بسم الله الرحمن الرحيم

في مثل هذا اليوم من العام عام 1969م أقدمت يد الإجرام الصهيونية الآثمة على إحراق المسجد الأقصى.. وخلال هذه الفترة المتطاولة ما زال الأقصى المبارك منذ وقوع المدينة المقدسة في أيدي سلطات الاحتلال يتعرض لمحاولات مستمرة للمس بقدسيته ، واقتحامه ومحاصرته، ومنع المصلين من الوصول إليه.. ويوشك المخطط الصهيوني لتدمير أن يأتي عليه من القواعد.. وليس في ساحة المواجهة العملية غير صمود شعب الجبارين ينافحون عن الأقصى والمقدسات والأرض المباركة بإمكانات محدودة، وصدور عارية إلا من إيمان بالحق الأزلي لا حدود له، يؤجج روح المقاومة الفلسطينية الباسلة، ويجددها المجاهدون ورجال المقاومة ومن اختطوا درب التضحية والفداء لتقوى بنضالاتهم جبهة العمل السياسي الفلسطيني، وعسى أن يثيروا في أمتهم النخوة العربية، والحمية الإسلامية، لعمل قومي مشترك، وإرادة سياسية عربية موحدة، تنتظم فيها جهود وأعمال كل قطر في مشروع عربي يواجه المشروع الصهيوني.. أما وحال الأمة الذي يزداد سوءاً في ظل الأوضاع الراهنة للنظام العربي، فإن كل ما يُقدم من دعم ومساندة لنصرة القضية الفلسطينية يظل دون مستوى التأثير المطلوب لحسم الصراع العربي- الإسرائيلي، بل لم يحُل دون تفاقم الخطر الصهيوني وانتهاكاته الصارخة لحرمة الأقصى والمقدسات الإسلامية والمسيحية، وحرمة وحقوق الإنسان والأرض الفلسطينية المحتلة. فلقد تعرض المسجد الأقصى لأكثر من عدوان صهيوني عليه، وعلى المصلين فيه وعلى حرمه العام، وحائط البراق بهجمات اليهود شبه اليومية عليه وعلى من يدافع عنه أو يتعلق به أو يصلي فيه. فمنذ فترة سبقت قيام الكيان الصهيوني في عهد الانتداب البريطاني على فلسطين، والاعتداءات الصهيونية تمارس الإرهاب والمذابح الجماعية والتشريد، والاستحواذ على الأراضي، واتباع أبشع صور الهمجية والإجرام ضد شعبنا الفلسطيني والمقدسات الإسلامية والمسيحية... ففي صيف عام 1929م، ركز اليهود، في عهد الانتداب البريطاني، مجهودهم للاستيلاء على الحائط الغربي للمسجد الأقصى، وهو مكان البراق الشريف، ودعوا إلى التسليح والاعتماد على العنف والقوة لتحقيق أهدافهم بالاستيلاء على جدار البراق تمهيداً للاستيلاء على المسجد الأقصى ... وفي يوليو 1948م وجهت المدفعية اليهودية قذائفها صوب المسجد الأقصى المبارك، فأصابت إحدى هذه القذائف مسجد الصخرة، وقتل بعض المصلين. وفي حرب حزيران 1967م، اعتدى اليهود على المسجد الأقصى، واستباحوا قُدسيَّته، وقتلوا العديد من الأبرياء وأقاموا صلواتهم داخل الحرم، وأقام شبابهم وشباتهم حفلات رقص ماجنة!.. ثم تتابعت اعتداءاتهم بحجة الكشف عن التاريخ اليهودي وهيكل سليمان. فأخذت السلطات الصهيونية تقوم بالحفر في أماكن متعددة في الأحياء العربية المصادرة داخل السور والمناطق الملاصقة للحائطين الجنوبي والغربي للحرم الشريف، وتغلغلت إلى مسافة 230متراً أسفل الحرم وعقارات الوقف الإسلامي التابعة له وبعمق عشرة أمتار وعرض ستة أمتار، وترتب على هذه الحفريات تصدع الزاوية الغربية الفخرية ( مقر مفتي الشافعية )، ناهيكم عم تهديد سور الحرم ..
