وأما الخطرات :فنشأتها أصعب ، ومنها تتولد الإرادات والهمم والعزائم
فمن راعى خطراته ملك زمام نفسه وقهر هواه
ولا تزال الخطرات تتردد على القلب حتى تصير أماني باطلة
قال تعالى : (وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآَنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ ) 39 سورة النور
وقد ركب الله سبحانه في الإنسان نفسين : نفس أمارة ، ونفس مطمئنة
فكل ما خف على هذه ثقل على الأخرى
والحروب بينهما مستمرة لا تضع أوزارها حتى يستوفي أجلها من الدنيا
ومن صبر واتقى الله فله العاقبة في الدنيا والآخرة
وقد حكم الله حكما لايبدل أبدا : إن العاقبة للمتقين
فخطرات العاقل وأفكاره لا تتجاوز أحدى هذه الأمور
أحدهما : التفكر في آيات الله المنزلة وفهم مراده منها
قال بعض السلف : أنزل القرآن ليعمل به ، فاتخذوا تلاوته عملا
الثاني :التفكر في آياته المشهودة والإعتبار بها
وقد حض سبحانه عباده على التفكر في آياته وتدبرها وذم الغافل عن ذلك
الثالث : الفكرة في آلائه وإحسانه ، وإنعامه على خلقه بأصناف النعم ، وسعة مغفرته وحلمه
الرابع : التفكر في عيوب النفس وآفاتها، وفي عيوب العمل
وهذه الفكرة عظيمة النفع وتأثيرها كبير في كسر النفس الأمارة بالسوء
الخامس : التفكر في واجب الوقت ووظيفته ، وجمع الهم كله عليه
فجميع المصالح إنما تنشأ من الوقت ، فإن أضاعه ضاعت عليه مصالحه كلها
وما عدا هذه الأقسام من الخطرات والفكر ، فإما وساوس شيطانيه ، وإما أماني باطلة ، وخدع كاذبة
ولسان حال هؤلاء يقول
إن كان منزلتي في الحشر عندكم **ما قد لقيت فقد ضيعت أيامي
أمنية ظفرت نفسي بها زمنا ** واليوم أحسبها أضغاث أحلام