شرح الحديث :
خبر المرأة الأولى :
بدأت القصة بامرأة أردت زوجها صريعاً بالضربة القاضية في الجولة الأولى، تقول:
( زوجي لحم جمل غث ) ، الغث : هو الرديء ، تشبهه بأنه لحم جمل رديء ، ومعلوم
أن أغلب الناس ليس لهم شغف بلحوم الجمال ، وهذا اللحم مع أنه لحم غير مرغوب
فيه ، فهو غث أيضاً ، أي : لو كان لحماً جملياً نظيفاً، أو كان لحم قعود صغير لقبلناه
على مضض، لكنه جمع ما بين أنه لحم جمل وبين أنه غث ورديء أصلاً . تقول :
( زوجي لحم جمل غث، على رأس جبل وعر ) ، قليل من لحم جمل على قمة عالية ،
ومن الذي سيصعد ويجهد نفسه ويتسلق الجبل لأجل قليل من لحم غث ؟ فهي تقول :
( على رأس جبل وعر، لا سهل فيرتقى ولا سمين فينتقى ) ، أي : ليس جبلاً سهل المرتقى ،
فيمكن الصعود عليه لنأكل اللحم الذي عليه، وليت الجبل إذ هو وعر أن يكون هذا اللحم
لحم ضأن مثلاً أو نحوه. وهي تريد بهذا أن تقول : إن الرجل جمع ما بين سوء
الخلق وسوء المعشر ، فأخلاقه سيئة جداً لدرجة أنك إذا أردت أن ترضيه كأنك تتسلق جبلاً .
وهناك بعض الناس هكذا ، إذا أردت أن ترضيه تبذل جهداً عظيماً حتى يرض عنك
فأخلاقه وعرة كوعورة الجبل، فهي تصف زوجها بهذا .
خبر المرأة الثانية
وقالت المرأة الثانية : ( زوجي لا أبث خبره ، إني أخاف ألا أذره ، إن أذكره أذكر عجره وبجره ) .
تقول : أنا لن أتكلم، ولا أبث خبره ، ومع ذلك فقد تكلمت ! وفي الرواية الأخرى :
( زوجي لا أثير خبره ، إني أخاف ألا أذره ) ، يقول العلماء : إن ( لا ) هنا زائدة ، والمعنى
: إني أخاف أن أذره ، أي أخاف أن يطلقني لو أفشيت خبره ، وإذا تكلمت سأذكر عجره وبجره .
وأصل العجر هو : انتفاخ العروق في الرقبة ، والبجر : انتفاخ السرة ، فكأنها قالت :
له عيوب ظاهرة وباطنة ، فكنت عن العيوب الظاهرة بالعجر، الذي هو انتفاخ العروق،
وهذا فيه تشويه لجمال الرقبة ، فكأنها تصف هذا الرجل أن عيوبه الظاهرة ظاهرة
وجلية ومعروفة غير مستترة ، وله عيوب خفية لا تعرفها إلا المرأة ، وكنت عنها بالبجر،
الذي هو انتفاخ السرة . ومنه قول علي - رضي الله عنه - في يوم الجمل :
( إلى الله أشكو عجري وبجري ) ، وهذه المرأة أيضاً تذم زوجها .
خبر المرأة الثالثة
ثم قالت المرأة الثالثة : ( زوجي العشنق ) ، العشنق : هو الطويل المغفل الذي بلا منفعة ،
والعلماء يقولون : إن العشنق رأسه صغير وقامته طويلة ، وفيه تباعد ما بين الدماغ
والقلب ، فيمكن أن تنقطع الصلة بينهما فيبقى عنده عقل بلا قلب ، أو قلب بلا عقل ،
تقول : ( زوجي العشنق ، إن أنطق أطلق ، وإن أسكت أعلق ) ، فلا حيلة لها معه ،
وفي الرواية الأخرى : ( وأنا معه على حد السنان المذلق ) ، أي : تعيش معه على
شفا جرف هار، فلا اطمئنان على الإطلاق في حياتها مع هذا الرجل ، فهذا الرجل بلغ
من سوء خلقه أنه لا يتيح لها الفرصة لا لتتكلم ، ولا لتسكت ، فعلى كلا الحالين إذا
سكتت أو تكلمت فإنه سيطلقها ، لكن هي تحبه ، أو أنها تريد أن تعيش معه ليطعمها ،
فهي تسكت على سوء خلقه ، ولو سكتت فإنه يعلقها فلا هي متزوجة ولا هي مطلقة .
خبر المرأة الرابعة
أما المرأة الرابعة فقد وصفت زوجها وصفاً جميلاً ، وهي أول امرأة تصف زوجها بخير ،
تقول : ( زوجي كليل تهامة ) ، ومعروف أن ليل تهامة من أفضل الأجواء ..
( زوجي كليل تهامة ، لا حر ولا قر ولا مخافة ولا سآمة ) ، أي : لطيف المعشر ،
وحسن العشرة ، ( لا حر ) : أخلاقه ليست شديدة ، ( ولا قُر ) : أي : ليس بارداً ،
( ولا مخافة ولا سآمة ) ، فالمرأة تأخذ راحتها في الحوار ، فتتكلم معه ولا تسكت .