
27-09-2007, 03:50 PM
|
|
عضو مشارك
|
|
تاريخ التسجيل: Aug 2007
مكان الإقامة: القاهرة
الجنس :
المشاركات: 33
|
|
وظائف العشر الأواخر من رمضان - الجزء الثاني
وذُكر عن السلف أنهم كانوا يتزينون في هذه الليالي، يعني بعد أنهم يقومون ليلهم ويوقظون أهلهم ويجدون، ويشدون المئزر، ويتفرغون وقوفا وقياما ليلهم ونهارهم لله تعالى، ينتظرون هذه الجائزة، يرفعون أيديهم إلى الله تعالى ألا يخيبهم، وأن يعطيهم، وأن يحسن إليهم، مع ذلك كله كانوا يتزينون لهذه الليالي التي يرجى فيها ليلة القدر يتزينون في ظاهرهم , والزينة الباطنة هي الأهم، كان من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم من يكون له حلة جديدة، كان تميم رضي الله عنه له حلة جديدة يلبسها ليلة القدر، ثم يطويها إلى العام القادم، يتهيأ فيها لملاقاة الله تعالى والدخول على الرب جل وعلا، ويتزين به لينظر هذه الجائزة من الله جل وعلا.
وهذه الزينة الظاهرة مما ينبغي أن يحرص عليه الناس من أن يغـتسلوا في ليالي الوتر التي تتأكد فيها ليلة القدر، وأن يتزينوا فيها، وأن يزينوا مساجدهم، ينتظرون بهذه الزينة الظاهرة دخولهم على ربهم سبحانه، مع علمهم أنه لا تنفع هذه الزينة الظاهرة إلا بأن تتم بالزينة الباطنة، يعني بإصلاح القلب والتوبة إلى الله تعالى، والخروج من المظالم والآثام والمعاصي، والعزم على ألا يعود لذنب أبدا، ويستغفر الله تعالى على ما كان، ويصلح بينه وبين ربه، وبينه وبين الناس، يرجو بهذه الزينة الباطنة أن يدخل على الله، إذ ما قيمة أن يكون شكله في الخارج مزينا هذه الزينة وباطنه على هذا السوء من هذه الأخلاق السيئة، والتكاسل عن الله تعالى وطول الأمد، ومن الحقد والحسد والغل، ومن القطيعة والبغضاء والشحناء، ومن الغفلة عن الله جل وعلا وعدم الاستعداد للقائه، فأنى يحصل جائزة الرب: « مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ» ([7]) لم يكن الله تعالى ليمنعه طعامه وشرابه المباح ليثيبه عليه، ثم يلابس هو الحرام.
والأمر التالي أن النبي صلى الله عليه وسلم في درجته العالية كان يواصل هذه الأيام، فقد ورد الحديث بقوله: «إنك تواصل»، والحديث يبين أنه صلى الله عليه وسلم كان يواصل أيامه الأخيرة بالذات يعني كان يواصل ليله بنهاره لا يُفْطِر صلى الله عليه وسلم ، توفيرًا للوقت والجهد، وتفريغا للقلب والبال والهم، لِأَن يقبل على ربه سبحانه وتعالى، وما كان يأتيه من ربه من الفتوحات الإلهية والسعادات الربانية التي تنزل عليه بمعرفة ربه ومحبته والإقبال عليه والطمأنينة لذكره، كانت هذه غذاءه كما ذكر من ذكر في ذلك، لذلك كان يقول: «لَسْتُ كَهَيْئَتِكُمْ , أَبِيتُ يُطْعِمُنِي رَبِّي وَيَسْقِينِي» ([8]) والمراد : أنه لا يطعمه طعامًا وشرابًا , وإلا لم يكن مواصلاً ولا صائمًا صلى الله عليه وسلم، وإنما كان ما يهل عليه من فتوحات الرب سبحانه وتعالى ومن ذكره ومن الإنس به والإقبال عليه، وتلك النفحات العظيمة نفحات الله جل وعلا.
