
21-09-2007, 02:50 PM
|
 |
مشرفة ملتقى الأمومة والطفل
|
|
تاريخ التسجيل: Jun 2006
مكان الإقامة: الجزائر الحبيبة
الجنس :
المشاركات: 3,001
الدولة :
|
|
فوائد غض البصر
فوائد غض البصر
لغـض البصـر فـوائـد عظيمـة، ومنـافـع جمّـة، وثمـرات يانعـة، يقطفهـا المـرء في الدنيـا والآخـرة، مـن ذلك:
1- تخليص القلب من ألم الحسرة، فإن من أطلق نظره دامت حسرته؛ فأضرُّ شيء على القلب إرسال البصر، فإنه يريه ما يشتد طلبه ولا صبر له عنه، ولا وصول له إليه، وذلك غاية ألمه وعذابه، قال الأصمعي: رأيت جارية كأنها مهاةٌ، فجعلت أنظر إليها، وأملأ عيني من محاسنها، فقالت لي: يا هذا ما شأنُك؟ قلت: وما عليك من النظر؟ فأنشأت تقول:
وكنت متى أرسلت طرْفك رائدًا لقلبك يومًـا أتعبتك المناظـر
رأيت الذي لا كلّـه أنت قـادرٌ عليه ولا عن بعضه أنت صابر
والنظرة تفعل في القلب ما يفعل السهم في الرمية، فإن لم تقتله جرحته، وهي بمنزلة الشرارة من النار تُرمى في الحشيش اليابس، فإن لم تحرقه كله أحرقت بعضه، كما قيل:
كل الحوادث مبداها من النظـر ومُعظم النار من مستصغر الشرر
كم نظرة فتكت في قلب صاحبها فتك السهام بال قـوس ولا وتـر
والمرء ما دام ذا عين يقلّبُها في أعين الغيد موقوف على الخطـر
يَسُـرّ مقتله ما ضرّ مهجتـه لا مرحبًا بسرور عاد بالضـرر والناظر يرمي من نظره بسهام تُصوَّب إلى قلبه وهو لا يشعر، فهو إنما يرمي قلبه، ويطعن فؤاده، ويمزق أحشاءه.
متيـم يرعـى نجوم الدجـى يبكي عليه رحمةً عاذلُهْ
عيني أشاطت بدمي في الهوى فابكوا قتيلا بعضه قاتله
ويقـول آخـر:
وأنا الذي اجتلبت المنية طرفُه فمن المُطالب والقتيل القاتلُ؟
وقـال آخـر:
يا من يرى سُقمي يزيـ ـد وعلَّتي أعيت طبيبي
لا تعـجبـن فهكــذا تجني العيون على القلوب
2- إن غضّ البصر يورث نورًا للقلب، وانشراحًا للصدر، وجلاءً للبصيرة ووضوحًا في الرؤية، ويجعل الإنسان أكثر إيمانًا وأكثر يقينًا وأكثر استمتاعًا بالنظر الأجمل، والنور الأكمل؛ نور الله جل وعلا. ولحكمة معينة جاء بهد هذه الآيات قوله تعالى: ﴿ اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ﴾ ... [النور: 35 ]، فالله تعالى يجزي العبد على عمله بما هو من جنسه، فلما منع العبد نور بصره أن ينفُذ إلى ما لا يحل له، أطلق الله نور بصيرته، وفتح عليه باب العلم والمعرفة.
3- إن العين مرآة القلب، فإذا غض العبد بصره غض القلب شهوته وإرادته، وإذا أطلق العبد بصره أطلق القلب شهوته، إن النظرات كلما تواصلت وكثرت كانت كالماء يسقي الشجرة، فلا تزال تنمو حتى يفسد القلب ويُعرض عن الفكر فيما أمر به ربه، ويخرج بصاحبه إلى المحن، ويوقعه في الفتن. يقول الإمام أحمد - رحمه الله -: “ كم نظرة قد ألقت صاحبها في البلابل “.
4- أنه يورث صِحّة الفراسة، فإنها من النور وثمراته، وإذا استنار القلبُ صحّت الفراسةُ.
5- أنه يفتح له طرق العلم وأبوابه، ويسهّل عليه أسبابه، ولك بسبب نور القلب، فإنه إذا استنار ظهرت فيه حقائق المعلومات، وانكشفت له بسرعة، ونفذ من بعضها إلى بعض. ومن أرسل بصره تكدّر عليه لُبه وأظلم، وانسدّ عليه باب العلم وطُرُقه.
