الإعجاز العلمي في حديث الثلث
د. عبد الجواد الصاوي
روى الترمذي في صحيحه(1) عَنْ المِقْدَامِ بْنِ مَعْدِي كَرِبَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ـ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ يَقُولُ: مَا مَلأ آدَمِيٌّ وِعَاءً شَرٌّا مِن بَطْنٍ، بِحَسْبِ ابْنِ آدَمَ أُكُلاتٌ يُقِمْنَ صُلْبَهُ
فَإِنْ كَانَ لا مَحَالَةَ فَثُلُثٌ لِطَعَامِهِ وَثُلُثٌ لِشَرَابِهِ وَثُلُثٌ لِنَفَسِهِ قَالَ أَبو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ * كما رواه ابن ماجه في سننه(2) عن نفس الصحابي: الْمِقْدَامَ بْنِ مَعْدِي كَرِبَ قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ـ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ يَقُولُ: مَا مَلأ آدَمِيٌّ وِعَاءً شَرٌّا مِنْ بَطْنٍ حَسْبُ الآدَمِيِّ لُقَيْمَاتٌ يُقِمْنَ صُلْبَهُ فَإِنْ غَلَبَتِ الآدَمِيَّ نَفْسُهُ فَثُلُثٌ لِلطَّعَامِ وَثُلُثٌ لِلشَّرَابِ وَثُلُثٌ لِلنَّفَسِ * ورواه الإمام أحمد في مسنده عن نفس الصحابي أيضًا(3).
أشار النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في هذا الحديث إلى عدة حقائق، فقد شبه النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ المعدة (المشار إليها في الحديث بالبطن) بالوعاء. وأخبر النبي أن ملء هذا الوعاء بكثرة الأكل شر على الإنسان. ونصح بالاكتفاء من الطعام على قدر الاحتياج، وقسم النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ حجم المعدة إلى ثلاثة أقسام وأخبر أن أكبر كمية من الطعام والشراب يمكن أن يتناولها المرء عند الحاجة الملحّة هي مقدار ما يملأ ثلثي حجم المعدة. وأخبر ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن ترك ثلث حجم المعدة خاليًا من الطعام والشراب ضروري لنَفَس الإنسان. وقد أثبت العلم الحديث هذه الحقائق وأيدها، وتقسيم حجم المعدة إلى ثلاثة أثلاث: ثُلُثين للطعام والشراب، وثُلُثٌ للنَّفَس، لم يُذكر سُدًى في هذا الحديث بل لحكمة بالغة تجلت ووضحت في هذا الزمان، فإذا سأل سائل لماذا هذا التقسيم وتحديده بالثُّلُث؟ ثم كم مقدار هذا الثُّلُث؟ وما الذي يحدث إذا تجاوز المرء ولم يلتزم بهذا التوجيه النبوي؟ ـ أمكن إجابته على ضوء المعارف الطبية الحديثة، وفي هذا المقال سأحاول الإجابة على هذه الأسئلة وفق ما استقر من حقائق اكتشفت حديثًا في مجال علم التشريح ووظائف الأعضاء معتمدًا على الركائز التالية:
1 ـ شرح بعض علماء المسلمين للحديث.
2 ـ إيراد أبرز المعارف العلمية الحديثة المتعلقة بموضوعه.
3 ـ إبراز وجه الإعجاز العلمي في هذا الحديث العظيم.
أولاً: أقوال شُرّاح الحديث
1 ـ أضرار امتلاء المعدة:
لقد تعددت مظاهر استنباط العلماء للحِكَمِ الصحية في هذا الحديث، فقد أفرد ابن القيم في الطب النبوي فصلاً حول هديه ـ صلى الله عليه وسلم ـ في الاحتماء من التخم والزيادة في الأكل على قدر الحاجة، والقانون الذي ينبغي مراعاته في الأكل والشرب فقال(4): (والأمراض نوعان: أمراض مادية تكون عن زيادة مادة: أفرطت في البدن حتى أضرت بأفعاله الطبيعية، وهي الأمراض الأكثرية. وسببها: إدخال الطعام على البدن قبل هضم الأول، والزيادة في القدر الذي يحتاج إليه البدن، وتناول الأغذية القليلة النفع، البطيئة الهضم؛ والإكثار من الأغذية المختلفة التراكيب المتنوعة. فإذا ملأ الآدمي بطنه من هذه الأغذية، واعتاد ذلك ـ أورثته أمراضًا متنوعة، منها بطيء الزوال أو سريعه. فإذا توسط في الغذاء، وتناول منه قدر الحاجة، وكان معتدلاً في كميته وكيفيته كان انتفاع البدن به أكثر من انتفاعه بالغذاء الكثير.
