علمتني غربتي أنْ لا أخاصم أحداً مهما حصل، وأن لا أنام ليلة إلا وأنا على يقين بأنْ ليس هناك شخص غاضب مني أو مستاء، فمهما كان الشخص أمامك سيئ الطباع، حاول أن تعينه على إيجاد طريق الصواب، فنحن في نهاية المطاف دعاة لله، ومن خالط الناس وصبر على أذاهم خير ممن لم يفعل، فحاول جهدك أن تتقرّب من هذا الشخص، دعه يحبك حتى يتأثر بك، فالمرء لا يتأثر إلا بمن أحب، واجعل افعالك وأعمالك هي القوة الدافعة في إصلاحه، ولا تُكثر عتابه وإظهاره بمظهر المذنب وإظهار نفسك بمظهر الشيخ الجليل الذي ملأ بحور الأرض تقوى، فإنّ معظم الناس، إن لم يكن كلهم، ينفرون من هكذا شخصية، بل ويصرّون على المعصية ويجاهرون بها إذا رأوا هكذا إنساناً.
خالطه في حلّه وترحاله، واجعله يُعجب بأخلاقك، سيكون الأمر صعباً عليك ولكنْ لك الأجر إن شاء الله، فإن انصلح حاله كان خير صديق لك وعوناً في كل حين.
وإنْ أيقنت أنْ لا جدوى من هذا الشخص العاصي، وأنه مصرٌّ على الإساءة، فحاول أن تتجنّبه وتبتعد عنه دون أن تظهر له ذلك، وإياك أن تخاصمه، فقد يكون محبوباً في وسط يعجّ بالمسيئين أمثاله، فينقلب الجميع ضدّك، ينهشون لحمك ولا يتركون كلمة سيئة إلا ونعتوك بها.
أبقِ على علاقة سطحية لك به، لا من باب ضعفك، فأنت بقوة إيمانك أقوى منهم جميعاً، ولكنّ الإنسان بطبيعة الحال يستاء إذا علم أنّ أحدهم أو بعضهم مستاء منه وإنْ كان واثقاً بأنه على صواب وأنهم مخطئون، وهكذا شعور قد يؤثّر في الإنسان سلباً ويعيقه في شتى مجالات حياته، فيبقى دائما يفكر في سبيل إرضاء الناس من حوله، لأنه طيّب لا يقوى على إيذاء الآخرين، وأنّى لك أيها الإنسان أن ترضيَ الجميع، تالله ما قدرت ولو حرصت...