رد: روائع الطب الإسلامي الجزء الأول
المبحث الأول
الفطرة تعريفها وأهم خصالها:
"الفطرة" في الأصل تعني ما يميل الإنسان إليه بطبعه وذوقه السليم (1).
والإسلام كله يكون بهذا دين الفطرة،وتعاليمه كلها هي سنن الفطرة (2). لكن رسول الله قد خصَّ فيها مجموعة من السنن والتعاليم سمّاها "سنن الفطرة" لإرتباطها ببدن الإنسان ووظائفه الحياتية.
هذه السنن ما رواه أبو هريرة قال:سمعت النبي يقول :"خمس من الفطرة (وفي رواية الفطرة خمس) الختان والاستحداد وقص الشارب وتقليم الأظافر ونتف الإبط" رواه البخاري ومسلم.
وما روته عائشة رضي الله عنها أن النبي قال :"عشرٌ من الفطرة:قص الشارب واستنشاق الماء والسواك وإعفاء اللحية ونتف الإبط وحلق العانة وانتقاص الماء وقص الأظافر وغسل البراجم قال الراوي ونسيت العاشرة إلا أن تكون المضمضة" وانتقاص الماء يعني الاستنجاء رواه مسلم وابن خزيمة في صحيحه. وقال القاضي عياض:لعل العاشرة الختان لأنه مذكور في حديث (الفطرة خمس).
وكما ورد في حديث الإسراء والمعراج عندما خَيَّر جبريل عليه السلام النبي ،تاركاً الخمر وشارباً اللبن،فقال جبريل:الحمد لله الذي هداك للفطرة" رواه البخاري ومسلم.
قال ابن الأثير • "الإنسان يولد على نوع من الجبلة والطبع المهيء لقبول الدين،فلو ترك الأمر عليها لإستمر على لزومها ولم يفارقها إلى غيرها،وإنما يعدل من يعدل لآفة من البشر والتقليد".
وقد أخرج عبد الرزاق في مصنفه (3) عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما في تفسير قوله تعالى:"وإذا ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن".قال:"ابتلاه بالطهارة خمس في الرأس وخمس في الجسد.في الرأس قص الشارب والمضمضة والاستنشاق والسواك وفرق الرأس. وفي الجسد تقليم الأظافر وحلق العانة والختان ونتف الإبط وغسل أثر الغائط والبول بالماء".
قال أبو شامة (4):"الفطرة هي الخلقة المبتدئة،أي أن هذه الأشياء إذا فعلت اتصف فاعلها بالفطرة التي فطر الله العباد عليها واستحبها لهم ليكونوا على أكمل الصفات وأشرفها. والاستحداد استعمال الموس في حلق الشعر،والبراجم مفاصل الأصابع أو العقد التي على ظهرها،والمراد بها الموضع التي تتجمع فيها الأوساخ من البدن".
وقد فسر كثير من العلماء "الفطرة" التي وردت الأحاديث النبوية بأنها "السنة أي الطريقة التي جاء بها الأنبياء عليهم الصلاة والسلام.وقد أمر الله سبحانه نبيه المصطفى محمد بالإقتداء بهم في قوله تعالى:"فبهداهم اقتده".
يقول الإمام النووي (5):"جزم الماوردي وأبو اسحق بأن المراد بالفطرة في هذا الحديث : الدين.وقال البيضاني:الفطرة المرادة هنا هي السنة القديمة التي إختارها الأنبياء واتفقت عليها الشرائع وكأنها أمر جبلي فطروا عليه".
وخصال الفطرة كلها،التي حث عليها الإسلام بدعوة صريحة من نبي الرحمة،وإيّاً كان تفسير العلماء لكلمة الفطرة،فإنها تنضوي تحت عنوان "النظافة" والذوق السليم. وسنتناولها في بحثنا هذا بالتفصيل مع المنافع الصحية والاجتماعية التي يحصل عليها المسلم عند التزامه بها في حياته الدنيا.وسنفرد لكل من الختان والسواك بحثاً مستقلاً لأهميتها.
ولقد نبه ابن حجر (5) إلى أنه يتحصل من مجموع ما ورد من آثار صحيحة في خصال الفطرة أنها خمسة عشر خصلة وهي الختان والسّواك والاستحداد 0حلق العانة) وتقليم الأظافر ونتف الإبط قص الشارب وإعفاء اللحية والإنتضاح وغسل البراجم والمضمضة والاستنشاق والاستنثار والاستنجاء وفرق الشعر وغسل الجمعة.
الاستحداد :
يقول الإمام النووي (6):"الاستحداد هو حلق العانة وسمي استحداداً لاستعمال الحديدة (الموس أو الشفرة). وهو سنة،والمراد به نظافة ذلك الموضع.والأفضل فيه الحلق،ويجوز بقص الشعر أو نتفه.والمراد بالعانة الشعر النابت حول الذكر أو الفرج وما يلحق به الشعر حول الدُّبر.وأما وقت حلقه فالمختار أنه يضبط بالحاجة،وطوله،فإذا ما طال حُلِقَ.
عن عبد الله بن عَمر رضي الله عنهما أن رسول الله قال:"من الفطرة حلق العانة وتقليم الأظافر وقص الشارب" رواه البخاري.
وعن أنس بن مالك قال:"وقَّت لنا رسول الله في قص الشارب وتقليم الأظافر ونتف الإبط وحلق العانة ألا نترك أكثر من أربعين ليلة" رواه مسلم.
إنّ ناحية العانة وما يحيط بالقبل والدبر،منطقة كثيرة التعرق والإحتكاك ببعضها البعض،وإنه إن لم يُحلَق شعرها تراكمت عليه مفرزات العرق والدهن،وإذا ما تلوثت بمفرغات البدن من بول وبراز صعب تنظيفها حينئذ،وقد يمتد التلوث إلى ما يجاورها فتزداد وتتوسع مساحة النجاسة،ومن ثَمَّ يؤدي تراكمها إلى تخمرها فتنتن وتصدر عنها روائح كريهة جداً،وقد تمنع صحة الصلاة إن لم تنظف وقلع عنها النجاسات. وفي حلق شعر العانة أيضاً وقاية من الإصابة بعدد من الأمراض الطفيلية المؤذية كقمل العانة الذي يتعلق بجذور الأشعار ويصعب حينئذ القضاء عليها. كما يخفف الحلق من إمكانية الإصابة بالفطور المظنية.لذا سن الإسلام حلق العانة والأشعار حول الدبر كلما طالت تأميناً لنظافتها المستمرة ولأنها من أكثر مناطق الجسم تعرضاً للتلوث والمرض (4و7).
نتف الآباط :
قال النووي (6): وأما نتف الإبط فهو سنة بالاتفاق والأفضل فيه النتف لمن قوي عليه ويجوز بالحلق وغيره.ويرى العلامة ابن حجر (5) أن الهدي النبوي بنتف شعر الإبط وليس بحلقه لأن النتف يضعف التعرق تحت الآباط.
ويؤكد د.الكيلاني (4) أن النتف يضعف إفراز الغدد العرقية والدهنية.وإن الاعتياد عليه(أي بالنتف) منذ بدء نموه ودون أن يحلقه أبداً يضعف الشعر أيضاً ولا يشعر المرء بأي ألم عند نتفه.والمقصود بالنتف أن يكون باليد ويمكن إزالته أيضاً بالرهيمات المزيلة للشعر.
وفي الحقيقة فإن نمو الأشعار تحت الإبطين بعد البلوغ يرافقه نضوج غدد عرقية خاصة تفرز مواد ذات رائحة خاصة إذا تراكم مع الأوساخ والغبار أزنخت وأصبح لها رائحة كريهة (4)،وإن نتف هذه الأشعار يخفف إلى حد كبير من هذه الرائحة،ويخفف من الإصابة بالعديد من الأمراض التي تصيب تلك المنطقة كالمذح والسعفات الفطرية والتهابات الغدد العرقية (عروسة الإبط) والتهاب الأجربة الشعرية وغيرها،كما يقي من الإصابة بالحشرات المتطفلة على الأشعار كقمل العانة (7و8) .
قص الشارب وإعفاء اللحية :
عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن النبي قال:"احفوا الشارب وأعفوا اللحى" رواه البخاري.
وعن أبي هريرة قال : قال رسول الله :"جُزّوا الشوارب وأرخوا اللحى،خالفوا المجوس" رواه البخاري ومسلم.
وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن النبي قال:"من الفطرة قص الشارب" رواه البخاري.
وعن أنس بن مالك قال:"وقت لنا رسول الله في قص الشارب … ألا نترك أكثر من أربعين ليلة" رواه مسلم.
وعن زيد بن أرقم أن رسول الله قال:"من لم يأخذ من شاربه فليس منا" رواه النسائي وأحمد،ورواه الترمذي عن المغيرة بن شعبة وقال حديث حسن صحيح.
قال النووي(6):"وأما قص الشارب فسنة أيضاً.وأما حدُّ ما يقصه فالمختار أنه يقص حتى يبدو طرف الشفة ولا يحفه من أصله.وأما روايات احفوا الشوارب فمعناها ما طال على الشفتين،وإعفاء اللحية توفيرها وكان من عادة الفرس قص اللحية فنهى الشارع عن ذلك".
إن قص الشارب سنة بالاتفاق،إنما يرى الشافعية والمالكية التقصير أي قص الزائد عن الشفة العليا،بينما يرى الحنفية استئصال الشارب كله،والحنابلة مخيرون بين هؤلاء وهؤلاء (9).
ومن الناحية الطبية فإن الشوارب إذا ما طالت ثلوثت بالطعام والشراب وأصبح منظرها مدعاة للسخرية وقد تكون سبباً في نقل الجراثيم (4و8). وعندما يقص المسلم شواربه يبدو بمظهر التواضع والإرتياح خلافاً لما يخلفه إطالة الشارب وفتله من مظهر الكبر والجبروت (8).
وسنة الإسلام في قص الشوارب تتفق مع ما دعا إليه الطب،بقص ما زاد عن حدود الشفة العليا فقط وهو ما كان عليه جمع من الصحابة كعمر بن الخطاب وعبد الله بن الزبير،وهو ما ذهب إليه الشافعي ومالك،وإن عدم إزالة الشارب بقصه فقط تتفق مع الطب الوقائي،فالشارب خلق للرجل،وهو المهيأ للعمل وطوارئ البيئة ووجود الشارب يحمي الرجل من طوارئ البيئة وفي تصفية الهواء الداخل عبر الأنف إلى الرئتين،وهذا بالطبع أنفع وأسلم.
أما اللحية فقد دعا الإسلام إلى إعفائها وعدم حلقها:وقد ذهب المالكية والحنابلة إلى حرمة حلقها وقال الحنفية بكراهة التحريم وأفتر الشافعية بالكراهة (9).
ومن الناحية الصحية فإن د.عبد الرزاق كيلاني (4) يرى أن عمل الرجل يؤدي إلى كثرة تعرضه لأشعة الشمس والرياح الباردة والحارة والذي يؤثر سلبياً على الألياف المرنة والكلاجين الموجودين في جلد الوجه ويؤدي إلى تخربهما شيئاً فشيئاً إلى ظهور التجاعيد والشيخوخة المبكرة.وقد خلق الله [المصور] اللحية في وجه الرجل للتخفيف من تأثير هذه العوامل ،ولم يخلقها للمرأة لأنه سبحانه خلقها للعمل في البيت بعيداً عن تأثير الأشعة الشمسية وتقلبات الرياح.
من هنا نرى النتيجة الرائعة للهدي النبوي العظيم في أن وجه الملتحي أكثر نضارة وشباباً من وجه حليق اللحية،كما أن وجه المرأة المحجبة أكثر حيوية ونضارة من وجه السافرة مهما تقدمت بها السن.هذا عدا عما يسببه حلق اللحية اليومي من تهيج للجلد وتخريب لأنسجته،وعلاوة عما في حلق اللحية من تشبه الرجل بالمرأة وقد "لعن رسول الله المتشبهين من الرجال بالنساء والمتشبهات من النساء بالرجال" كما روى عبد الله بن عباس في صحيح البخاري.
المضمضة والاستنشاق والاستنثار:
عن عبد الله الصنايجي أن النبي قال:"إذا توضأ العبد المؤمن فتمضمض خرجت الخطايا من فيه فإذا استنثر خرجت الخطايا من انفه"• .
وعن علي بن أبي طالب "أنه دعا بوضوء فمضمض واستنشق واستنثر بيده اليسرى ثم قال:هذا طهور نبي الله " ••.
فالمضمضة هي إدخال الماء إلى الفم وإدارته فيه ثم طرده وهي سنة في الوضوء والغسل عند الشافعية والمالكية،ويرى الحنابلة وجوب المضمضة في الوضوء،أما الحنفية فيرون وجوبها في الغسل فقط،وقد كان هدى النبي أيضاً أن يتمضمض بعد الطعام وخاصة إذا كان دسماً.فقد روي عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما "أن رسول الله شرب لبناً فمضمض وقال:إن له دسماً" رواه البخاري.
ويتم بالمضمضة نظافة الفم وإزالة بقايا الطعام منه،وأما الغرغرة وهي المبالغة بالمضمضة (وهي مندوبة أيضاً) فتنظف الحلق والبلعوم. وإن تراكم البقايا الطعامية فب الفم يجعلها عرضة للتخمر وتصبح بؤرة مناسبة لتكاثر الجرايم مما قد يسبب إلتهابات في اللثة والقلاع ونخر الأسنان وغيرها من إلتهابات جوف الفم،ومن ثم إلى إنتقالها إلى السبيل الهضمي وما ينتج عنه من إضطرابات هضمية وتعفنات يصدر عنها رائحة الفم الكريهة (10).
أما الاستنشاق فهو إدخال الماء إلى الأنف،والاستنثار إخراجه منه بعد استنشاقه،وهما سنة مؤكدة في الوضوء والغسل عند جمهور الفقهاء عدا الحنابلة الذين قالوا بوجوبه فيهما.وقد روي عن أبي هريرة أن النبي قال:"إذا توضأ أحدكم فليجعل في أنفه ماء ثم لينتثر" رواه مسلم. كما أن ذلك مندوب عند القيام من النوم.
ويعمل الاستنشاق والاستنثار كلاهما معاً على التخلص مما تراكم في الأنف من مواد مخاطية،وما إلتصق بها من غبار وجراثيم مما يؤدي إلى تجديد طبقة المخاطية وتنشيطها لتقوم بوظيفتها الحيوية على أتّم وجه. فإذا ما علمنا أن أكثر الأمراض إنتشاراً بين الناس كالزكام والأنفلونزا وإلتهاب القصبات إنما تنتقل إلى الإنسان عن طريق الرذاذ الذي يخرج من المريض،بواسطة الهواء الذي يمر عبر الأنف أدركنا أهمية الدعوة النبوية للالتزام بعمل الاستنشاق والاستنثار مع كل وضوء.
غسل البراجم:
البراجم جمع "برجمة" وهي المفصل الظاهر من مفاصل الأصابع،وقيل الباطن منها. ورجح النووي [في الجموع] أن البراجم جميعاً هي مفاصل الأصابع كلها وهي التي تجتمع فيها الأوساخ. وقال الغزالي (5):"كانت العرب لا تغسل اليدين عقب الطعام فيجتمع في تلك الغضون وسخ فأمر بغسلها".
وقد أدخل العلماء في هذا الباب كل اعقد التي تكون مجتمعاً للوسخ سواء كانت في ظهور الأصابع أو في باطنها،في اليدين أو في القدمين،وألحقوا بها ما يجتمع من الوسخ في مناطق الأذان وغيرها (2). ولذا فقد جاءت السنة المطهرة فأمرت بتعهد هذه الأماكن بالغسل والتنظيف فأمر النبي بتخليل الأصابع في الوضوء،وتدليك البدن وخاصة في الثنيات وتعهدها بإيصال الماء إليها أثناء الغسل حتى تتم نظافة البدن والتي هي في الحقيقة جزء لا يتجزأ من طهارة المسلم وعبادته،وصلى الله على نبي الرحمة القائل:"الطهور شطر الايمان" رواه مسلم عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه.