لذلك كان يواصل، وواصل أصحابه رضي الله عنهم، كما كان هو يواصل صلى الله عليه وسلم ليقتدوا به في ذلك، وليتفرغوا لعبادة الله تعالى، ويشغلوا همهم وبالهم بالإقبال على ربهم ينتظرون جائزته، ويلتمسون تلك الليلة ليلة القدر صادفوها، نهاهم عن الوصال صلى الله عليه وسلم وقال: «مَنْ كَانَ مُوَاصِلًا فَلْيُوَاصِلْ إِلَى السَّحَرِ » ([9]) وجعلوا فيها أكلة واحدة في السحر إفطارًا وسحورًا، ويفرغون الوقت كله لله تعالى .. للأنس به .. لاستغفاره ... للبحث في أعمالهم وأقوالهم .... لتحسين معاملاتهم مع ربهم ... لمحاسبتهم لأنفسهم .... إلى غير ذلك مما يكون سببًا للتأهل للفوز بجائزة الرب، ويكون كذلك سببًا لتحصيل ليلة القدر.
انظر إلى تصميمهم على المواصلة حتى واصل بهم صلى الله عليه وسلم يومًا ويومًا حتى ظهر الهلال, فدل ذلك على أنه كان يواصل عندما تدخل هذه الأيام الأخيرة قرب تعرض المرء للرحمة والعتق من النار، يواصل ليله ونهاره لا يأكل ولا يشرب ، يفرغ وقته وجهده للصلاة والعبادة والقيام, ليكون أدعى إلى أن يراه الله تبارك وتعالى على هذه الحالة، حتى إذا خرج إلى صلاة العيد أفطر على هذه التمرات التي رأيناها من سنته صلى الله عليه وسلم.
فهذا كان اعتكافهم وهوعلى خلاف ما نحن فيه من رؤية هؤلاء المعتكفين الذين كل همهم الاستئناس بالناس والكلام وتضيع الوقت والتأخر عن الصلاة، ويأكل ويشرب شيئًا، كذا وكذا، حتى تفوته الركعات الطويلة ، ثم ينام بعد ذلك كأنه قد جاهد وقتل نفسه وفعل ما لم يفعله الأولون والآخرون!
فلم تأت هذه العشر ليقول صلى الله عليه وسلم: نريد أن ننام قليلا، نريد أن نستريح قليلا ! إنما كانت راحته وسعادته في أن يكون قائما لربه، كما ذكر تعالى:{وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَقِيَاماً }[ الفرقان: 64]، وكما قال هو صلى الله عليه وسلم : «وَجُعِلَتْ قُرَّة عَيْنِي فِي الصَّلاةِ » ([10]) لا يكون قرير العين ولا يكون سعيدا، ولا يكون أبدا مسرورا إلا في هذه الصلاة التي يتكاسل عنها الناس، والتي يودون أن يتخففوا منها بألا يقوموا فيها!
والحالة التالية التي كانوا عليها: أنهم كانوا في نهاية أعمالهم يزداد اجتهادهم ويزداد سعيهم ويواصلون ليلهم ونهارهم, لقرب ظهور النتيجة، حتى يكون ذلك سببًا لتحصيل جائزة الله حتى يكون سببًا لأن يختم لهم بالخاتمة الحسنة في هذه الأعمال, ها قد أوشكت النتيجة أن تظهر، ومن الذي يقال له نعم هذا من الناجحين إن شاء الله تعالى أو هذا من أصحاب الدرجات العالية، أو أنه قد انتهى رمضان ولم يستشعر شيئًا من ذلك وأن النتيجة إنما هي الخيبة التي ينتظرها، فلا ينتظر درجة عالية، ولا ينتظر قبولاً فضلاً أن ينتظر الجائزة الكبرى من الله تعالى؛ لذلك كان يسيطر عليهم في نهاية الأيام عند قرب ظهور النتيجة الاجتهاد الزائد , على عكس المؤمنين اليوم , ما أن تقترب نهاية أعمال الطاعات حتى يصيبهم الكسل والفتور والإحباط ويميلون إلى الرجوع إلى سيرتهم الأولى.
