب، تفانيا في الله وإيثارا لما عنده.[16]

[1] زاد المعاد (3/148).

[2] سيرة ابن هشام (3/142).

[3] رواه البخاري (4/1453/3734).

[4] رواه أحمد (3/220) ومسلم (3/1403/1779).

[5] رواه ابن هشام في السيرة (2/199)، وابن أبي شيبة في المصنف (8/469)، وذكره ابن كثير في البداية (3/262)وقال : له شواهد من وجوه كثيرة.

[6] فتح الباري (7/288).

[7] المفهم (3/625-626).

[8] رواه ابن إسحاق في سيرته، انظر سيرة ابن هشام (2/203) وذكره ابن كثير في سيرته (2/403) والذهبي في تاريخه (1/179).

[9] الطبقات الكبرى (3/421).

1 غزوة بدر الكبرى لأبي فارس ص 66.

2 ابن هشام في السيرة (3/176) والطبري في تاريخه(2/34) وابن كثير في البداية والنهاية(3/284).

3 رواه أبو داود (2/24/2537) والحاكم (2/124) وحسنه الألباني رحمه الله.

1 طبقات ابن سعد (3/421).

2 الأحزاب الآية: 23.

3 البخاري (3/1032/2651) ومسلم (3/1512/1903).

1 فقه السيرة ص 283.


رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 31.01 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 30.38 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.03%)]