المسجد الأقصى
وفي 21/8/1969 وعند الساعة السادسة، وعشرين دقيقة صباحاً، أشعل شاب يهودي يدعى مايكل دنس وليم روهان النار في المسجد الأقصى، واستمر اشتعال النيران في المسجد حتى الساعة الثانية عشرة ظهراً، مما أدى إلى حرق وتدمير المقصورة الملكية بالمسجد، وحرق وإتلاف معظم خشب السقفالجنوبي منه، وحرق منبر نور الدين زنكي الذي وضعه صلاح الدين الأيوبي في موضعه.. وأوشكت أن تصل النار إلى قبته.لقد تم إحراق المسجد بطريقة لا يمكن للسلطات الصهيونية أن تكون بعيدة عنها، فقد قامت هذه السلطات بقطع المياه عن منطقة الحرم فور ظهور الحريق، وحاولت منع المواطنين العرب وسيارات الإطفاء التي هرعت من البلديات العربية من القيام بإطفائه، وكاد الحريق يأتي على قبةالمسجد المبارك لولا استماتة الفلسطينيين فقد اندفعوا عبر النطاق الذي ضربته قوات الشرطة الصهيونية ، وتمكنوا من إطفاء الحريق.وادعى العدو الصهيوني في البداية أنَّ تماساً كهربائياً كان السبب في الحريق. ولكن تقارير المهندسين العرب أوضحت بجلاء أن الحريق كان بفعل أيدٍ مجرمة مع سبق الإصرار والتصميم، الأمر الذي اضطر الحكومة الصهيونية إلى الإدعاء بأنها قبضت على الفاعل وهو شاب يهودي استرالي (دنيس) كان دخل فلسطين المحتلة قبل أربعة أشهر من وقوع الحريق، وأنها ستقدمه للمحاكمة. ولكن لم يمض وقت طويل حتى أعلنت أنَّ دنيس هذا شخص معتوه، وأطلقت سراحه. لقد كان يوم حريق الأقصى هو نفس يوم احتفال اليهود بذكرى تحطيم هيكلهم.
هدم المسجد الأقصى عبر الحفريات في عشر مراحل
المرحلةالأولى: بعد حرب يونيو 1967م مباشرة هدم المحتلون حي المغاربة نهائياً، وبدءوا بالحفر لسنة كاملة، وصل عمقها إلى 14 متراً.
المرحلة الثانية: استمرت عمليات الهدم في الأحياء الإسلامية مع إجلاء سكانها العرب، وأقيمت المعاهد والمدارس والاستراحات والفنادق وغيرها فوق أنقاض الأبنية العربية، وقد جرت الحفريات على امتداد 80 متراً حول السور، ومروراٍ حول الأبنية الإسلامية.
المرحلةالثالثة: بين عامي 70 و 1972م بدأ شق الأنفاق تحت أسوار المسجد الأقصى من جانبها الجنوبي والغربي، حيث نفذت إلى الأرضية الداخلية تحت ساحة المسجد.
المرحلةالرابعة: عام 1973م اقتربت الحفريات من الجدار الغربي للمسجد الأقصى، وتغلغلت مسافة طويلة تحته ووصلت أعماق الحفريات إلى أكثر من 13 متراً.
المرحلةالخامسة: عام 1974م توسعت الحفريات تحت الجدار الغربي.
المرحلةالسادسة: بين 75- 1976م توسعت الحفريات تحت الجدار الغربي، وأزال المحتلون مقبرة للمسلمين تضم رفات الصحابيين عبادة بن الصامت، وشداد بن أوس.
المرحلة السابعة: عام 1977م وصلت الحفريات إلى أسفل مسجد النساء داخل المسجد الأقصى، وتمت فيها موافقة لجنة وزارية إسرائيلية على مشروع يضم أقسام أخرى من الأراضي المجاورة للساحة، وهدم ما عليها بعمق 9 أمتار.
المرحلة الثامنة: عام 1979م بدأت حفريات جديدة تحت الجدار الغربي، قرب حائط البراق، وشُقَّ نفق واسع طويل تقرر الاستمرار فيه حتى يخترق المسجد الشريف من شرقه إلى غربه، وقد تم تحصين هذا النفق بالاسمنت المسلح، وأقيم فيه كنيس صغير يهودي، افتتحه رسمياً رئيس الدولة اليهودية ورئيس الوزراء، واتخذ معبداً مؤقتاً..
المرحلة التاسعة: خلال عام 1986م استمرت الحفريات من كل جانب، وتم جلاء أعداد كبيرة من سكان القدس القديمة، وأغلقت السلطات الصهيونية مشفى فلسطين داخل البلدة القديمة واغتصبت بيوتاً عربية كثيرة، وسكن أريل شارون في واحدة منها لتأكيد تهويد القدس.
المرحلة العاشرة: وفيها ازداد التوغل تحت أرضية ساحة المسجد وحوله، وتركزت الحفريات على الطبقات التحتية لتفريغها من التربة على اكتشاف الهيكل المزعوم ظاهراً من الأمر، وأماً في حقيقته فإنهم يعرضون بعملهم التخريبي هذا المسجد الأقصى للانهيار والدمار، وهم ماضون في مخططهم لا يحول بينهم وبين بلوغ منتهاه رادع ولا قرار دولي.وتعرض العرب للاعتداءات المباشرة على بيوتهم، وإخراجهم منها بالقوة لتقيم في بيوتهم عائلات يهودية.