والنقطة الثانية هي أنه إذا كانت خاتمة الأعمال لهم هو الاجتهاد وليس الملل والفتور والتردد وليس انفراط الحال؛ فإنه يوشك أن يكون بعد رمضان أحسن حالاً وأقرب إلى الله تعالى وأثبت على طريقه سبحانه وتعالى، أما أن تصل في نهاية العمل إلى الفتور وإلى الملل وإلى قلة الأعمال وأن تعود نفسك إلى ما كانت عليه من الكسل ومن التواني والدعة يوشك أن يزداد عليك ذلك بعد رمضان؛ فما أن ينتهي رمضان حتى تعود مرة أخرى إلى ترك القيام والصيام والذكر وقراءة القرآن , وهي الحالة السيئة التي تصيب المؤمنين بعد نهاية رمضان كأنهم لم يقوموا ولم يصوموا كأنهم لم يقبلوا على ربهم كأنهم لم يقرأوا قرآنه؛ فهذه الحالة تستوجب إذن من المؤمنين اليوم أن يواصلوا يومهم ونهارهم وليلهم على الاجتهاد الزائد صلاة وذكرًا وقرآنًا.
والنقطة التالية التى ينبغي أن تكون في محل نظر المؤمنين من هذه اللحظة أنهم ما كانوا يهتمون بشدة البذل في العمل والاجتهاد فيه قدر ما كانوا يهتمون بقبول هذه الأعمال، يعنى أنهم في أعمالهم كانوا يبذلون وقتهم وجهدهم ومالهم وأنفسهم، ثم يأتون في نهاية العمل يترقبون هل تقبل منهم أو لا، فالمرء اليوم بعد أن يبذل وقته في صيامه وقيامه وماله ونفسه وأن يجتهد الاجتهاد الزائد في كل الطاعات،
يقف منتظرًا هل قُبل بعد ذلك أو لا؟
فهذا بعد اجتهادهم الشديد -ليس بعد تفريطهم وتقصيرهم ونومهم وكسلهم- وإنما كان المعهود من أحوالهم المسارعة , كما بيَّن الله تعالى حالتهم أنهم يسارعون إلى الله تعالى في بذل المال والنفس وإذا لم يجدوا ما يبذلونه لله تعالى بكوا وفاضت أعينهم من الدمع حزنًا ألا يجدوا ما ينفقون، ثم وصف الله تعالى حالتهم في نهاية أعمالهم ؛ أول ما يسيطر عليهم ويقلقهم ويقض مضجعهم هل قبلت أعمالهم أو لا لذلك رأينا الله تعالى يذكر هذه الآية :{وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ }[ المؤمنون: 60] وتقول السيدة عائشة : يصومون ويصلون ويتصدقون وكذا وكذا من الأعمال الصالحة يعني ثم يخافون ألا يتقبل منهم ([11]) وهو تفسير قول الله تعالى: {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ }[ المائدة: 27], وقد فتح رمضان لتقوى الله تعالى, فمن الذي حصل هذه التقوى ليأتي في نهاية العمل ليقول قد تقبلت أعماله وانتظر جائزة الله تعالى؟
لذلك كان ابن عمر يقول: لو علمت أن الله تعالى تقبل مني مثقال ذرة من عمل أو درهمًا واحدًا صدقة ما كان غائب أحب إلي من الموت ([12]) فإن الله يقول: {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ } [ المائدة: 27] فإن قيل لم يبق له في الدنيا شيء، هو كان يعمل على سبيل المغفرة، وعلى سبيل العتق من النار، وعلى سبيل رحمة الله تعالى على سبيل أن يتقبل الله تعالى عمله ذلك، أن يتوب عليه فيخلصه من النار {فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ } [ آل عمران: 185] وها قد فاز فما البقاء في الدنيا؟
هو يعمل كل ذلك في الدنيا لهذه اللحظة {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ } [ المائدة: 27]...
