الجنس في الإسلام
قال أبو عمر: فقد يظن بعض من جهال أو ناقصي العلم من أهل زمن الألفية الثالثة أن الفطرة السوية تنادي الإنسان الكامل بالحرمان الجنسي، وقتل الشهوات والرهبنة، وما أراد الله خالق البشر هذا أبداً لهذا المخلوق المكرم عند ربه، والذي أسماه الإنسان..
ولو كان سبحانه وتعالي أراد هذا للبشر ما كان ليخلقهم علي زوجين أو جنسين، أحدهما الذكر والآخر الأنثي، وربط بينهما سبحانه وتعالي بروابط عاطفية طبيعية أو غريزية تدفع كلاً منهما إلي الآخر دفعاً، وذلك لأن الإنسان الفرد ناقص إنسانياً ولا يكتمل إنسانياَ بزوجه الطبيعي الذي خلقه له ربه سواء أكان إنساناً ذكراً أم إنسان أنثي.
وهذا هو فحوي ديننا الحنيف ونصه قبل فحواه والذي قال فيه رب المخلوقات:
{وَمِنْ آيَاتِهِ
أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا
وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً
إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُون}الروم21.
أي : ومن آياته الدالة على عظمته وكمال قدرته سبحانه وتعالي أن خلق لأجلكم من جنسكم -أيها الرجال- أزواجًا; لتطمئن نفوسكم إليها وتسكن, وجعل بين المرأة وزوجها محبة وشفقة, إن في خلق الله ذلك لآيات دالة على قدرة الله ووحدانيته لقوم يتفكرون, ويتدبرون.
أو كما قال رسول رب العالمين صلي الله عليه وسلم في الحديث الذي قال فيه الراوي:
(خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سرية؛ فمر رجل بغار فيه شيء من ماء وبقل.
فحدث نفسه بأن يقيم فيه ويتخلى من الدنيا، فاستأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك.)
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
إني لم أبعث باليهودية ولا بالنصرانية؛ ولكني بعثت بالحنيفية السمحة.
والذي نفس محمد بيده؛ لغدوة أو روحة في سبيل الله؛ خير من الدنيا وما فيها.
ولمقام أحدكم في الصف خير من صلاته ستين سنة .
(رواه أحمد عن أبي أمامه وصححه الألباني، ماعدا ما بين القوسين فلم يتم دراسته)
والغدوة والروحة في سبيل الله هي عبارة عن كل عمل يعمله الإنسان، ويتقي فيه الله ؛لا نستثني منه شيئا، سواء أكان الإنسان محارباً في جيشه أو طبيباً أو عالماً أو متعلماً أومهندساً أو محامياً أو شرطياً أو كنّاس أو وزيراً أو غفيراً أو فناناً أو كاتباً أو في أي درب من دروب الحرف والصناعات والفنون وكل عمل شريف.
ولمقام أحدكم في صف الصلاة بين الجماعة خير من صلاته ولو صلي ستين سنة، والستين سنة هو متوسط عمر المسلم من أمة محمد صلي الله عليه وسلم، بل هو الآن في عصرنا هذا متوسط عمر الإنسان، وإن أردت فإبحث في سجلات وإحصائيات الطب والعلم والحديث، أو كما قال صلي الله عليه وسلم:
أعمار أمتي ما بين الستين إلى السبعين وأقلهم من يجوز ذلك .
(خرجه السيوطي عن أبي هريرة وأنس وصححه الألباني)
وأعمار كل البشر صارت الآن ما بين الستين والسبعين، وأقلنا من يتجاوز ذلك.
لذا فديننا دين عالمي..
ديننا دين الحب لا دين الكره..
وديننا دين السلاملا دين الحرب..
وديننا دين البناء والعمار لا دين الهدم..
وديننا دين الصلاح والإصلاح لا دين الفساد والإفساد..
وديننا دين حفظ الدماء لا إراقتها..
وديننا العلم لا دين الجهل..
وديننا دين العمل لا الكسل..
دين التوكل لا التواكل..
وديننا دين الأمان لا دين الخوف والإرهاب..
قال الإمام محمد الغزالي في تحفته مائة سؤال عن الإسلام:
هل خلق الإنسان من روح وجسد شيء يعاب؟
كذلك يري بعض الناس! بل كذلك قال أعداء الأنبياء لهم وهم يرفضون رسالاتهم وينكرون حديثهم عن الله، مقترحين أن يكون الرسول ملكاً:
{وَقَالُوا: مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ
وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ
لَوْلَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرا}الفرقان7.
وكما استنكروا أن يكون المرسلون بشراً يأكلون، استنكروا عليهم الزواج، والنسل، ظانين أن الرغبة الجنسية تشين الإنسان الكبير، وعليه إذا أراد الكمال أن يكبتها.
وقد رد القرآن هذه المزاعم، وبين جل شأنه أن المصطفين الأخيار من عباده كانوا رجالاً ناضجي الغرائز:
{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِّن قَبْلِكَ
وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجاً وَذُرِّيَّةً}الرعد38.