فامتلاء البطن من الطعام مضر للقلب والبدن. هذا إذا كان دائمًا أو أكثريٌّا وأما إذا كان في الأحيان، فلا بأس به؛ فقد شرب أبو هريرة ـ رضي الله عنه ـ بحضرة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ من اللبن، حتى قال: (و الذي بعثك بالحق لا أجد له مسلكًا)؛ وأكل الصحابة بحضرته مرارًا حتى شبعوا. والشبع المفرط يضعف القوى والبدن، وإن أخصبه. وإنما يقوى البدن بحسب ما يقبل من الغذاء، لا بحسب كثرته).
وقال الإمام الحافظ شمس الدين الذهبي(5): (روي عن أنس ـ رضي الله عنه ـ عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: (أصل كل داء البردة)، وروي أيضًا عن ابن مسعود. والبردة: التخمة، لأنها تبرد حرارة الشهوة، فينبغي الاقتصار على الموافق الشهي بلا إكثار منه. قال النبي ـ صلى الله عليه وسلم: (ما ملأ ابن آدم وعاء شرٌّا من بطن، بحسب ابن آدم أُكُلات يقمن صلبه، فإن كان لا محالة، فثلث لطعامه، وثلث لشرابه، وثلث لنَفَسِه). وأُكُلات جمع أُكُلة، وهي اللقمة، وهذا باب من أبواب حفظ الصحة.
وقال عمر ـ رضي الله عنه: (إياكم والبطنة، فإنها مفسدة للجسم، مورثة للسقم، مكسلة عن الصلاة، وعليكم والقصد فإنه أصلح للجسد، وأبعد عن السرف، وإن الله تعالى ليبغض الحبر السمين) رواه أبو نعيم. واعلم أن الشبع بدعة ظهرت بعد القرن الأول، قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم: (المؤمن يأكل في معي واحد والكافر يأكل في سبعة أمعاء) (متفق عليه)، ولا تدخل الحكمة معدة ملئت طعامًا، فمن قل طعامه قل شربه، ومن قل شربه خف منامه، ومن خف منامه ظهرت بركة عمره، ومن امتلأ بطنه كثر شربه، ومن كثر شربه ثقل نومه، ومن ثقل نومه محقت بركة عمره، فإذا اكتفى بدون الشبع حَسُنَ- اغتذاء بدنه، وصلح حال نفسه وقلبه.
ومن تملى من الطعام ساء غذاء بدنه، وَأَشِرَت نَفْسُه وقسا قلبه، فإياكم وفضول المطعم فإنه يَسِمُ القلب بالقسوة، ويبطئ بالجوارح عن الطاعة، ويصم الأذن عن سماع الموعظة).
2 ـ المعدة: ثلاثة أقسام
قال ابن القيم: ومراتب الغذاء ثلاثة (أحدها): مرتبة الحاجة؛ (والثانية): مرتبة الكفاية؛ (والثالثة): مرتبة الفضلة. فأخبر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه يكفيه لقيمات يقمن صلبه، فلا تسقط قوته ولا تضعف معها؛ فإن تجاوزها: فليأكل في ثلث بطنه، ويدع الثلث الآخر للماء، والثالث للنفس.
وهذا من أنفع ما للبدن والقلب؛ فإن البطن إذا امتلأ من الطعام، ضاق عن الشراب. فإذا أورد عليه الشراب ضاق عن النفس، وعرض له الكرب والتعب، وصار محمله بمنزلة حامل الحمل الثقيل. هذا إلى ما يلزم ذلك من فساد القلب، وَكَلِّ الجوارح عن الطاعات، وتحركها في الشهوات التي يستلزمها الشبع(4).
وقال الحافظ ابن حجر(6): قال القرطبي في (شرح الأسماء): لو سمع بقراط بهذه القسمة لعجب من هذه الحكمة. وقال الغزالي قبله في (باب كسر الشهوتين) من (الإحياء): ذكر هذا الحديث لبعض الفلاسفة فقال: ما سمعت كلامًا في قلة الأكل أحكم من هذا. ولا شك في أن أثر الحكمة في الحديث المذكور واضح، وإنما خص الثلاثة بالذكر لأنها أسباب حياة الحيوان، ولأنه لا يدخل البطن سواها. وهل المراد بالثُّلُث التساوي على ظاهر الخبر، أو التقسيم إلى ثلاثة أقسام متقاربة؟ محل احتمال، والأول أولى.