فلذلك كانوا أشد اهتمامًا بقبول العمل بعد شدة العمل والاجتهاد فيه , وهذا الحال ينبغي أن يعتري المؤمنين اليوم أن ينظروا ماذا قدموا ليكون هذا العمل لائقا بالمغفرة ثم ينظرون في هذا العمل اللائق بالمغفرة هل قبل أو لا؟ كما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم : «خَابَ وَخَسِرَ مَنْ أَتَى عَلَيْهِ رَمَضَانُ فَلَمْ يُغْفَرْ لَهُ» ([13]) لم يقبل عمله، ورُدَّ هذا العمل ولم يكن سبب المغفرة.
([1]) رواه الطبراني في الكبير (1990) وأبو يعلى في مسنده (5789) وصححه ابن حبان في صحيحه (410) .
([2]) رواه البخاري (1904) كتاب الصوم ، باب هل يقول إني صائم إذا شتم ، ومسلم (1151) كتاب الصيام ، باب فضل الصيام .
([3]) رواه البخاري (2024) كتاب صلاة التراويح، باب العمل في العشر الأواخر من رمضان، ومسلم (1174) كتاب الاعتكاف، باب الاجتهاد في العشر الأواخر من شهر رمضان.
([4]) رواه البخاري (4837) كتاب تفسير القرآن، باب ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر.
([5]) رواه البخاري (1901) كتاب الصوم ، باب من صام رمضان إيمانا واحتسابا ، ومسلم (760) كتاب صلاة المسافرين ، باب الترغيب في قيام رمضان وهو التراويح .
([6]) رواه البخاري (2024) كتاب صلاة التراويح، باب العمل في العشر الأواخر من رمضان، ومسلم (1174) كتاب الاعتكاف، باب الاجتهاد في العشر الأواخر من شهر رمضان.
([7]) رواه البخاري (1903) كتاب الصوم ، باب من لم يدع قول الزور والعمل به في الصوم .
([8]) رواه البخاري (1964) كتاب الصوم، باب الوصال ومن قال ليس في الليل صيام، ومسلم (1105) كتاب الصيام، باب النهي عن الوصال في الصوم.
([9]) رواه البخاري (1963) كتاب الصوم، باب الوصال ومن قال ليس في الليل صيام.
([10]) رواه الإمام أحمد في مسنده (13623) والنسائي (3940) وحسنه ابن حجر في فتح الباري (11/353) وصححه ابن القيم في زاد المعاد (1/45).
([11]) رواه الإمام الترمذي في سننه (3175) في كتاب التفسير ، وابن ماجه في سننه (4198) في كتاب الزهد ، وصححه الإمام ابن العربي في عارضة الأحوذي (6/258) وصححه الشيخ الألباني في صحيح الترمذي (3175).
([12]) أورد هذا الأثر عن ابن عمر الحافظ في فتح الباري وأقره .
([13]) رواه الطبراني في الكبير (1990) وأبو يعلى في مسنده (5789) وصححه ابن حبان في صحيحه (410) .
________________________________________________________
روابط ذات صلة : __________________________________________________ __________________________________________________ ____________ تنبيه هام : هذه المقالات استخرجها محررو الموقع -بحسب ما أدى إليه فهمهم واجتهادهم - من كتابي فضيلة الشيخ حفظه الله تعالى "حال المؤمنين في شعبان " , وحال المؤمنين في رمضان , وقد تم التصرف فيها كثيرا لتبسيطها وحتى يستفاد إخواننا من بعض الدرر الذي يحتويه هذان الكتابان , لذا فإن أي خطأ يتحمله المحررون وحدهم , وفضيلة الشيخ عافاه الله تعالى ليست له علاقة به , ولا تنس أخي الكريم أن الكتابين أصلهما تفريغ لخطب صوتية , لذا فإن أسلوب الاستطراد غالب عليه , والله الموفق ) انتهى النقل
|