سلسلة المورد العذب الزلال(3)الرسل هم الأدلاء على ا الله عزوجل
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه.
أما بعد:
قال الشيخ أحمد النجمي في كتابه المورد العذب الزلال ص(61):
خلق الله آدم في الجنة من قبضة قبضها من الأرض وخلق منه زوجه حواء، وأباح له الأكل من جميع أشجار الجنة إلا شجرة واحدة نهاه عنها وحذره من أكلها ولكن لم يكن عدوه إبليس ليتركه وقد لعن وطرد من الجنة بسببه فدلاه بغرور، وأقسم له إنه له لمن الناصحين وزعم أن من أكل من الشجرة التي نهاه عنها ربه يخلد فلا يموت ويكون ملكاً، فانساق بالطمع في الخلد وأكلا من تلك الشجرة هو وزوجته فبدت لهما سوآتهما، وعلما أنهما قد عصيا ربهما، فندما وتابا، فتاب الله عليهما، وأهبطهما إلى الأرض كما قد أهبط إبليس قبلهما ليتم الابتلاء على هذه الأرض بعد أن أراهما عداوة إبليس وحرصه على إهلاكهما حين قال {فبعزتك لأغوينهم أجمعين إلا عبادك منهم المخلصين}(1) قال تعالى {فأزلهما الشيطان عنها فأخرجهما مما كانا فيه، وقلنا اهبطوا بعضكم لبعض عدو ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلى حين، فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه إنه هو التواب الرحيم، قلنا اهبطوا منها جميعاً، فإما يأتينكم مني هدى فمن اتبع هداي فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون}(2).
وقال تعالى: {قال اهبطا منها جميعاً بعضكم لبعض عدو فإما يأتينكم مني هدى فمن تبع هداي فلا يضل ولا يشقى، ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكاً ونحشره يوم القيامة أعمى، قال رب لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيرا، قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى وكذلك نجزي من أسرف ولم يؤمن بآيات ربه ولعذاب الآخرة أشد وأبقى}(3).
قال ابن كثير في تفسير آيات البقرة: "يقول تعالى مخبراً عما أنذر به آدم وزوجته وإبليس حين أهبطهم من الجنة والمراد الذرية أنه سينزل الكتب ويبعث الأنبياء والرسل كما قال أبو العالية ((الهدى الأنبياء، والرسل والبينات البيان)) وقال مقاتل: ((الهدى: محمد صلى الله عليه وسلم))
وقال الحسن: ((الهدى: القرآن)) وهذان قولان صحيحان، وقول أبو العالية أعم.
{فمن اتبع هداي} أقبل على ما أنزلت به الكتب وأرسلت به الرسل {فلا خوف عليهم} فيما يستقبلونه من أمر الآخرة {ولا هم يحزنون} على ما فاتهم من أمور الدنيا كما قال في سورة طه {قال اهبطا منها جميعاً بعضكم لبعض عدو فإما يأتينكم مني هدى فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى}.
قال ابن عباس: "فلا يضل في الدنيا ولا يشقى في الآخرة {ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكاً ونحشره يوم القيامة أعمى} كما قال هاهنا {والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك اصحاب النار هم فيها خالدون} أي مخلدون فيها لا محيد لهم عنها ولا محيص"(4).
فإن قيل كيف جاء الخطاب في سورة البقرة اهبطوا وفي سورة طه بضمير التثنية اهبطا فالجواب الخطاب في سورة البقرة لآدم وحواء وإبليس وفي سورة طه لآدم وإبليس فقط.
وقال في ((صفوة الآثار والمفاهيم)) (5)معلقاً على هذه الآيات في سورة البقرة، {قلنا اهبطوا منها جميعاً فإما يأتينكم مني هدى فمن اتبع هداي فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون}
وأعظم الاعتبارات في هذه الدور هو أن الإنسان سيد هذه الأرض ومن أجله خلق الله كل شئ فيها وهو إذا أحسن التصرف في الخلافة الإلآهية باتباعه وحي الله فهو أعز وأكبر وأغلى عند الله من جميع الدنيا وما فيها وقيمته عند الله أعظم فلا يجوز له أن يستعبد نفسه ويستذلها لغاية مادية أو رغبة في شهوة حيوانية يخون بها عهد الله أولاً، وينزل بها إلى غاية السقوط وهو لا يشعر لما ران على قلبه من ظلمات المادة والشهوة والهوى فدوره في هذه الأرض دور القيادة والتوجيه التي يستلهم أنظمتها من السماء لا مصدر آخر في الأرض كما قال تعالى { فمن اتبع هداي فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون}"
وقال تعالى: {يا بني آدم إما يأتينكم رسل منكم يقصون عليكم آياتي فمن اتقى وأصلح فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون والذين كذبوا بآياتنا واستكبروا عنها أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون}(6).