ثانيًا: الطرح العلمي
المعدة: التركيب والوظيفة (11)
المعدة هي جزء متســع من القناة الهضمية وتقـع بين المريء والأمعــاء الدقيقــة ويقــع معظمها تحت الغشــاء المبطن للضلـوع، وتتمثل على ظاهر البطن في المنطقة الشراسيفية (Epigastric Region)، ومنطقة السرة ومنطقة الربع الأيسر الأعلى من البطن انظر الشكل (1) وتحيط بها من الداخل الأعضاء التالية:
شكل (1): يبين موقع المعدة على ظاهر البطن يمكن الضغط على الصورة لتكبيرها من الأمام: الفص الأيسر من الكبد وجدار البطن الأمامي. ومن الخلف: الجزء الباطني من الشريان الأورطي والبنكرياس والطحال والكلية اليسرى والغدة الكظرية.
ومن أعلى: الحجاب الحاجز والمريء والفص الأيسر من الكبد
ومن الأسفل: القولون المستعرض والأمعاء الدقيقة.
ومن الأسفل لليسار: الحجاب الحاجز والطحال.
ومن الأسفل لليمين: الكبد والاثنا عشر انظر الشكل (2)
شكل (2): أ،ب يبين المعدة والأعضاء المحيطة بها
وتتصل المعدة بالمريء عند الصمام الفؤادي Cardiac Sphincterوهذا يمنع رجوع الطعـــام إلى المــريء كما تتصـــل بالأمعاء الدقيقة عند صمـــام البواب والذي يقفل عندما تحتوي المعدة على الطعام، ويقسم علماء الطب المعدة إلى ثلاث مناطق:
قاع المعدة Fundus، وجسم المعدة، ومنطقة الغار البوابي Pyloric Antrum، انظر الشكل (3) وتصــــل للمعــــــدة الأعصاب الودية Sympathatic nervesمن الشبكة البطنية Coeliac Plexusوهي المسؤولة عندما تثار وقت الشدة في تثبيط حركة الأمعاء وتثبيط إفراز العصارة المعدية، بينما تصل إليها الأعصاب نظيرة الودية Parasympathatic nervesمن العصب المبهم Vagus nerveوهي المسؤولة عن تنشيط حركة الأمعاء وتنشيط إفراز العصارة المعدية، ويتجمع الطعام في المعدة في هيئة طبقات يبقى الجزء الأخير منه في قاع المعدة لبعض الوقت ثم يخلط بالعصارة المعدية بالتدريج كما يبقى لبعض الوقت أيضًا لإضافة العصارة الحمضية على الطعام لوقف عمل أنزيمات اللعاب Salivary Amylase
شكل (3) منظر داخلي للمعدة يبين أقسامها الثلاث وصماماته
شكل رقم(4) الغشاء المبطن للمعدة عندما تكون فارغة أضغط على الصور لتكبيرها
ويتركب جدار المعدة من ثلاث طبقات من العضلات: طبقة خارجية من ألياف عضلية طولية، وطبقة متوسطة من ألياف عضلية مستديرة، وطبقة داخلية من ألياف عضلية مائلة، وهذا التنظيم يسمح بالحركة الطاحنة المميزة لنشاط المعدة بالإضافة إلى حركتها الدودية، وتتقوى العضلات المستديرة في منطقة الغار البوابي والصمام البوابي؛ وذلك لإحكام إغلاق هذين الصمامين وقت الحاجة، أما الغشاء المبطن للمعدة فيكون في ثنيات طولية أو تجاعيد عندما تكون المعــدة فـارغة، وعند امتلائها تزول هذه التجاعيد وتصبح بطانة المعدة ذات ملمس مخملي، انظر الشكل (4)، وتحت هذا الغشاء توجد غدد عديدة لإفراز العصارة المعدية، وتفرز المعدة حوالي لترين من هذه العصارات في اليوم.
ويعتمد إفراغ المعدة على نوعية الطعام بداخلها؛ فوجبة الكربوهيــدرات تـترك المعــدة بعد 2 ـ 3 ساعات، بينما تتأخر وجبة البروتينات إلى فترة أطول، وأما وجبة الدهنيات فتمكث فترة أطول منهما.
