عرض مشاركة واحدة
  #33  
قديم 06-12-2007, 02:28 PM
الصورة الرمزية dodyhmn
dodyhmn dodyhmn غير متصل
عضو متميز
 
تاريخ التسجيل: Nov 2007
مكان الإقامة: الاسكندريه
الجنس :
المشاركات: 279
الدولة : Egypt
افتراضي

وكان سعد كثير البكاء من خشيةالله.
وكان اذا استمع للرسول يعظهم، ويخطبهم، فاضت عيناه من الدمع حتى تكاددموعه تملؤ حجره..
وكان رجلا أوتي نعمة التوفيقوالقبول..
ذات يوم والنبي جالس مع أصحابه، رنا بصره الى الأفق فياصغاء من يتلقى همسا وسرا.. ثم نظر في وجوه أصحابه وقال لهم:
" يطلع عليناالآن رجل من أهل الجنة"..
وأخذ الأصحاب يتلفتون صوب كل اتجاه يستشرفون هذاالسعيد الموفق المحظوظ..
وبعد حين قريب، طلع عليهم سعد بن أبيوقاص.
ولقد لاذ به فيما بعد عبد الله بن عمرو بن العاص سائلا اياه في الحاحأن يدله على ما يتقرّب الى الله من عمل وعبادة، جعله أهل لهذه المثوبة، وهذهالبشرى.. فقال له سعد:
"لا شيء أكثر مما نعمل جميعا ونعبد..
غير أنيلا أحمل لأحد من المسلمين ضغنا ولا سوءا".
هذا هو الأسد في براثنه،كما وصفه عبد الرحمن بن عوف..
وهذا هو الرجل الذي اختاره عمر ليوم القادسيةالعظيم..
كانت كل مزاياه تتألق أما بصيرة أمير المؤمنين وهو يختاره لأصعبمهمة تواجه الاسلام والمسلمين..
انه مستجاب الدعوة.. اذا سأل الله النصرأعطاه اياه..
زانه عفّ الطعمة.. عف اللسان.. عف الضمير..
وانه واحدمن أهل الجنة.. كما تنبأ له الرسول..
وانه الفارس يوم بدر. والفارس يومأحد.. والفارس في كل مشهد شهده مع رسول الله صلى الله عليه وسلم..
وأخرى، لاينساها عمر ولا يغفل عن أهميتها وقيمتها وقدرها بين لخصائص التي يجب أن تتوفر لكلمن يتصدى لعظائم الأمور، تلك هي صلابة الايمان..
ان عمر لا ينسى نبأسعد مع أمه يوم أسلم واتبع الرسول..
يومئذ أخفقت جميع محاولات رده وصده عنسبيل الله.. فلجأت أمه الى وسيلة لم يكن أحد يشك في أنها ستهزم روح سعد وترد عزمهالى وثنية أهله وذويه..
لقد أعلنت أمه صومها عن الطعام والشراب،حتى يعود سعد الى دين آبائه وقومه، ومضت في تصميم مستميت تواصل اضرابها عن الطعاموالسراب حتى أوشكت على الهلاك..
كل ذلك وسعد لا يبالي، ولا يبيع ايمانهودينه بشيء، حتى ولو يكون هذا الشيء حياةأمه..
