كتب الحسن البصري إلى عمر بن عبد العزيز :أما بعد:
فإن الدنيا ظعن،وليست بدار إقامة وإنما أنزل آدم إليها عقوبة ،فاحذرها يا أمير المؤمنين ،فإن الزاد منها تركها ،والغنى منها فقرها ،لها في كل حين قتيل،تذل من أعزها ، وتفقر من جمعها ،هي كالسم يأكل من لايعرفه وهو حتفه،فكن كالمداوي جراحته يحتمي قليلاً مخافة مايكره طويلاً ،ويصبر على شدة الدواء مخافة طول البلاء،فاحذر هذه الدار الغرّارة ،الحياّلة المخادعة التي زينت بخدعها،وفتنت بغرورها ،وختلت بآمالها،وتشرلإت لخطابها فأصبحت كالعروس المجلّية فالعيون إليها ناظرة والقلوب عليها والهة والنفوس لها عاشقة،وهي لأزواجها كلهم قاتلة ،فلا الباقي بالماضي معتبر ،ولا الآخر على الأول مزدجر،ولا العارف بالله عزوجل حين أخبر عنها مدكر ،فعاشق لها فد ظفر منها بحاجته فاغتر وطغى ونسي المعاد ،فشغل فيها لبه حتى زالت عنها قدمه ،فعظمت ندامته وكثرت حسرته،فخرج بغير زاد وقدم على غير مهاد ،فاحذرها يا أمير المؤمنين ،وكن أسرّ ماتكون فيها،أحذر ماتكون لها،فإن صاحب الدنيا كلما اطمأن منها إلى سرور أشخصه إلى مكروه ،وقد وصل الرخاء منها بالبلاء ،وجعل البقاء فيها إلى فناء،فسرورها مشوب بالحزن ،لايرجع منها ماولّى فأدبر،ولا يدري ماهو آت فينتظر،أمانيها كاذبة ،وآمالها باطلة وصفوها كدر ،وعيشها نكد،وابن آدم فيها على خطر.