الحجم الأقصـى للمعدة:
يختلف حجم المعدة بحسب كمية الطعام التي تحتويها. فحينما يدخل الطعام إلى المعدة نجدها تنتفخ تدريجيٌّا للخارج مستوعبة كميات أكبر وأكثر من الطعام ـ حيث تتمتع الألياف العضلية الملساء في المعدة بخاصية المرونة ـ حتى تصل إلى أقصى حد لها وهو حوالي لتر ونصف اللتر. ويظل الضغط داخل المعدة منخفضًا حتى تقترب من هذا الحجم(12) بناء على قانون لابلاس القائل بأنه كلما ازداد قطر الجسم كلما ازداد التقعر في جداره، فلا تسبب زيادة قطر المعدة ارتفاعًا في الضغط داخلها إلا بدرجات ضئيلة جدٌّا(13)، وبما أن حجم المعدة حوالي 1500 لتر يمكن تقسيم حجم المعدة إلى ثلاثة أقسام متساوية سعة كل قسم نصف لتر (500مل).
ثلث حجم المعدة الفارغ ضروري لِنَفَسِ الإنسان
هناك علاقة حيوية بين المعدة والتنفس حيث تكمن المعدة في الجزء العلوي من التجويف البطني تحت الحجاب الحاجز مباشرة وتستقبل الطعام بعد مضغه وبلعه ومروره بالمريء. وللمعدة قدرة كبيرة على تغيير حجمها، فهي تبدو صغيرة عندما تكون فارغة، وتتمدد كثيرًا بعد تناول وجبة كبيرة، وعندئذ يشعر الإنسان بعدم الراحة وصعوبة في التنفس، ويعني ذلك أن المعدة قد امتلأت أكثر من اللازم حتى أصبحت تشغل حيزًا يزيد عن المعتاد فضغطت على الحجاب الحاجز. فأوجد هذا صعوبة في تقلصه وإعاقته عن الحركة إلى أسفل بالقدر اللازم لحدوث تنفس عميق. أ.هـ (9).
دورة التنفس وعلاقتها بالمعدة(11)
تتكون دورة التنفس من الشهيق والزفير وفترة راحة بينهما، ويتسع القفص الصدري أثناء الشهيق نتيجة لنشاط عضلي ـ بعضه إرادي وبعضه غير إرادي ـ والعضلات الرئيسة التي تتحكم في التنفس الطبيعي الهادئ هي العضلات بين الأضلاع وعضلة الحجاب الحاجز، أما في التنفس الصعب أو العميق وهو تنفس طارئ فتتدخل فيه عضلات الرقبة والصدر والبطن.
ويشكل الحجاب الحاجز فاصلاً بين التجويف الصدري والبطني؛ فهو يمثل أرضية للتجويف الصدري وسقفًا للتجويف البطني، ويقع في مقابل الفقرة الصدرية الثامنة في حال ارتخائه، وعندما تنقبض عضلته يتسع التجويف الصدري في الطول وذلك لاتصالها بالضلع الأول الثابت في الصدر، وعندئذ يقع الحجاب الحاجز مقابل الفقرة الصدرية التاسعة، انظر شكل (5) كما يتسع التجويف الصدري من الجانبين والأمام والخلف بسبب انقباض العضلات بين الضلوع، وهذا الاتساع يؤدي إلى انخفاض الضغط داخل التجويف الصدري وارتفاعه داخل التجويف البطني، وعندما تزداد سعة القفص الصدري بواسطة هذه الانقباضات العضلية تتحرك الجنبة الجدارية Paraital Pleuraمع أسطح الصدر والحجاب الحاجز، وهذا يؤدي إلى خفض الضغط داخل التجويف البللوري فتتمدد الرئتان.
ويؤدي تمددهما إلى انخفاض الضغط داخل الحويصلات والممرات الهوائية فيندفع الهواء إليهما لكي يتعادل ضغط هواء الحويصلات الهوائية مع الضغط الجوي. وقد وجد أن انخفاض هذا الضغط 1سم/ماء. ورغم أنه انخفاض طفيف إلا أنه كاف ليحرك حوالي نصف لتر من الهواء إلى الرئتين في خلال ثانيتين وهي المدة اللازمة للشهيق(13). انظر شكل (6)، كما أن انخفاض هذا الضغط داخل التجويف الصدري يساعد في رجوع الدم الوريدي غير المؤكسد إلى القلب ويعرف بمضخة التنفس. Respiratory pumb
حجم هواء التنفس
تذكر المراجع الطبية الحديثة أنه مع كل شهيق وزفير في التنفس الطبيعي تدخل إلى الرئتين وتخرج منها حوالي500 ملليمتر من الهواء مع كل تنفس(11) وبما أن هذه الكمية تدخل وتخرج بانتظام كمد البحر فإنها لذلك تسمى الحجم المدي(Tidal Volum) وهو يقدر بجهاز خاص لقياس كمية الهواء المتبادل في عملية التنفس يسمى مقياس النفس( spirometer14).