انتقاص الماء :
وفسره العلماء بأنه "الاستنجاء"• ،وهو أيضاً "الانتضاح" : من نضح الفرج بالماء. وهو من خصال الفطرة وسنن الهدى العظيمة التي دعانا إليها المصطفى ، وتعني إزالة النجس من غائط وبول ودم ومذي وسواها،من القبل أو الدبر. وهو واجب عند جمهور الفقهاء لقوله سبحانه و تعالى والرجز فاهجر).
والأصل في الاستنجاء أن يكون بالماء، لما روي عن أنس بن مالك قال :"كان رسول الله إذا خرج لحاجته تبعته .وأنا غلام- ومعنا إداوة من ماء،يعني يستنجي به" رواه البخاري ومسلم.
ويجوز الاستنجاء بحجر ونحوه وكل شيء قالع (كالمحارم الورقية اليوم) ولا بد منها بثلاث مسحات على الأقل (إن حصل الانقاء) وإلا زاد رابعاً فأكثر. وقد أجمع فقهاء الأمة على ان الأفضل الجمع بين الحجارة (المحارم الورقية)وبين الماء في الاستنجاء.
ولا شك بأن الهدي النبوي بتعليم الأمة قواعد الاستنجاء،إنما هو إعجاز طبي وسبق صحي في مجال الطب الوقائي سبق بها الإسلام كافة الأنظمة الصحية في العالم وتنسجم مع متطلبات الصحة البدنية في الوقاية من التلوث الجرثومي والحد من انتشار الأمراض السارية. فما يخرج من السبيلين من بول وغائط يعتبر من أخطر الأسباب لنقل العدوى بالأمراض الجرثومية والطفيلية فيما إذا أهملت نظافتها (10). لذا دعت السنة النبوية إلى الاهتمام بطهارتها وجعلت ذلك مدخلاً للعبادة الصحيحة عند المسلمين.
تقليم الأظافر :
التقليم لغة هو القطع،وهو تفعيل من القّلْم،وكلما قطعت منه شيئاً بعد شيء فقد قلمته. وشرعاً هو إزالة ما يزيد على ملامس رأس الأصبع من الظفر،وهو سنة مؤكدة.
وقد ورد عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله قال:"من الفطرة حلق العانة وتقليم الأظافر وقص الشارب" رواه البخاري.
أما توقيت قصّ الأظافر فقد ورد عن أنس بن مالك قال:"وقَّتَ لنا رسول الله في قص الشارب وتقليم الأظافر ألا نترك أكثر من أربعين ليلة" رواه مسلم.
وعن عائشة رضي الله عنها أن النبي قال :"من قلّم أظافره يوم الجمعة وقي من السوء إلى مثلها"•.
فالسنة النبوية تضع حدين (12) لتوقيت قصّ الأظافر،حدٌّ أعلى لا يزيد عنه المسلم في ترك أظافره وهو أربعين يوماً حيث نهى أن تطول أكثر،وحدٌّ أدنى -أسبوع- رغب فيه المسلمين بقص أظافرهم لتكون زينة يوم الجمعة ونظافته.
والمعتمد عند الإمام أحمد بن حنبل استحبابه كيفما احتاج إليه. وقال النووي (5): يختلف ذلك باختلاف الأحوال والأشخاص والضابط،الحاجة إليها،كما في جميع خصال الفطرة.
الموانع الشرعية لإطالة الأظافر : إن عدم قصّ الأظافر وتركها تطول لتصبح (مخالب) بشرية، سواءاً كان ذلك إهمالاً،أو جهلاً،أو كان متعمداً على أنه تقليد (أو موضة) هو خصلة ذميمة مخالفة لسنن الفطرة التي جاءت بها الشريعة الإسلامية.
فالأظافر الطويلة قد تكون سبباً في منع وصول ماء الوضوء إلى مقدم الأصابع،وفيها تشبه وتقليد لأهل الكفر والضلال،وتطبيع للمسلمين بطابع الحضارة الغربية،وفيها أيضاً نزوع إلى الطبيعة الحيوانية وتشبه بالوحوش ذوات المخالب،كما أنه عمل لا يقبله الذوق الإسلامي الذي تحكمه شريعة الله ونظرتها التكريمية للإنسان –الذي هو خليفة الله في الأرض- هذا علاوة على أن ما ينجم من أضرار صحية من حراء إطالة الأظافر،يجعلها تتعارض مع القاعدة الشرعية [لا ضرار ولا ضرار] والتي جاءت لتحافظ على سلامة البشر.
عن قيس بن أبي حازم قال:" صلى رسول الله صلاة" فأوهم فسها،فسئل فقال: مالي لا أوهم ورفع أحدكم بين ظفره وأنملته"•. ومعناه أنكم لا تقصون أظفاركم ثم تحكون بها أرفاغكم فيتعلق بها ما في الأرفاغ من الأوساخ،وقال أبو عبيد:أنكر عليهم طول الأظافر وترك قصّها.
وفي بحث طريفة قدمه د.يحي الخواجي ود.أحمد عبد الأخر في المؤتمر العالمي للطب الإسلامي (12) آكدّاً فيه أن تقليم الأظافر يتماش مع نظرة الإسلام الشمولية للزينة والجمال.فالله سبحانه خلق الإنسان في أحسن تقويم،وجعل له في شكل جمالي أصابع يستعملها في أغراض شتى،وجعل لها غلافاً قرنياً هو الظفر يحافظ على نهايتها. وبهذا التكوين الخلقي يتحدد الغرض من الظفر ويتحدد حجمه بألا يزيد على رأس الأصبع ليكون على قدر الغرض الذي وجد من أجله.ومن جهة أخرى فإن التخلص من الأوساخ وعوامل تجمعها يعتبران من اهم أركان الزينة والجمال،وإن كل فعل جمالي لا يحقق ذلك فهو وردود على فاعله.
وإن تقليم الأظافر بإزالة الأجزاء الزائدة منها يمنع تشكل الجيوب بين الأنامل والأظافر والتي تتجمع فيها الأوساخ،ويحقق بذلك نظرة الإسلام الرائعة للجمال والزينة.
الأضرار الصحية الناجمة عن إطالة الأظافر:
تحمي الأظافر نهايات الأصابع وتزيد صلابتها وكفائتها وحسن أدائها عند الإحتكاك أو الملامسة،وإن الجزء الزائد من الظفر والخارج عن طرف الأنملة لا قيمة له ووجوده ضار من نواح عدة لخصّها الزميلان خواجي وعبد الآخر في عاملين أساسيين:
الأول : تكون الجيوب الظفرية بين تلك الزوائد ونهاية الأنامل والتي تتجمع فيها الأوساخ والجراثيم وغيرها من مسببات العدوى كبيوض الطفيليات،وخاصة من فضلات البراز والتي يصعب تنظيفها،فتتعفن وتصدر روائح كريهة ويمكن أن تكون مصدراً للعدوى للأمراض التي تنتقل عن طريق الفم كالديدان المعدية والزحار والتهاب الأمعاء،خاصة وأنّ النساء هُنّ اللواتي يحضرون الطعام ويمكن أن يلوثن بما يحملن من عوامل ممرضة تحت مخالبهن الظفرية.
الثاني : إن الزوائد (المخالب) الظفرية نفسها كثيراً ما تحدث أذيات Injuries بسبب أطرافها الحادة قد تلحق الشخص نفسه أو الآخرين وأهمها إحداث قرحات في العين والجروح في الجلد أثناء الحركة العنيفة للأطراف خاصة أثناء الشجار وغيره. كما أن هذه الزوائد قد تكون سبباً في إعاقة الحركة الطبيعية الحرة للأصابع،وكلما زاد طولها زاد تأثيرها على كفاءة أصابع اليد أشد،حيث نلاحظ إعاقة الملامسة بأطراف الأنامل وإعاقة حركة الانقباض،وكذا تقييد الحركات الطبيعية للإمساك والقبض وسواها (12) .
وهناك آفات تلحق الأظافر نفسها بسبب إطالتها،منها تقصف الأظافر بسبب كثرة اصطدامها بالأجسام الصلبة أو احتراقها،ذلك أن طولها الزائد يصعب معه التقدير والتحكم في البعد بينها وبين مصادر النار،كما أن تواتر الصدمات التي تتعرض لها الأظافر الطويلة تنجم عنها إصابات ظفرية غير مباشرة كخلخلة الأظافر أو تضخمها لتصبح مشابهة للمخالب Onchogrophosis أو زيادة تسمكها Onychausis أو حدوث أخاديد مستعرضة فيها أو ما يسمى بداء الأظافر البيضاء(12).