وحين كانت تشرف على الموت،أخذه بعض أهله اليها ليلقي عليها نظرة وداع مؤملين أن يرق قلبه حين يراها في سكرةالموت..
وذهب سعد ورأى مشهد يذيب الصخر..
بيد أن ايمانهبالله ورسوله كان قد تفوّق على كل صخر، وعلى كل لاذ، فاقترب بوجهه من وجه أمه، وصاحبها لتسمعه:
" تعلمين والله يا أمّه.. لو كانت لك مائة نفس، فخرجت نفسا نفساما تركت ديني هذا لشيء..
فكلي ان شئت أو لا تأكلي"..!!
وعدلت أمه عنعزمهتا.. ونزل الوحي يحيي موقف سعد، ويؤيده فيقول:
) وان جاهداك على أن تشركبي ما ليس لك به علم فلا تطعهما(..
أليس هو الأسد في براثنهحقا..؟؟
اذن فليغرس أمير المؤمنين لواء القادسية في يمينه. وليرم بهالفرس المجتمعين في أكثر من مائةألف من المقاتلين المدربين. المدججين بأخطر ما كانتتعرفه الأرض يومئذ من عتاد وسلاح.. تقودهم أذكى عقول الحرب يومئذ، وأدهىدهاتها..
أجل الى هؤلاء في فيالقهم الرهيبة..خرج سعد في ثلاثين ألف مقاتل لاغير.. في أيديهم رماح.. ولكن في قلوبهم ارادة الدين الجديد بكل ما تمثله من ايمانوعنفوان، وشوق نادر وباهر الى الموت و الى الشهادة..!!
والتقىالجمعان.
ولكن لا.. لم يلتق الجمعان بعد..
وأن سعدا هناك ينتظر نصائحأمير المؤمنين عمر وتوجيهاته.. وها هو ذا كتاب عمر اليه يأمره فيه بالمبادرة الىالقادسية، فانها باب فارس ويلقي على قلبه كلمات نور وهدى:
" يا سعد بنوهيب..
لا يغرّنّك من الله، أن قيل: خال رسول الله وصاحبه، فان الله ليسبينه وبين أحد نسب الا بطاعته.. والناس شريفهم ووضيعهم في ذات الله سوء.. اللهربهم، وهم عباده.. يتفاضلون بالعافية، ويدركون ما عند الله بالطاعة. فانظر الأمرالذي رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم منذ بعث الى أن فارقنا عليه، فالزمه، فانهالأمر."
ثم يقول له:
" اكتب اليّ بجميع أحوالكم.. وكيفتنزلون..؟
وأين يكون عدوّكم منكم..
واجعلني بكتبك اليّ كأني أنظراليكم"..!!
ويكتب سعد الى أمير المؤمنين فيصف له كل شيء حتى انهليكاد يحدد له موقف كل جندي ومكانه.
وينزل سعد القادسية، ويتجمّع الفرس جيشاوشعبا، كما لم يتجمعوا من قبل، ويتولى قيادة الفرس أشهر وأخطر قوّادهم "رستم"..
ويكتب سعد الى عمر، فيكتب اليه أمير المؤمنين:

" لايكربنّك ما تسمع منهم، ولا ما يأتونك به، واستعن بالله، وتوكل عليه، وابعث اليهرجالا من أهل لنظر والرأي والجلد، يدعونه الى الله.. واكتب اليّ في كليوم.."
ويعود سعد فيكتب لأمير المؤمنين قائلا:

"ان رستم قد عسكر بساباط وجرّ الخيول والفيلة وزحف علينا".
ويجيبه عمر مطمئنامشيرا..
ان سعد الفارس الذكي المقدام، خال رسول الله، والسابق الى الاسلام،بطل المعارك والغزوات، والذي لا ينبو له سيف، ولا يزيغ منه رمح.. يقف على رأس جيشهفي احدى معارك التاريخ الكبرى، ويقف وكأنه جندي عادي.. لا غرور القوة، ولا صلفالزعامة، يحملانه على الركون المفرط لثقته بنفسه.. بل هو يلجأ الى أمير المؤمنين فيالمدينة وبينهما أبعاد وأبعاد، فيرسل له كل يوم كتابا، ويتبادل معه والمعركة الكبرىعلى وشك النشوب، المشورة والرأي...
ذلك أن سعدا يعلم أن عمر فيالمدينة لا يفتي وحده، ولا يقرر وحجه.. بل يستشير الذين حوله من المسلمين ومن خيارأصحاب رسول الله.. وسعد لا يريد برغم كل ظروف الحرب، أن يحرم نفسه، ولا أن يحرمجيشه، من بركة الشورى وجدواها، لا سيّما حين يكون بين أقطابها عمر الملهمالعظيم..
**
وينفذ سعد وصية عمر، فيرسل الىرستم قائد الفرس نفرا من صحابه يدعونه الى الله والى الاسلام..
ويطول الحواربينهم وبين قائد الفرس، وأخيرا ينهون الحديث معه اذ يقول قائلهم:
" ان اللهاختارنا ليخرج بنا من يشاء من خلقه من الوثنية الى التوحيد... ومن ضيق الدنيا الىسعتها، ومن جور الحكام الى عدل الاسلام..
فمن قبل ذلك منا، قبلنا منه،ورجعنا عنه، ومن قاتلنا قاتلناه حتى نفضي الى وعد الله.."
ويسأل رستم: وماوعد الله الذي وعدكم اياه..؟؟
فيجيبه الصحابي:
" الجنة لشهدائنا،والظفر لأحيائنا".
ويعود لبوفد الى قائد المسلمين سعد، ليخبروه أنهاالحرب..
وتمتلىء عينا سعد بالدموع..
لقد كان يود لو تأخرتالمعركة قليلا، أو تقدمت قليلا.. فيومئذ كان مرضه قد اشتد عليه وثقلت وطأته.. وملأتالدمامل جسده حتى ما كان يستطيع أن يجلس، فضلا أن يعلو صهوة جواده ويخوض عليه معركةبالغة الضراوة والقسوة..!!
فلو أن المعركة جاءت قبل أن يمرض ويسقم، أولوأنهااستأخرت حتى يبل ويشفى، اذن لأبلى فيها بلاءه العظيم.. أما الآن.. ولكن، لا، فرسولالله صلى الله عليه وسلم علمهم ألا يقول أحدهم: لو. لأن لو هذه تعني العجز، والمؤمنالقوي لا يعدم الحيلة، ولا يعجز أبدا..
عنئذ هب الأسد في براثنهووقف في جيشه خطيبا، مستهلا خطابه بالآية الكريمة:

)بسم الله الرحمنالرحيم..
ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عباديالصالحون(..
وبعد فراغه من خطبته، صلى بالجيش صلاة الظهر، ثم استقبل جنودهمكبّرا أربعا: الله أكبر.. الله أكبر.. الله أكبر.. الله أكبر..
ودوّى الكنوأوّب مع المكبرين، ومد ذراعه كالسهم النافذ مشيرا الى العدو، وصاح في جنوده: هياعلى بركة الله..
وصعد وهو متحاملا على نفسه وآلامه الى شرفة الدارالتي كان ينزل بها ويتخذها مركزا لقيادته..وفي الشرفة جلس متكئا على صدره فوقوسادة. باب داره مفتوح.. وأقل هجوم من الفرس على الدار يسقطه في أيديهم حيا أوميتا.. ولكنه لا يرهب ولا يخاف..
دمامله تنبح وتنزف، ولكنه عنها في شغل، فهومن الشرفة يكبر ويصيح.. ويصدر أوامره لهؤلاء: أن تقدّموا صوب الميمنة.. ولألئك: أنسدوا ثغرات الميسرة.. أمامك يا مغيرة.. وراءهم يا جرير.. اضرب يا نعمان.. اهجم ياأشعث.. وأنت يا قعقاع.. تقدموا يا أصحاب محمد..!!
وكان صوته المفعم بقوةالعزم والأمل، يجعل من كل جندي فردا، جيشا بأسره..
وتهاوى جنود الفرسكالذباب المترنّح.ز وتهاوت معهم الوثنية وعبادة النار..!!
وطارت فلولهمالمهزومة بعد أن رأوا مصرع قائدهم وخيرة جنودهم، وطاردهم كالجيش المسلم عتىنهاوند.. ثم المدائن فدخلوها ليحملوا ايوان كسرى وتاجه، غنيمةوفيئا..!!
رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 26.29 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 25.66 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.40%)]