6- أنه يورث قوة القلب وثباته وشجاعته، فيجعل له سلطان البصيرة مع سلطان الحجة.
7- أنه يورث سرورًا وفرحًا، وانشراحًا أعظم من اللذة والسرور الحاصل بالنظرة، وذلك لقهره عدوّه بمخالفته ومخالفة نفسه وهواه، وأيضًا فإنه لما كفّ لذته وحبس شهوته لله، وفيها مسرّةُ نفسه الأمّارة بالسوء، أعاضه الله سبحانه مسرّةً ولذة أكمل منها، كما قال بعضهم: والله لَلَذَّةُ العفة أعظم من لذة الذنب، ولا ريب أن النفس إذا خالفت هواها أعقبها ذلك فرحًا وسرورًا ولذة أكمل من لذة موافقة الهوى.
8- أنه يسدّ عنه بابًا من أبواب جهنم، فإن النظر بابُ الشهوة الحاملة على مواقعة الفعل.
9- أنه يقوّي عقله ويزيده ويثبته، فإن إطلاق البصر وإرساله لا يحصل إلا من خِفّة العقل وطيشه وعدم ملاحظته للعواقب.
وأعقل الناس من لم يرتكب سببًا حتى يُفكّر ما تجني عواقبه
10- أنه يُخلّص القلب من سُكر الشهوة ورقدة الغفلة، فإن إطلاق البصر يُوجب استحكام الغفلة عن الله والدار الآخرة، ويوقع في سكرة العشق، كما قال الله تعالى: ﴿ لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ ﴾ ... [الحجر: 72 ].
11- أنه سبب لمرضاة الله تعالى ونيل كرامته، والفوز بجنته، والتلذذ برؤية أكمل مطلوب، وأجمل محبوب، وهو وجهه الكريم جل وعلا. يقول – صلى الله عليه وآله وسلم –: ( اضمنوا لي ستًا من أنفسكم أضمن لكم الجنة: اصدقوا إذا حدّثتم، وأوفوا إذا وعدتم، وأدَّوا إذا اؤتمنتم، واحفظوا فروجكم، وعضّوا أبصاركم، وكفوا أيديكم ). وقد وردت عدّة أحاديث في الأمر بغض البصر وبيان خطورته. ويقول ابن مسعود – رضي الله عنه –: “ حفظ البصر أشد من حفظ اللسان “. ويقول أحد العلماء: “ لا تتبع بصرك حُسن ردف المرأة، فإن النظر يجعل الشهوة في القلوب “. ويقول العقلاء: “ من سرّح ناظره خاطره، ومن كثرت لحظاته دامت حسراته، وضاعت عليه أوقاته، وفاضت عبراته “. إن غض البصر شيمة العقلاء، وديدن الشرفاء، ولذلك يقول عنترة وهو رجل جاهلي:
وأغض طرفي إن بدت لي جارتي حتى يواري جارتي مأواها
فأين كثير من المسلمين عن هذا الخلق الرفيع، والأدب الجميل:
يا وجه عنترة العبسي معذرة إني أراك كسيف البال مكتئبا
أراك تنكر قومًا كنت تعرفهم وتنكر الوجه والأخلاق والنسبا
كأنما لم تجد ما كنت تعهـده مـن غيرةٍ وحياءٍ يبلغ السحبا
ذاك امرؤ جاهليٌّ ما رأى خلقًا مـن النبي ولم يستنطق الكتبا
لكنه العـربي الشهم يمنعـه حياؤه من صفات تحرق الأدبا يقول بعض السلف: “ من حفظ بصره أورثه الله نوراً في بصيرته “..“. لا تعجب إذًا إن لم تجد للطاعة حلاوة، وللعبادة لذة، وللذكر نشوة، وللقلب بصيرة، وللنفس فرقانًا، فإن من أهم أسباب منع الأنس بذلك هو إطلاق البصر فيما يصرف عن الحبيب القريب، والسميع المجيب. فالنظرة الغاشمة سهم من سهام إبليس، والعين تزني وزناها النظر، ومتى أطلق البصر فقد حصل الخطر.
كم من إنسان تبدد قلبه، واحترق فؤاده، وتمزقت كبده، بسبب عينيه.
وهذه أبيات رائعة لأحد قتلى النظر، وضحايا البصر، يقول:
|