وتؤكد الأبحاث الطبية (4) أن الأظافر الطويلة لا يمكن أن نعقم ما تحتها ولا بد أن تعلق بها الجراثيم مهما تكرر غسلها لذا توصي كتب الجراحة أن يعتني الجراحون والممرضات بقص أظافرهم دوماً لكي لا تنتقل الجراثيم إلى جروح العمليات التي يجرونها وتلوثها.
وهكذا تتضح لنا روعة التعاليم النبوية في الدعوة إلى قص الأظافر كلما طالت،واتفاق هذه التعاليم مع مقررات الطب الوقائي وقواعد الصحة العامة والتي تؤكد أن إطالة الأظافر تضر بصحة البدن.
غسل الجمعة :
عن أبي سعيد الخدري أن النبي قال :"غسل الجمعة واجب على كل محتلم" رواه البخاري ومسلم.
وعن أبي هريرة أن النبي قال :"حق على كل مسلم أن يغتسل في كل سبعة أيام يوماً يغسل فيه رأسه وجسده" رواه البخاري ومسلم.
دعا نبي الرحمة المسلمين إلى الاغتسال في كل مناسبة يجتمعون فيها كصلاة الجمعة والعيدين والوقوف بعرفة وغيرها من المناسبات. وبذلك يلتقي المسلمون وهم في أتم نظافة وطهر ولا يشم من أحدهم روائح العرق والثياب الكريهة وهذا –وإيم الله- قمة الحضارة الإنسانية (10). هذا عدا عن أن الحرص على نظافة الجلد أمر ضروري صحياً كي يؤدي هذا العضو وظائفه الهامة في طرح السموم من البدن عن طريق التعرق. ولإقرار التوازن الحروري للبدن،والشعور بما يحيط به عن طريق حاسة اللمس.
وقد فصلنا الفوائد الصحية من الغسل في الجزء الثاني من كتابنا "روائع الطب الإسلامي" وأكدنا فيه عظمة الإسلام في محافظته على صحة الفرد والمجتمع عندما دعا المسلمين إلى الاغتسال،بل وفرضه عليهم في العديد من المناسبات كغسل الجنابة وطهارة المرأة من الحيض.
مراجع بحث خصال الفطرة
1- د.محمود طلوزي :"في رحاب الطب النبوي والعلم الحديث"،دار الرواد،حلب،1994.
2- د.محمد علي البار :"الختان"،دار المنارة،جدة،1994.
3- الإمام ابن جرير الطبري :"تفسير الطبري".
4- د.عبد الرزاق الكيلاني :"الحقائق الطبية في الإسلام"،دار القلم،دمشق،1996.
5- ابن حجر العسقلاني :"فتح الباري على صحيح الإمام البخاري".
6- الإمام النووي :"شرح صحيح مسلم".
7- د.عادل بربور وزملاؤه :"الطب الوقائي في الإسلام"،دمشق،1992.
8- د.غياث الأحمد :"الطب النبوي في ضوء العلم الحديث".
9- د.وهبة الزحيلي :"الفقه الإسلامي وأدلته".
10- د.محمد نزار الدقر :"روائع الطب الإسلامي ج2،العبادات في الإسلام وأثرها في صحة الفرد والمجتمع"،دار المعاجم،دمشق،1995.
11- د.محمود ناظم النسيمي :"الطب النبوي والعلم الحديث"،دار الرسالة،بيروت،1991.
12- د.يحيى الخواجي و د.أحمد عبد الأخر :"المؤتمر العالمي الرابع للطب الإسلامي"،الكويت،نوفمبر،1986.
13- ابن الأثير الجزري :"جامع الأصول في أحاديث الرسول" تحقيق الأرناؤوط.
14- الإمام جلال الدين السيوطي :"الجامع الصغير وزيادته".
يتبع
__________________
يا قارئ خطي لا تبكي على موتي.. فاليوم أنامعك وغداًفي التراب..
فإن عشت فإني معك وإن مت فاللذكرى..! ويا ماراً على قبري لا تعجب من أمري..
|