الطعام وكيف يستفيد منه الجسم؟
يتكون الطعام الذي نأكله من البروتينات، والكربوهيدرات، والدهون، والفيتامينات مخلوطة بأثر بسيط من معادن الأرض، ولقد هيأها الله سبحانه في صور شتى، وألوان مختلفة، وطعوم جذابة، ليتناولها الإنسان بشغف.
ويستفيد الجسم من الطعام بتحوله إلى مكوناته الأولية وتحرر الطاقة الكامنة فيه بين جزئيات مواده وذراتها عبر عملية تسمى بالتمثيل الغذائي؛ والتي يمكن تلخيصها بعمليتي البناء والهدم. ففي عملية البناء تستخدم مكونات الغذاء المختلفة بعد تحللها بالعصارات الهضمية وامتصاصها في بناء الخلايا الجديدة، والمركبات الحيوية المختلفة، وفي عملية الهدم يقوم الجسم بحرق مكونات الطعام بخطوات دقيقة ومتدرجة حيث تؤكسد فيها: الكربوهيدرات، والبروتينات والدهون، منتجة ثاني أكسيد الكربون، والماء، والطاقة. ويستفيد الجسم من الطاقة التي حصل عليها في تشغيل أجهزته المختلفة، وفي الحركة، وفي إنتاج الحرارة اللازمة لحفظ درجة ثابتة لا تتغير، وما يزيد عن حاجته منها يخزن في مخازن خاصة تستجلب عند الحاجة إليها.
مصير الطاقة الفائضة
تفيض الطاقة عن حاجة الجسم الفعلية وتختزن في داخله، إما على هيئة مواد غذائية مكثفة تنطلق منها الطاقة الكامنة فيها عند أكسدتها، كالدهون المختزنة تحت سطح الجلد وداخل الجسم، والبروتينات المختزنة في العضلات وخلايا الأنسجة الأخرى، والجليكوجين المختزن في الكبد والعضلات، ويتم اختزان الطاقة على هذه الهيئة أثناء المرحلة المتوسطة من التمثيل الغذائي، حيث تكون المركبات الكيميائية الناتجة من السكريات والأحماض الأمينية والدهون متشابهة إلى حد بعيد, ويمكن عندئذ تحويل كل منها للآخر ومقادير هذه الطاقة المختزنة في الشخص البالغ الذي يزن 70 كجم تصل إلى 166 ألف كيلو كالوري تشكل الدهون فيها أعلى نسبة، وهذه الطاقات تكفي لحياة الإنسان من شهر إلى ثلاثة شهور لا يتناول فيها طعامًا قط.
العلاقة بين تمدد الرئتين والغشاء البلّوري المحيط بهما
شكل (5): يبين الجزء السفلي من الرئة الذي يتمدد فيسمح بدخول هواء الشهيق عندما يهبط الحجاب الحاجز أضغط على الصورة لتكبيرها
أو تختزن الطاقة في روابط كيميائية لبعض المركبات ذات القدرة على اختزان كميات هائلة منها في المرحلة الأخيرة من الهدم، حيث تتحول جميع المركبات الكيميائية إلى ثاني أكسيد الكربون وذرات الهيدروجين التي تتأكسد لتكون الماء، وتطلق الطاقة من هذه التفاعلات، ولا تستطيع الخلايا أن تستخدمها مباشرة، ولكنها تختزن في مركبات فوسفورية عالية الطــاقة، وخـــير مثــال لهذه المركبات هو مركب الأدينوزين ثلاثي الفوسفات (ATP)، والذي يعتبر المخزن الرئيس للطاقة في الجسم، حيث تختزن الطاقة في هذا المركب العجيب حسب عدد روابطه الفوسفاتية، فالرابطة الثلاثية تختزن كمية أكبر من الرابطة الثنائية، والثنائية أكبر من الأحادية، وتنطلق الطاقة منه على مراحل حسب رابطة الفوسفات أيضًا، فعندما تتحول إلى أدينوزين ثنائي الفوسفات (A D P) تنطلق منه الكمية الأولى، وتنطلق الكمية الثانية عندما يتحول إلي أدينوزين أحادي الفوسفات (A M P)، ثم يرجع المركب مرة أخرى إلى صورتيه ـ بعدما تحمل ذرات الأكسجين فيه مزيدًا من الإلكترونات ـ مختزنًا بذلك كميات هائلة من الطاقة أثناء عملية الهدم، ليمد بها العمليات الحيوية في خلايا الجسم أثناء مرحلة البناء، وهكذا دواليك.
يتبـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـع