العفو دليل كرم النفس.
إن الذي يجود بالعفو عبدٌ كرمت عليه نفسه، وعلت همته وعظم حلمه وصبره، قال معاوية رضي الله عنه: .
"عليكم بالحلم والاحتمال حتى تمكنكم الفرصة، فإذا أمكنتكم فعليكم بالصفح والإفضال".
إن العفو هو خلق الأقوياء الذين إذا قدروا وأمكنهم الله ممن أساء إليهم عفوا.
قال الإمام البخاري رحمه الله: باب الانتصار من الظالم لقوله تعالى:.
{ وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ} ..قال إبراهيم النخعي: كانوا يكرهون أن يستذلوا فإذا قدروا عفوا.
العفو يورث صاحبه العزة.
ولأن بعض الناس قد يزهد في العفو لظنه أنه يورثه الذلة والمهانة فقد أتى النص القاطع يبين أن العفو يرفع صاحبه ويكون سبب عزته. عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:.
(ما نقصت صدقة من مال، وما زاد الله عبدًا بعفوٍ إلا عزًا، وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله" [رواه مسلم].
وأولى الناس بعفوك الضعفاء من الزوجات والأولاد والخدم ومن على شاكلتهم، ولهذا لما بيَّن الله أن من الأزواج والأولاد من يكون فتنة قال:.
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوّاً لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [التغابن:14].
فالإنسان من عادته أن يكون البادئ بالإحسان لزوجه وأولاده، فإذا وجد فيهم إساءة آلمته جدًّا فلربما اشتد غضبه وصعب عليه أن يعفو ويصفح لأنه يعتبر إساءة الأهل حينئذ نوعًا من الجحود ونكران الجميل، لهذا احتاج إلى توجيه إرشاد خاص إليه بأن يعفو ويصفح حتى يستحق من الله المغفرة والعفو والصفح.
قال أهل السيرة: قام خادم علي هارون الرشيد بماء حار يسكب عليه، فسقط الإبريق بالماء الحار علي رأس الخليفة أمير المؤمنين.. حاكم الدنيا!! فغضب الخليفة، والتفت إلي الخادم.
فقال الخادم ـ وكان ذكياً ـ والكاظمين الغيظ! ..قال الخليفة: كظمت غيظي.. ..قال: والعافين عن الناس!
قالت : عفوت عنك..قال : والله يحب المحسنين. . قال : اذهب فقد أعتقتك لوجه الله!!
لقد وصل الجيل المبارك إلي حد أن يقوم أحدهم وهو أبو ضمضم يصلي في الليل ثم يتوجه إلي الله ـ تعالي ـ بالدعاء قائلاً: اللهم إنه ليس لي مال أتصدق به في سبيلك، ولا جسم أجاهد به في ذاتك ، ولكني أتصدق بعرضي علي المسلمين.. اللهم من شتمني، أو سبني، أو ظلمني، أو اغتابني، فاجعلها له كفارة!!
الحسن البصري ـ رحمه الله ـ جاءه رجل فقال: يا أبا سعيد ، أغتابك فلان!، قال: تعال، فلما أتي إليه أعطاه طبقاً من رطب، وقال له اذهب إليه وقل له : أعطيتنا حسناتك، وأعطيناك رطباًً ! فذهب بالرطب إليه!
قال رجل لعمرو بن العاص: والله لا تفرغن لك! ..قال عمرو: إذن تقع في الشغل!
وهذا هو الحق ، فإن الذي يتفرغ لينال من الناس، ويشتم الناس، ويكيد للناس، هذا لا يكون فارغاً أبداً! وإنما يشغله الله بالناس! وهذا يضيع عمره في الترهات والتفاهات وما لا ينفع!
ويروي أهل الحديث أن عامر الشعبي وهو من علماء التابعين المشهورينـ قام أمامه رجل وقال له ك كذبت يا عامر!
فقال عامر: إن كنت صادقاً فغفر الله لي ، وإن كنت كاذباً فغفر الله لك!! ..فماذا قال الرجل بعدها يا تري؟ ..سكت !!
لأن من استطاع أن ينهي الخصام، وأن يجعل للصلح موضعاً، وألا يستعدي الناس خاصة أهل الفضل وأهل المنزلة
وأهل الصدارة والمكانة، كان محسناً علي نفسهن وعلي الإسلام ، وعلي المسلمين.
كانوا بشراً يتحركون في الأرض بدوافع البشر، ولكنها دوافع البشر في اصفي حالاتها وأعلاها...
إن في ديننا الإسلامي مساحة عظيمة للتسامح والغفران ، بل هي حاجة بشرية ملحة يؤمن بها العقلاء في كل مجتمع .
لقد بيّن ديننا الحنيف أن الإنسان خطاء لا محالة ، ولكن خيرهم من يرجع عن الخطأ ، وليس في هذا عيب ولا عار ، لأننا نؤمن جميعا بأننا غير معصومين وأننا عرضة لفرصة التسامح من الغير .
كما تحتاج التسامح في كثر من الأوقات أبذله لغيرك كي يعود إليك .
فصاحب أخاك، وتحمل منه الزلة، واغفر له العثرة، وتجاوز عن خطئه.
إننا نختلف عن سائر الأمم ولكن اجتمعنا علي عقيدة، وعلي مبدأ أتي به محمد صلي الله عليه وسلم وهو .
( لا إله إلا الله محمد رسول الله ).
فكلما حدثت جفوة، أو حصل هجر، عدنا إلي الدين، وتذكرنا أننا نصلي الصلوات الخمس، وأننا نتجه إلي قبلة واحدة، ونتبع رسولاً واحداً ونعبد رباً واحداً، ومعنا كتاب واحد، وسنة واحدة، فلله الحمد.
وفي سنن أبى داود بسند صحيح:
( من قال رضيت بالله رباً وبالإسلام ديناً، وبمحمد رسولاً، وجبت له الجنة ).
يا كريم العفو أعفو عنا.اللهم إنا نسألك العفو والعافية في الدين والدنيا والآخرة. اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك...أسأل الله لي ولكم التوفيق لما يحبه ويرضاه وأن يكون ما كتبته خالصًا لوجهه الكريم .استغفر الله العظيم التواب الرحيم لذنبي وللمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الاحياء منهم والاموات الى يوم الدين أمين .
يارب يارب يارب يارب .
لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين وآخر دعوانا أن الحمدلله رب العالين و صلي الله علي سيدنا محمد وعلي آله وصحبه وسلم تسليما ..
(من كلمات الشيخ عائض القرنى ...[ جسور المحبة ]..).
والسلام عليكم و رحمة الله و بركاته.