ومع ذلك فإن بقايا من منطق الجاهلية القديمة لا تزال عالقة بأذهان الكثيرين ممن يحسبون السمو البشري لا يتم إلا بإعلان حرب مجنونة علي البدن توهي قواه وتدوخ غرائزه.
بل سري ذلك التفكير إلي بعض المذاهب الدينية، وأنبني عليه، إن التقوى في هذه الحياة تعني الرهبانية وأن السمو في الحياة الأخرى لا يتصور مع وجود هذا الجسد اللعين!!
وعليه بعد ذلك فلابد أن يكون النعيم الموعود روحانياً محضاً وكذلك العذاب المرصد للأشقياء!!
ولما كان الإسلام دين الفطرة السليمة، ولما كان لبابه احترام الحقيقة المجردة، فإنه رفض كل هاتيك المقدمات والنتائج، وأسس تكاليفه وأجزيته الدينية علي اعتبار أن الإنسان كائناً متميزاً يجمع بين جملة من المواهب والخصال المتلاقية في شخصيته، بها جميعاً يسمو أو يهبط وبها جميعاً يثاب أو يعاقب.
أو كما قال الأستاذ العقاد: ليس ما يدين به المسلم أن يرتد النوع الإنساني إلي ما دون طبيعته، ولكن مما يؤمن به أن ارتفاع الإنسان وهبوطه منوطان بالتكليف، وقوامه الحرية والتبعية فهو بأمانة التكليف قابل للصعود إلي قمة الخليقة، وهو بالتكليف قابل للهبوط إلي أسفل سافلين، وهذه الأمانة هي التي رفعته مقاماً فوق مقام الملائكة، أو هبطت به إلي زمرة الشياطين.
ليس الهبوط أن يشتهي الإنسان طعاماً أو امرأة. إنما الهبوط أن يأكل المرء من سحت، أو يتصل بمن لا تحل له.
فإذا طعم من حلال، أو اتصل بأنثى لتكون زوجة يسكن إليها، ويتم بها وجوده معها فلا شيء في ذلك أبدا.
ولقد أخطأ كثير من المنتسبين إلي الدين في احتقارهم للبدن، وفهمهم أن التسامي لا يحصل إلا بسحقه، وفهمهم بعد ذلك أن الحياة الأخروية لا وجود للبدن فيها، وأن النعيم أو الجحيم معنويان، وحسب!!
وقد سري هذا الخطأ كلا أو جزءاً إلي بعض المتصوفة المسلمين، فاعتنقوه، وحسبوه دلالة ارتقاء، وتجرد، فظلموا بهذا المسلك دينهم، وأوقعوا خللاً سيئاً في موازين الجزاء كما أقامها الكتاب العزيز.
وقلدوا أتباع الديانات المنحرفة في الجور علي الطبيعة البشرية، وبذلك أفسحوا للمذاهب المادية طريق التقدم والسيادة.
بل بلغت المجازفة بهذا البعض أن حقروا عبادة الرغبة والرهبة، وأشاعوا أن من الهبوط أن تطيع الله طلباً لجنته، أو تدع عصيانه خوفاَ من ناره حتى توهم الناس أن الأمل في الجنة والخوف من النار ليس شأن العباد الصالحين!!
وهذا الضرب من التفكير لا يمكن وصفه بأنه تفكير إسلامي، إنه ضرب من الشرود والغرور تبدو تفاهته عندما نحتكم إلي العقل والنقل علي سواء.
قال رسول الله صلي الله عليه وسلم:
أيها الناس إن ربكم واحد
ألا لا فضل لعربي على عجمي، ولا لعجمي على عربي، ولا لأحمر على أسود ولا لأسود على أحمر إلا بالتقوى[ إن أكرمكم عند الله أتقاكم ] ألا هل بلغت؟
قالوا: بلى يا رسول الله
قال: فيبلغ الشاهد الغائب.
ولهذا فالإسلام أنصف الإنسانية جمعاء ذكرانهم وإناثهم .
ولا أعتقد أن هناك كتاب أرضي ولا سماوي بين النساء في الإسلام
قال أبو عمر: فالإسلام دين عالمي، وما هو عالمي لا يفرق بين الناس بجنسهم فلا فرق في الإسلام بين الذكر أو الأنثى:
{أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى بَعْضُكُم مِّن بَعْض}آل عمران195.
وقال تعالي: {وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتَ مِن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَـئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلاَ يُظْلَمُونَ نَقِيرا}النساء124.
وقال تعالي: {مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُون}النحل97.
وقال من خلق الذكر والأنثى:
{مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَمَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَاب}غافر40.
وديننا يحارب العنصرية
فلا يعرف الإسلام أبداً التفرقة بين الناس بلون بشرتهم كذلك
لأنه دين عالمي فهو لا يفرق بين أبيض ولا أسود، ولا أحمر ولا أصفر:
قال رسول الله صلي الله عليه وسلم:
انظر فإنك لست بخير من أحمر ولا أسود إلا أن تفضله بتقوى.
(خرجه السيوطي عن أبي ذر وصححه الألباني)
وقال صلوات ربي وسلامه عليه:
إن الله بعثني إلى كل أحمر وأسود.
(خرجه السيوطي عن علي وصححه الألباني)
وقال ابن مسعود لأخته: أنشدك الله ألا تنكحي إلا مسلما وإن كان أحمر روميا أو أسود حبشيا.
كذلك الإسلام دين عالمي لا يفرق بين الناس بجنسيتهم عربي ولا غربي ولا شرقي ولا جنوبي، ولكن يفرق ويميز بين الناس كلهم بمدي تقوي قلوبهم وصلاح أعمالهم فقط لا غير: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِير}الحجرات13.
يا صفحتيه سورة كاملة كبيرة اسمها النساء وفيها تشريع لكافة أحكام النساء وأحكام معاملة النساء كما في كتاب رب العالمين الذي قال لكافة الإنسانية في كل زمان ومكان من العام -الذي كلم الله تعالي فيه رسوله صلي الله عليه وسلم بالوحي، وإلي ما بعد أعوام الألفية الثالثة أو الرابعة أو الخامسة أو إلي ما شاء الله من زمن وأجل للبشرية جمعاء- قال لهم قوله الحق الذي لا حق غير ما أحقه ولا عدل إلا ما عدله ولا ظلم إلا ما جاء فيه أنه ظلم، ولا حلال إلا ما أحله، ولا حرام إلا ما حرمه، قال:
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ
اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ
وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا
وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء
وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ
إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً.
وَآتُواْ الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ وَلاَ تَتَبَدَّلُواْ الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوباً كَبِيراً.
وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي الْيَتَامَى فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُوا}1-3النساء.
فأمرنا الله تعالي نحن معشر الإنسانية أن نتقي ربنا الذي خلقنا من رجل واحد هو آدم ومن أدم الرجل خلق من ضلعه زوجه الأنثى الواحدة حواء،
استوصوا بالنساء خيرا فإن المرأة خلقت من ضلع ..الحديث
(خرجه السيوطي عن أبي هريرة وصححه الألباني)
ومن رجل واحد وأنثي واحدة خرجنا نحن جميعاً معشر الإنسانية.
وبعد أن ذكرنا ربنا بتلك الحقيقة من الحقائق الكونية التي لا ينكرها إلا مخذول أو مجنون، أمرنا أن نعطي أيتام الناس(ولا يتم إلا بعد حلم أو حيض أو كما قال رسولنا صلي الله عليه وسلم) حقوقهم التي بين أيدينا كلها كما كانت أمانة بين أيدينا أمنّا عليها ولي هؤلاء الأيتام الصغار(سواء أكان وليه أبوه أو أمه أو القاضي أو غيرهم)، وحذرنا من ضم أموالهم إلي أموالنا فنأكل بهذا عليهم حقوقهم التي ستضيع لو فرطنا فيها.
وبعد أن ذكرنا سبحانه وتعالي بتلك الحقيقة الأخلاقية الإنسانية التي لا ينكرها إلا جبان مخذول في الدنيا وفي الآخر من حيث وجوب عناية وصيانة حقوق الضعيف اليتيم الذي فقد وليه، بعد أن ذكرنا ربنا بهذا أمرنا أننا لو خفنا أن نعدل في اليتامى الكبار؛ وهم بنات الناس، وكل الناس لابد وأنهم ميتون، ولهذا لابد وأنهن كلهن يتامى فهذا يتم اعتباري لا يتم طبيعي كما كان في الآية السابقة لها.
أمرنا سبحانه وتعالي أن نتقي الله ونخافه في بنات الناس، فلا نعتدي عليهن بما يخدش شرفهن أو حيائهن(حتى لو كان بعضهن بلا شرف أو حياء) أمرنا سبحانه وتعالي أن لا نستحل شرفهن وحيائهن وحرمتهن بأن نعتدي عليهن بالأذى مهما كان دين هذه المرأة أو مذهبها -وأدخل في ذلك كل مسيحية أو يهودية أو حتى ملحدة-، فلا حق لك أيها المؤمن في استحلال فروجهن إلا بالزواج الشرعي الإسلامي الذي أحله الله له ورسوله صلي الله عليه وسلم، فلا تعتدي علي نساء الناس وتقول هذه كافرة أو بنت كفار، فربك الذي تعبد وله تسجد قد حرم كافة نساء الأرض عليك، وحذرك أن تعتدي علي حرمات الناس إلا بالحق، والحق الوحيد عند المسلمين هو الزواج الشرعي المتفق عليه عند أئمة المسلمين كلهم بلا نكير واحد، والذي أهم من شروطه وأركانه الرضا والقبول بين الرجل والمرأة، والمهر، والإشهاد.