عرض مشاركة واحدة
  #4  
قديم 28-12-2005, 10:02 PM
الصورة الرمزية الأفق
الأفق الأفق غير متصل
مراقبة الملتقيات
 
تاريخ التسجيل: Nov 2005
مكان الإقامة: بلاد الله الواسعة
الجنس :
المشاركات: 7,530
الدولة : United Arab Emirates
افتراضي


نعم أختي العزيزة هناك تساؤلات كثيرة ضد الغيرة وايضا مفاهيم كثيرة اذكر منها:

أن هناكَ حالات غيرةٍ مرضيةٍ تأخذُ شكل الوسواس القهري بأفكاره التسلطية وأفعاله القهرية حيثَ ترى المريض الذي يشك في إخلاص شريك حياته إنما يعاني من فكرةٍ تسلطيةٍ محتواها هوَ الشك في إخلاصه أو أن خيانته حدثت وبما أنها فكرةٌ تسلطيةٌ فإن المريضَ يعرفُ أنها فكرةٌ غير صحيحةٍ ، لكنهُ لا يستطيعُ التخلص منها إلا بالتأكد من خلال التفتيش في حاجيات الطرف الآخر وربما مراقبته كفعلٍ قهري أيضًا.
ويصف البعض الغيرةَ بأنها توابلُ الحب ويصفها البعض الآخر بأنها سم الحب القاتل ، فالغيرة أحيانا تقوى العلاقة وأحيانا أخرى تدمرها إذا تجاوزت الحد ، والبعض يكون أكثر ميلا للغيرة بطبيعته على البعض الآخر ، بل إن نفس الشخص قد يكون غيورا في موقف ما وغير غيور في مواقف أخرى ، وفى الحقيقة لابد أن نعترف بأنه ليس منا من هو كامل التكيف وشعورنا بها من حين لآخر عادى وطبيعيي وكلنا جميعا عرضة للشعور بالغيرة بقدر ما.

وأما مظاهر الغيرة فهي مزيج من القلق والخوف والتوتر والضيق ، والغيرة تظهر في السلوك ولا يعبر عنها مباشرة بالكلمات ومن المؤسف أن نتصور أن الغيرة مظهر للحب القوى الجامح ، فالحقيقة أن الحب ما لم يكن راسخا فهو لا يستطيع الصمود في وجهها لأن الغيرة تنبع من الشعور بالاحتقار ، ولعل أهم ما وصلت إليه أبحاث علماء الطب النفسي وعلم النفس من نتائج هو أن الأطفال الذين يعانون من عدم الاستقرار والحرمان من العطف يكونون أكثر عرضة للغيرة في رجولتهم من أولئك الذين أحيطوا بالمحبة من كل جانب ، والتسامح والتفاهم من جانب الآباء في تربيتهم لأطفالهم من شأنه أن يحد كثيرا من استعداد أولئك الأطفال من الشعور بالغيرة في مستقبلهم والإنسان الغيور يحمل بعض ملامح الشخصية الزورانية والتي لديها حساسية زائدة فيجسم الأمور ويبالغ فيها ويحمل الأشياء والكلمات والمواقف معانٍ بعيدة عن الحقيقة ، وهذه التهيئةُ النفسيةُ هيَ بمثابة أحد العوامل النفسية المهيئة Predisposing Factors أي التي تجعل الشخص على استعدادٍ للمعاناة من اضطراب الغيرة المرضية بوجه عام وذلك عند تعرضه لكروبٍ معينةٍ تكفي لإحداث الاضطراب كأن يكتشفَ مثلاً أن قريب زوجته ، ذلك الذي يزورهم كثيرًا كانَ يريدُ الزواج منها قبل أن يتقدمَ هوَ لخطبتها ، ويعتبرُ ذلك بمثابة العامل المرسب Precipitating Factor ، فيبدأ الزوجُ بعد ذلك في المعاناة من فكرةٍ تسلطيةٍ مؤداها أن زوجته لابد تحبُّ ذلك الشخص وربما تكونُ على استعدادٍ لخيانته معه ، وهكذا تتوالدُ الأفكارُ ويجترُّ بعضها بعضًا رغم محاولاته المستميتة لطردها من وعيه ، وربما تأخذُ شكل الصور والتخيلات الاقتحامية وتدفعه إلى أفعال التفتيش القهرية في حاجيات زوجته مثلاً رغم ما يمكنُ أن يسببه ذلك من تبرم من ناحية الزوجة إلا أنهُ لا يستطيع منع نفسه من ذلك ، ومن المهم هنا أن نلاحظَ أن الظواهر القهرية في وسواس الغيرة تكونُ من أهم العوامل المثبتة Perpetuating Factors لذلك الاضطراب.

