وقول الله تعالى : وَقَالُوا مَا هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلاَّ الدَّهْرُ وَمَا لَهُمْ
بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ .
في الصحيح عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم
- قال : ( قال الله تعالى : يؤذيني ابن آدم يسب الدهر ، وأنا الدهر أقلب الليل والنهار ) .
وفي رواية : لا تسبوا الدهر ، فإن الله هو الدهر ) .
قال حفيده فضيلة الشيخ الوزير صالح بن عبد العزيز آل الشيخ - حفظه الله ورعاه -
شارحًا هذا الباب : ( الدهر : هو الزمان اليوم والليلة ، أسابيع الأشهر ، السنون ، العقود ،
هذا هو الدهر ، وهذه الأزمنة مفعولة ، مفعول بها لا فاعلة ، فهي لا تفعل شيئًا ، وإنما
هي مسخرة يسخرها الله - جل جلاله - وكل يعلم أن السنين لا تأتي بشيء ، وإنما الذي
يفعل هو الله - جل وعلا - في هذه الأزمنة ؛ ولهذا صار سب هذه السنين سبًا لمن تصرف
فيها ، وهو الله - جل جلاله - لهذا عقد هذا الباب بما يبين أن سب الدهر ينافي كمال التوحيد ،
وأن سب الدهر يعود على الله - جل وعلا - بالإيذاء ؛ لأنه سب لمن تصرف في هذا الدهر .
فمناسبة هذا الباب لكتاب التوحيد ظاهرة ، وهو أن سب الدهر من الألفاظ التي لا تجوز ،
والتخلص منها واجب ، واستعمالها مناف لكمال التوحيد ، وهذا يحصل من الجهلة كثيرًا ،
فإنهم إذا حصل لهم في زمان شيء لا يسرهم ، سبوا ذلك الزمان ، ولعنوا ذلك اليوم ،
أو لعنوا تلك السنة ، أو لعنوا ذلك الشهر ، ونحو ذلك من الألفاظ الوبيلة ، أو شتموا الزمان ،
وهذا لا شك لا يتوجه إلى الزمن ؛ لأن الزمن شيء لا يفعل ، وإنما يفعل فيه
، وهو أذية لله - جل وعلا - .
باب : " من سب الدهر " السب يكون بأشياء ، والسب في أصله التنقص ، أو الشتم ،
فيكون بتنقص الدهر ، أو يكون بلعنه ، أو بشتمه ، أو بنسبة النقائص إليه ، أو بنسبة الشر إليه ،
ونحو ذلك ، وهذا كله من أنواع سبه ، والله - جل وعلا - هو الذي يقلب الليل والنهار .
قال : ( فقد آذى الله ) ولفظ ( آذى الله ) لأجل الحديث ، حديث أبى هريرة قال :
( يؤذيني ابن آدم ؛ يسب الدهر ، وأنا الدهر ، أقلب الليل والنهار ) . ففيه رعاية للفظ
الحديث ، سب الدهر - كما ذكرنا - محرم ، وهو درجات ، وأعلاه لعن الدهر ؛ لأن توجه
اللعن إلى الدهر أعظم أنواع المسبة ، وأعظم أنواع الإيذاء ، وليس من مسبة الدهر
وصف السنين بالشدة ، ولا وصف اليوم بالسواد ، ولا وصف الأشهر بالنحس ، ونحو ذلك ؛
لأن هذا مقيد ، وهذا جاء في القرآن في نحو قوله - جل وعلا - : فِي أَيَّامٍ نَحِسَاتٍ لِنُذِيقَهُمْ
عَذَابَ الْخِزْيِ ." في أيام نحسات " وصف الله - جل وعلا - الأيام بأنها نحسات .
فالمقصود في أيام نحسات عليهم ، فوصف الأيام بالنحس ؛ لأنه جرى عليهم فيها ما فيه نحس
عليهم ، ونحو ذلك قوله - جل وعلا - في سورة القمر : فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ .
يوم نحس ، أو يقول : يوم أسود ، أو سنة سوداء ، هذا ليس من سب الدهر ؛ لأن المقصود
بهذا الوصف ما حصل فيها كان من صفته كذا وكذا على هذا المتكلم ، وأما سبه أن ينسب
الفعل إليه ، فيسب الدهر لأجل أنه فعل به ما يسوءه ، فهذا هو الذي يكون أذية لله - جل وعلا - .
قال : وقول الله تعالى :" وَقَالُوا مَا هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلاَّ الدَّهْرُ ": هذه
الآية ظاهرة في أن نسبة الأشياء إلى الدهر هذه من خصال المشركين أعداء التوحيد ،
فنفهم منه أن خصلة الموحدين أن ينسبوا الأشياء إلى الله - جل وعلا - ولا ينسبوا الإهلاك
إلى الدهر ، بل الله - جل وعلا - هو الذي يحيي ، ويميت .
قال في الصحيح ، عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :
( قال الله تعالى : يؤذيني ابن آدم ؛ يسب الدهر ، وأنا الدهر ) .
قوله هنا : ( وأنا الدهر ) لا يعني : أن الدهر من أسماء الله - جل وعلا - ولكنه رتبه على
ما قبله ، فقال : ( يسب الدهر ، وأنا الدهر ) ؛ لأن حقيقة الأمر أن الدهر لا يملك شيئًا ،
ولا يفعل شيئًا ، فسب الدهر سب لله ؛ لأن الدهر يفعل الله - جل وعلا - فيه ، الزمان
ظرف للأفعال ، وليس مستقلاً ؛ فلهذا لا يفعل ، ولا يحرم ، ولا يعطي ، ولا يكرم ،
ولا يهلك ، وإنما الذي يفعل هذه الأشياء مالك الملك ، المتفرد بالملكوت وتدبير
الأمر الذي يجير ، ولا يجار عليه .
إذا فقوله : ( وأنا الدهر ) هذا فيه نفي نسبة الأشياء إلى الدهر ، وأن هذه الأشياء تنسب
إلى الله - جل وعلا - فيرجع مسبة الدهر إلى مسبة الله - جل وعلا - ؛ لأن الدهر لا ملك له ،
والله هو الفاعل قال : ( أقلب الليل والنهار ) ، والليل والنهار هما الدهر ، فالله - جل وعلا -
هو الذي يقلبهما ، فليس لهما من الأمر شيء . نعم ) .
وسئل الإمام الفقيه