(4/ 1)
التلاطف ومراعاة الذوقيات:
يتساهل بعضُ الأزْواج فيما بينهم في إظهار الذَّوقيات العامَّة التي يَحرصون على إظهارها لعموم الناس، من لِين الكلام، وحُسن الخلق، والابتِسامة في الوجْه، والتَّعاون في قضاء الحوائِج أو الاعتِذار بلطف إذا كان متعبًا أو مشغولاً، وكذلك الظُّهور بأفضل مظهر، وأحسن هِندام، وأطْيب رائحة، وكسْر حدَّة الكلام الجافِّ بالخروج - أحيانًا - عن المألوف بإدراج نكتة عارضة "صادقة" أو معلومة ظريفة، أو مُترادفات لغويَّة لها صلة بالحديث الدَّائر، كأن يكون الكلام - مثلاً - على هذه الشَّاكلة:
- كيف الحال؟
- منصوبة دائمًا، والحمد لله.
أو أن نغيِّر في كلمات السؤال بين الحين والحين، كأن نقول: كيف حالُكم أدام الله عزَّكم، أو: دام فضلكم، ونحو ذلك، والمجال في هذا مفتوح ولا نهاية له، فمثلاً تستطيع أن تقْطع حالةَ الصَّمت التي تأتي أحيانًا بدون ترتيب، بمثل قولِك فجأة:
وَاغْتَنِمْ صَفْوَ اللَّيَالِي إِنَّمَا العَيْشُ اخْتِلاسُ
على أن تحاولي احتراف الإلقاء ومدّ الحروف بطريقة مشوقة.
إنَّ اللين والرفق والمُلاطفة والتدرُّج والتي هي أحسن، تَجعل الإنسان يحصل على خيرٍ كثيرٍ، وحبٍّ دفيء، وقلبٍ حنون؛ اقْرؤوا قولَ الله تعالى: {وَقَدِّمُوا لأَِنفُسِكُمْ} [البقرة: 223]، في أي سياق وردت هذه الآية؟
سأترك لكم الإجابة، وستُدْرِكونها بعد أن تقرؤوها من أوَّلها (راجعوا سورة البقرة آية 223): {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ وَقَدِّمُوا لأَنفُسِكُمْ}.
إذا تحدَّثتِ بينك وبين نفسك - أيَّتُها السيدة الكريمة - وقُلت: إنَّما الخطاب في هذه الآية موجَّه للرجال، فلِماذا تحيلنا إليْها؟ قلت: وما البأس في أن تقدِّم السيِّدة لنفسها أيضًا عند زوجها؟! هل يمنع من هذا شيء؟!
... ... إِنَّ المَهَارِي يُهَيِّجُهَا عَلَى السَّيْرِ الحُدَاءُ
إنَّ الأمَّ حين تحدَّثت لابنتِها ليلة زفافها خاطبتْها بخطاب رقيق، مراعيةً أنَّها في حالة نفسيَّة مضطربة، وها هي تقول لها: "أيْ بُنَيَّتي"، بأسلوب التَّصغير الذي يوحي بالعَطْفِ والحنان، والرقَّة والأمومة، ثُمَّ تَملأ نفسَها بالثِّقة والطُّمأنينة لتبعد عنْها أشْباح الخوف والرَّهبة، فتقول: "إنَّ الوصيَّة لو تُرِكَت لفضْل أدبٍ تُرِكت لذلك منك؛ ولكنَّها تذكرة للغافل، ومعونة للعاقل".
تقول: أنت لا تَحتاجين إلى وصية مني، فأنت حكيمة وعاقلة وذات أدبٍ وعِلْم؛ ولكنَّها تذكِرة ومعونة، ثمَّ وضَّحت الأمُّ لابنتِها أنَّ فِراقَها لأبويْها سيكون شديدًا عليْهما؛ وذلك لأنَّهما يَحتاجان إليْها ولا يُطيقان فِراقَها، ولكنَّ عمارة الكوْن وطبيعة البَشَر تقتضي الزَّواج.
"ولو أنَّ امرأةً استغنتْ عن الزَّوج لغِنَى أبويْها، وشدَّة حاجتِهِما إليْها كنت أغْنى النَّاس عنْه، ولكنَّ النِّساء للرِّجال خُلِقْن، ولهنَّ خُلِق الرِّجال".
ثُمَّ شرعت توضِّح لها أنَّ ظروفَها سوف تتغيَّر في هذه المرْحلة السنِّيَّة التي تمرُّ بها:
"أي بنيَّة، إنَّك فارقت الجو الذي منه خرجت، وخلَّفْت العشَّ الذي فيه درجت، إلى وكرٍ لم تعْرِفيه، وقرينٍ لم تألفيه".
وهذه الكلِمة تطرح في ذهن الفتاة أسئلةً عديدة، منها:
- إذا كان الأمر كذلك يا أمي، فما المطْلوب مني نَحو هذا الزَّوج، كيف أستطيع أن أتَعَايش معه دون أن يَحْدث بيني وبيْنه نفور أو إعراض؟
- وما هي مداخل سعادتِه؟ أخبريني بأفضلِ ما يُمكنني القيام به في هذا البيت الجديد مع هذا الزَّوج الذي لم أعرِفْه، والقرين الذي لم آلَفْه؟
وتأتي كلمات الأم شافيةً لما يدور في خلَد الفتاة: "فكوني له أمَة يكن لك عبدًا"؛ فالتكلُّف مرفوعٌ بينكما، وليس لكلِمة الكرامة موضعٌ بيْن زوجيْن يُغْلَقُ عليْهما باب واحد، ويبيتان تحت سقف واحد.
قال الشاعر:
أَنَا مَنْ أَهْوَى وَمَنْ أَهْوَى أَنَا نَحْنُ رُوحَانِ حَلَلْنَا بَدَنَا
ومن خصائص الأَمَة أنها دائمة الطاعة لسيدها بلا جدال ولا نقاش، وإن كان هذا لا يعني أن تُطيع الزَّوجة زوْجَها طاعةً عمْياء؛ لكنَّ المقْصود هنا أنَّ الأصْل في الزَّوجة هو أن تُطيع زوجها، لا أن تخالفه.
"وأشدّ ما تكونين له موافقة، يكُن أطول ما تكونين له مرافقة، واعلمي أنَّك لا تصلين إلى ما تُحِبِّين حتى تؤْثِري رضاه على رضاك، وهواه على هواك، فيما أحببتِ وكرِهْت، والله يخير لك".
ويقول "داود الأنطاكي: "كانت العرب توصي بناتِها بما يوجب الأُلْفة، فتقول للواحدة: كوني له أرْضًا يكن لك سماء".
نِعْمَ التشبيهُ والتورية، فالأرض موضع الحرْث والزَّرع والمِلك، إذا كانت هامدة ثم أصابها الماء فإنها تهتزُّ وتربو، وتُنْبِت من كل زوج بهيج، منها تخرج الطيبات، وفيها تزْدَهر الثمار، وترقرق الجداول صفاء وعذوبة، بها يعتز صاحبُها، وعنها يذود، ولها يحمي، ويكون مستعدًّا للموت في سبيل الدفاع عنها، وذلك شهادة في سبيل الله ترْفعه إلى أعلى الدَّرجات، كما قال النبي الكريم - صلَّى الله عليْه وسلَّم -: "مَن قُتِل دون مالِه فهو شهيد، ومَن قُتِل دون أهلِه أو دون دمِه أو دون دينه فهو شهيد".
والسماء مظلَّة وحماية وعناية ورعاية، منْها ينزل المطر ليخرج من الأرْض أطْيب الثمر، مما ينفع الله به الكون والبشر، والسَّماء رمز العزَّة والرفعة، وموضع السموِّ والعلا، إذا نظر إليْها المهموم صفا كدره، وارتاح صدرُه، وارتبط بالملأ الأعلى فؤادُه، وعلِم أنَّه لا يعيش في هذا الكون وحْده.
ولا يصحُّ أن يجعل أيٌّ من الزَّوجين ذوبانَ التَّكلُّف بيْنهما سببًا في التَّساهل في أمور منفِّرة للطرف الآخر، بحجَّة أنَّه لا فرْق بين الاثنَين، إلاَّ في حالات الضَّرورة مما يصْعُب الاحتِراز منه.
فعن أمِّ المؤمنين عائشة - رضي الله عنْها - تقول: "كُنْتُ أغْتَسِلُ أنَا وَرَسُولُ الله - صلَّى الله عليْه وسلَّم - منْ إِنَاءٍ بَيْنِي وَبَيْنَهُ وَاحِدٍ، فيُبَادِرُنِي حَتَّى أقُولَ: دَعْ لِي دَعْ لِي".
ماذا يفهم من هذا الحديث؟ هل يفهم منه:
أ- جواز مشاركة الزَّوجين في الاستِحْمام.
ب- أم: جواز المشاركة في الاستِحْمام وأيضًا قضاء الحاجة.
ج- أم: جواز الكلام العادي أثناء الاستِحْمام.
د- أم: جواز الكلام أثْناء قضاء الحاجة.
والآن دعوني أشارِككم في اختِيار الإجابة الصحيحة: إذا اخترْتُم أ، ج فأنتُم على صواب.