فأخبر في هاتين الآيتين أنه سيرسل رسلاً من بني آدم وأن من آمن بهؤلاء الرسل نجا من العذاب ومن كذبهم واستكبر عن قبول ما جاءوا به فسيعذبه الله في نار جهنم يبقى فيها خالداً مخلداً، وفي كتاب الإمارة من صحيح مسلم عن زيد بن وهب عن عبدالرحمن بن عبدرب الكعبة قال دخلت المسجد فإذا عبدالله بن عمرو جالس في ظل الكعبة والناس مجتمعون عليه فجلست إليه فقال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فنزلنا منزلاً، فمنا من يصلح خباءه، ومنا من ينتضل، ومنا من هو في جشره، إذ نادى منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم:الصلاة جامعة فاجتمعنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال إنه لم يكن نبي قبلي إلا كان حقاً عليه أن يدل أمته على خير ما يعلمه لهم،وينذرهم شر ما يعلمه لهم، وإن أمتكم هذه جعلت عافيتها في أولها وسيصيب آخرها بلاء وأمور تنكرونها، وتجئ فتنة فيرقق بعضها بعضاً، وتجئ الفتنة فيقول المؤمن: هذه مهلكتي ثم تنكشف وتجئ الفتنة فيقول المؤمن هذه.. هذه، فمن أحب أن يزحزح عن النار ويدخل الجنة فلتأته منيته وهو يؤمن بالله واليوم الآخر وليأت إلى الناس الذي يحب أن يؤتى إليه، ومن بايع إماماً فأعطاه صفقة يده وثمرة قلبه فليطعه إن استطاع، فإن جاء آخر ينازعه فاضربوا عنق الآخر... الحديث).
والشاهد منه قوله (إنه لم يكن نبي قبلي إلا كان حقاً عليه أن يدل أمته على خير ما يعلمه لهم) (7) .
وفي كتاب الاعتصام من صحيح البخاري (كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى. قالوا: ومن يأبى يارسول الله؟ قال من أطاعني دخل الجنة، ومن عصاني فقد أبى).
وفي مستدرك للحاكم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً (لتدخلن الجنة إلا من أبى وشرد على الله كشراد البعير) (8) . وفيه أيضاً من حديث أبي أمامة رضي الله عنه بنحوه بلفظ كلكم يدخل الجنة إلا من شرد على الله شراد البعير على أهله) وسكت عنه الحاكم والذهبي إلا أن الحاكم اعتبره شاهداً للحديث قبله.
ولما كانت العقول قاصرة عن معرفة مصالحها الدنيوية والأخروية الحاضرة منها والمستقبلة وإن عرفت شيئاً من الأمور الحاضرة فهي لا تعرف عاقبته، ومعرفة ذلك إلى الله وحده، قال تعالى {وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئاً وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون}(9) والمهم أن العقول وإن زعمت أنها تعرف شيئاً من مصالحها الدنيوية فهي لا تعلم عاقبته، أما المصالح الأخروية والمتوقعة في الدنيا فهي لا تعلم عنها شيئاً لذلك فإن الله من رحمته بعباده أرسل رسلاً يرشدونهم إلى المصالح الحاضرة والمستقبلة في الدنيا وفي البرزخ وفي الآخرة وينذرونهم من العواقب الوخيمة والمضار الحاضرة والمستقبلة في الدنيا والبرزخ وفي الآخرة، فمن أطاع الرسل صلوات الله وسلامه عليهم أحرز مصالح الدنيا والآخرة ودفع عن نفسه مضار الدنيا والآخرة، قال تعالى: {والعصر إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر}.(10)
ـــــــــــــــــــــــــــ
(1) سورة ص . الآيات :82-83
(2) سورة البقرة . الآيات : 25ـ28.
(3) سورة طه . الآيات: 123 ـ 127.
(4) تفسير ابن كثير (1/82).
(5) للشيخ عبدالرحمن الدوسري (2/95).
(6) سورة الأعراف. الآيات 35_36
(7) صحيح مسلم كتاب الإمارة، باب رقم (10) الحديث رقم (1844).
(8) المستدرك كتاب الإيمان (ص 54).
(9) سورة البقرة . آية 216
(10) سورة العصر
نلتقى ثانيه ان شاءالله