عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 26-04-2009, 08:11 PM
الصورة الرمزية غفساوية
غفساوية غفساوية غير متصل
أستغفر الله
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
مكان الإقامة: بين الأبيض المتوسط والأطلسي
الجنس :
المشاركات: 11,032
59 59 فوائد وقواعد ومسائل من كتب شيخ الإسلام " تفسير أول الغاشية "






فوائد وقواعد ومسائل من كتب شيخ الإسلام
" تفسير أول الغاشية "



قال شيخ الإسلام - رحمه الله -:



قوله {هل أتاك حديث الغاشية وجوه يومئذ خاشعة عاملة ناصبة تصلى نارا حامية تسقى من عين آنية} فيها قولان:
أحدهما:
أن المعنى و جوه في الدنيا خاشعة عاملة ناصبة تصلى يوم القيامة ناراً حامية و يعنى بها عباد الكفار كالرهبان و عباد البدو وربما تؤولت في أهل البدع كالخوارج.
القول الثاني:
أن المعنى أنها يوم القيامة تخشع أي: تذل و تعمل و تنصب .

قلت: هذا هو الحق لوجوه :


أحدها:
أنه على هذا التقدير يتعلق الظرف بما يليه أي و جوه يوم الغاشية خاشعة عاملة ناصبة صالية. و على الأول :لا يتعلق إلا بقوله {تصلى}. ويكون قوله{خاشعة} صفة للوجوه قد فصل بين الصفة و الموصوف بأجنبي متعلق بصفة أخرى متأخرة و التقدير و جوه خاشعة عاملة ناصبة يومئذ تصلى نارا حامية . و التقديم و التأخير على خلاف الأصل. فالأصل إقرار الكلام على نظمه و ترتيبه لا تغيير ترتيبه .

ثم إنما يجوز فيه التقديم و التأخير مع القرينة أما مع اللبس فلا يجوز لأنه يلتبس على المخاطب و معلوم أنه ليس هنا قرينة تدل على التقديم و التأخير بل القرينة تدل على خلاف ذلك فإرادة التقديم و التأخير بمثل هذا الخطاب خلاف البيان و أمر المخاطب بفهمه تكليف لما لا يطاق.


الوجه الثاني:
أن الله قد ذكر و جوه الأشقياء و وجوه السعداء في السورة فقال بعد ذلك و جوه يومئذ ناعمة لسعيها راضية في جنة عالية. و معلوم أنه إنما وصفها بالنعمة يوم القيامة لا في الدنيا إذ هذا ليس بمدح ، فالواجب تشابه الكلام و تناظر القسمين لا اختلافهما و حينئذ فيكون الأشقياء و صفت وجوههم بحالها في الآخرة .

الثالث:
أن نظير هذا التقسيم قوله { وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة ووجوه يومئذ باسرة تظن أن يفعل بها فاقرة} و قوله {وجوه يومئذ مسفرة ضاحكة مستبشرة و وجوه يومئذ عليها غبرة ترهقها قترة أولئك هم الكفرة الفجرة } .و هذا كله و صف للوجوه لحالها في الآخرة لا في الدنيا.

الرابع:
أن و صف الوجوه بالأعمال ليس في القرآن و إنما في القرآن ذكر العلامة كقوله {سيماهم في وجوههم} و قوله {و لو نشاء لأريناكهم فلعرفتهم بسيماهم} و قوله {تعرف في و جوه الذين كفروا المنكر يكادون يسطون بالذين يتلون عليهم آياتنا}،و ذلك لأن العمل و النصب ليس قائما بالوجوه فقط بخلاف السيما و العلامة.

الخامس:
أن قوله "خاشعة" "عاملة" "ناصبة" لو جعل صفة لهم في الدنيا لم يكن في هذا اللفظ ذم فإن هذا إلى المدح أقرب و غايته أنه و صف مشترك بين عباد المؤمنين و عباد الكفار و الذم لا يكون بالوصف المشترك و لو أريد المختص لقيل :خاشعة للأوثان مثلا عاملة لغير الله ناصبة في طاعة الشيطان و ليس في الكلام ما يقتضي كون هذا الوصف مختصا بالكفار و لا كونه مذموما و ليس في القرآن ذم لهذا الوصف مطلقا و لا و عيد عليه، فحمْله على هذا المعنى خروج عن الخطاب المعروف في القرآن.

السادس:
أن هذا الوصف مختص ببعض الكفار و لا موجب للتخصيص فإن الذين لا يتعبدون من الكفار أكثر و عقوبة فساقهم في دينهم أشد في الدنيا والآخرة فإن من كف منهم عن المحرمات المتفق عليها و أدى الواجبات المتفق عليها لم تكن عقوبته كعقوبة الذين يدعون مع الله إلها آخر و يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق و يزنون فإذا كان الكفر و العذاب على هذا التقدير في القسم المتروك أكثر و أكبر كان هذا التخصيص عكس الواجب.

السابع: أن هذا الخطاب فيه تنفير عن العبادة والنسك ابتداء ثم إذا قيد ذلك بعبادة الكفار و المبتدعة و ليس في الخطاب تقييد كان هذا سعيا في إصلاح الخطاب بما لم يذكر فيه.


"مجموع الفتاوى" (16/217-220)





رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 17.29 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 16.67 كيلو بايت... تم توفير 0.61 كيلو بايت...بمعدل (3.54%)]