وأما موقفُ الإسلام من الشعور بالغيرة على الزوجة فإنهُ موقفٌ معتدلٌ وواضحٌ فالإسلام لا يقبلُ من الرجل أن يكونَ باردَ الدم لا يغارُ على حريمه ولا أن يكونَ شكاكا عديم الثقة فيهن فكما يقول فضيلة الشيخ عطية صقر في فتواه : يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كما رواه النسائي والبزار وصححه الحاكم " ثلاثةٌ لا يدخلون الجَنّة، العاقُّ لوالدَيْه والدَّيُّوث ورجلة النساء " ـ فإنّه وجَّهه إلى الاعتدال والتوسُّط في ذلك، فقد قال ـ صلّى الله عليه وسلم ـ ، كما رواه أبو داود والنسائي وابن حبان " إنَّ من الغَيرة غَيرة يبغضُها الله عزَّ وجل وهي غَيرة الرّجل على أهله من غير رِيبة " ذلك أن شدة الغَيرة تجلِب على المرأة سُبَّة، فسيقول النّاس ، إنْ صدقًا وإن كَذِبًا، ما اشتد عليها زوجُها إلا لعلمه بأنَّها غير شريفة، أو فيها ريبة، يقول الإمام علي: لا تُكثِرُ الغَيرة على أهلك فتُرْمَى بالسوء من أجلك .

إن هذه الغَيرة الشديدة تحمله على كثرة الظن السّيِّئ وعلى التجسُّس، وذلك منهي عنه في القرآن والسنة ، وقد نَهَي الحديث عن إحدى صوره ، وهي الطُّروق ليلاً للمسافر ، أي مُباغتته لأهله عند قُدومه من السفر دون علمٍ منهم ، فقد روى مسلم عن جابر أن النبي ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ نهى أن يَطرُق الرّجُلُ أهلَه ليلاً لئلاّ يُخوِّنهم أو يطلب عَثراتِهم . وروى البخاري ومسلم قوله صلّى الله عليه وسلم " إذا قَدِمَ أحدُكم ليلاً فلا يأتِيَنَّ أهلَه طُروقًا ، حتَّى تَستحِدَّ المغيبة وتَمتشطَ الشَّعثة " . فالخُلاصة أن الرّجل لابد أن يَغار على زوجته، ولكن يجب أن يكون ذلك في اعتدال، وخير ما يُساعده على ذلك أن يختارَها ذات خلق ودِين.

ونحنُ عندما نتحدث عن الغيرة المرضية نقول أنها الغيرة التي تخرج عن نطاق السواء النفسي ، وتستحيل معها الحياة في هدوء وطمأنينة ، فالغيرة المرضية هي لهيب يحرق كل شيء وينزع الحب وتقضى على الثقة وتنتهي بغرس بذور الكراهية ، والشخص المصاب بالغيرة المرضية تسيطر عليه مشاعر النرجسية وحب الذات ، إذ يريد أن يكون محور انتباه واهتمام الشخص الآخر إن أمكن كل الوقت كما أن الشخص المصاب بالغيرة المرضية يتجاهل الأدوار المختلفة للشريك الآخر ، فلكل شخص في حياته أدوار متعددة يقوم بها.

ولما كانت ظروف مجتمعنا الحالي تستدعى وجود علاقات مهنية في العمل أو خارجه، فمن هنا تبدأ ظهور المشاكل والمآسي والانهيارات فوضعُ المرأةِ العاملةِ مثلاً يمكنُ أن يستثيرَ لدى زوجها كما من الوساوس لا حد له ، وترى الكثيرين يفضلونَ إبقاءَ زوجاتهم في البيت ومنعهن من العمل بسبب عدم قدرتهم على التعامل مع مشاعر الغيرة ، وقد عالجتُ من كانَ لا يستطيعُ البقاءَ في مكانِ عمله أكثرَ من ساعتين ، وتهاجمهُ بعد ذلك أفكارٌ تسلطيةٌ تتعلقُ بزوجته ورئيسها في العمل ، وكانَ لا يجدُ الخلاص من أفكاره تلك إلا بالاتصال بها أو الذهاب بأي حجةٍ إلى مكانٍ عملها للتحقق بأي شكلٍ من أنها لا تخونهُ في هذه اللحظة ، وعندما كنتُ أغلظُ عليه في السؤال كانَ يقولُ أنهُ رغم ثقته في زوجته إلا أنهُ لا يستطيعُ الخلاص من وساوسه ، وكانَ الحل الذي يراه لهذه المشكلة هو أن تتركَ زوجته العمل.
__________________
رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 17.31 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 16.68 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (3.64%)]