لقد جعل الله تعالى حياتنا في هذه الدنيا عبارة عن جملة محدودة من الدقائق والثواني، وحضنا على الانتفاع بكل جزء من اجزائها بمزيد من الاخلاص، وحذرنا من كل ما يعوق سيرنا او يؤدي بنا الى التثاقل، ونبهنا الى انه سيحاسب كل من جنى على نفسه بجناية تضييع الوقت، وسيعرضه يوم القيامة لعقاب الخزي والندامة مصداقا لقوله تعالى:
(قال كم لبثتم في الارض عدد سنين، قالوا لبثنا يوما او بعض يوم، فاسأل العادين، قال إن لبثتم الا قليلا لو أنكم كنتم تعلمون، أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا وأنكم الينا لاترجعون)
سورة المؤمنون الآيات (112-115).
عندما وهبنا الله تعالى الحياة لم يجعلها هملا دون غاية
(أيحسب الانسان أن يترك سدى)
سورة القيامة آية (36)
ولم يجعل الحياة مستمرة الى ما لانهاية، بل جعل لها بداية ونهاية، ووضع بين ايدينا منهاجا كاملا وطريقة مثلى لنجعل من حياتنا المحدودة وايامنا المعدودة رصيدا ثمينا نصرف كل جزء من أجزائه في العلم النافع والعمل الصالح، حتى اذا انتهت حياتنا الدنيا وجدنا انفسنا قد فزنا في السباق بالميزان الراجح
(يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا، وما عملت من سوء تود لو أن بينها وبينه أمدا بعيدا)
سورة آل عمران آية (30).
إن الشهور والاعوام والليالي والايام كلها مواقيت الاعمال ومقادير الآجال، فهي تنقضي جميعا وتمضي سريعا، فالليل والنهار يتراكضان تراكض البريد، ويقربان كل بعيد، فالأيام تطوى والاعمار تفنى، والذي اوجدها وخصها بالفضائل هو باق لا يزول، هو إله واحد رقيب مشاهد يغدق على عباده صنوف العطايا ويسبغ عليهم فواضل النعم ويعاملهم بغاية الجود والكرم.
وقد أوجب الله على العبد في كل يوم من أيام حياته وظيفة من وظائف طاعته يتقرب بها اليه، فيه لطيفة من لطائف نفحاته يصيب بها من يشاء بفضله ورحمته، فالسعيد من اغتنم الليالي والساعات وتقرب الى الله بالطاعات، إن كل شهر يستهله الانسان فإنه يدنيه من اجله ويقربه من آخرته
(وخيركم من طال عمره وحسن عمله، وشركم من طال عمره، وساء عمله)رواه أحمد والترمذي،
وإن الإنسان بين أن يثاب على الطاعة والاحسان او يعاقب على الاساءة والعصيان كما قال تعالى: (ويوم يحشرهم كأن لم يلبثوا إلا ساعة من النهار يتعارفون بينهم، قد خسر الذين كذبوا بلقاء الله وما كانوا مهتدين)
سورة يونس آية (45).
وللدلالة على أهمية الوقت وعظيم قيمته فقد أقسم الله تعالى به أو بأجزاء منه في كثير من الآيات القرآنية الكريمة مثل قوله تعالى:
والعصر إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا..
سورة العصر الآيات (1-3)،
وقوله تعالى:
(والفجر وليال عشر..)
سورة الفجر الآيات (1-2)
، وقوله:
(والضحى والليل..)
سورة الضحى الآيات (1-2)،
وغيرها من الآيات القرآنية الكريمة.
وما هذا إلا لفت لانتباه المسلم الى أهمية الوقت وقيمته الحقيقية في الاسلام، فالمؤمن العاقل يقف مع امسه ويومه وغده، وقفة تأمل وتفكر كما يقف التاجر الواعي الحصيف على رأس كل عام ليراجع سجلاته وموجوداته وديونه ليدرك ماله وما عليه وليعرف خسائره من ارباحه، راجيا ربه أن يكون يومه خيرا من أمسه، وغده خيرا من يومه، وكان أولى بالانسان العاقل أن يحاسب نفسه في كل يوم وشهر وسنة انسلخت من عمره، حيث سيسأله الله تعالى عنها وهي ليست بالزمن القليل
، فالسنة اثنا عشر شهرا والشهر ثلاثون يوما واليوم اربع وعشرون ساعة، والساعة ستون دقيقة والدقيقة ستون ثانية كل ثانية فيها نعمة من الله عليك يا عبد الله وأمانة لديك من الله تعالى.
كان أولى بالمسلم العاقل أن يأسى على نفسه بما انهدم من بنيان عمره وما طوي من كتاب حياته، فكل يوم يمضي، انما هو ورقة من شجرته قد ذوت وسقطت، ورحم الله الحسن البصري حين قال:
يا ابن ادم، إنما انت ايام مجموعة، كلما ذهب يوم ذهب بعضك
، فالمؤمن الحصيف هو الذي يربح عمره ويتزود فيه من صالح عمله، فيتزود من دنياه لآخرته، فانه لن يأسف على الدنيا عند ذهابه منها، ولن يجزع من الموت عند نزوله به، ولن يخاف ولن يحزن على إقباله على الآخرة لان اعماله تؤنسه، وفي الحديث:
(وصنائع الاحسان تقي مصارع السوء)
رواه الطبراني في الأوسط بسند حسن،
ولهذا يقال له عند الاحتضار على سبيل اللطف به:
(يا أيتها النفس المطمئنة، ارجعي الى ربك راضية مرضية، فادخلي في عبادي، وادخلي جنتي)
سورة الفجر الآيات (27-30).
إن المؤمن اذا لم ينتفع بوقته خير انتفاع، ولم يستعمل رصيده منه احسن استعمال، ولم يعط لكل وقت حقه ولكل حق وقته، ولم يكن كل يوم في تقدم مستمر بفضل مدخراته من الوقت، فانه في تأخر مطرد يهوي به الى الهاوية، فالانسان في هذه الحياة سائر لاواقف، فإما أن يصعد الى الاعلى وإما أن ينزل الى الحضيض إما أن يتجه الى الامام وإما ان يتجه الى الوراء، فمن لم يتقدم الى الجنة بالاعمال الصالحة فهو متأخر الى النار بالاعمال السيئة، إذ لا منزل للانسان في نهاية المطاف سواهما ولا طريق يؤدي الى غيرهما.
جزاك الله كل خيرمشرفتنا القديرة
وجعل كل اوقتنا في طااعته والبعد عن معصيته
دمتى بخير