تفاصيل مثيرة عن عمليات الثأر يرويها الأسير القسامي حسن سلامة في كتابه
من ملفات كتائب القسام
تفاصيل مثيرة عن عمليات الثأر يرويها الأسير القسامي حسن سلامة في كتابه
خاص بالمركز الفلسطيني للإعلام
عمليات الثأر
المقدس هي العمليات الاستشهادية التي نفذتها كتائب الشهيد عز الدين القسام الجناح العسكري لحماس في قلب الكيان الصهيوني في عام 69م ، ردا على اغتيال الشهيد المهندس يحيى عياش وكان المسئول عن هذه العمليات وأبرز المخططين لها الأسير البطل حسن سلامة، والذي يروي الكيفية والظروف التي أحاطت بتنفيذ هذه العمليات في كتاب "عمليات الثأر المقدس" وارتأى المركز الفلسطيني للإعلام أن ينشر حلقات مختصرة من هذا الكتاب الذي يصلح بحق مادة فيلمية سينمائية
الحلقتان الأولى والثانية
الحلقة الأولى
وضع غزة قبل استشهاد المهندس
خرجت من سجن السلطة في شهر 6/95 بعد اعتقال دام 6 شهور وقد تم اعتقالي من قبل وحدة الارتباط التي ألقت القبض عليّ بعد ان اجتزت الحدود المصرية الفلسطينية بالقرب من رفح عائدا الى فلسطين برفقة أحد الإخوة ولم نعرف سبب وجودنا في السجن ولا ما سيجري لنا، حيث لم نقدم لأي محكمة وكان وجودنا مرهونا بطبيعة العلاقة بين حماس والسلطة حتى منّ الله علينا بالخروج من السجن بعد أن نجانا الله من محكمة أمن الدولة التي عرضنا عليها وكان من المفروض أن يحكم علينا ثلاث سنوات لولا تدخل بعض الأشخاص وطرح خطورة انتهاج سياسة الحكم على من يعود الى فلسطين عبر الحدود المصرية لعدم تمكنه من العودة عبر الطرق الرسمية بسبب ملاحقة القوات الصهيونية لهم ومطلوب القبض عليهم لشروعهم في أعمال الجهاد والمقاومة.
بعد خروجنا من السجن كانت غزة بالنسبة لنا سجنا من الصعب التنقل او التحرك بسهولة فيه ، اضافة الى مراقبة السلطة لنا التي كانت تعد علينا انفاسنا وتحركاتنا ولا تتردد في القبض علينا بمجرد الشك او تقديم تقرير من احد عيونهم حتى لو كان هذا التبرير غير صحيح وكتب بدافع الكره والبغض وكان مباشرة يتم اعتقال المجاهدين والتحقيق معهم بصورة بشعة يفقد خلالها المحقق انسانيته.
وبعد ثبوت براءته يخرج من التحقيق ليلقى في الزنازين أو السجن فترة من الزمن قد تطول أو تقصر لا يعرف خلالها أي شيء، لا محام ولا أي شيء، والإفراج عنه مرهون بمزاج من اعتقله، وكثيرا ما تم محاصرة المطاردين من الكتائب في بيوتهم أو البيوت التي يختبئون بها من قبل أجهزة الأمن الفلسطينية، وكانت تصل بهم الأمور الى إشهار السلاح والاشتباك وإطلاق النار على المجاهدين، وقد أصيب الكثير برصاصهم وقتل آخرون مطلوبون في حوادث معروفة ومشهورة، كل ذلك لأنهم مطلوبون لليهود ولا يريدون تسليم أنفسهم لهم.
كانت غزة فعلا سجنا حقيقيا بجدارين، الجدار الأول تحيط به القوات الصهيونية، والجدار الثاني تحيط به الأجهزة الأمنية الفلسطينية التي لا تتورع عن فعل أي شيء في سبيل المحافظة على ما يسمى بعملية السلام. أما من ناحية العمل فقد كان من الصعب القيام بأي عمل جهادي في غزة بسبب الأسباب آنفة الذكر، ولصعوبة الوصول الى الأهداف "الإسرائيلية" لأنهم ومعهم القوات الفلسطينية يحيطون بكل ما يمكن أن يؤدي الى الوصول اليهم وإلحاق الضرر بهم.
رغم كل هذه المعوقات كانت هناك عمليات تحدث باستمرار وان كانت صغيرة ومتفرقة وأغلبها عمليات تفجير لا يعلن أحد مسئوليته عنها، واكثرها عمليات غير ناجحة بسبب الأوضاع التي ذكرتها سابقا. كانت على إثر كل عملية تقوم الأجهزة الأمنية الفلسطينية بحملة اعتقالات واسعة والتحقيق مع المعتقلين لمعرفة من وراء هذه العمليات، وأغلب الأحيان كانت لا تصل لمنفذيها لأنها كانت تحدث في الغالب بصورة فردية، وبطريقة غير منظمة، وقد كان أهم هذه العمليات التي حدثت في خانيونس على طريق مستعمرة غوش قطيف وقد كلفني الأخ محمد الضيف بالتخطيط الكامل لهذه العملية واختيار الوقت المناسب، وتم اختيار منطقة المواصي على بحر خانيونس بسبب وجود أهداف للاحتلال، ولأن هذه المنطقة لا تخضع للسيطرة الفلسطينية ، وبالفعل تم تحديد هدف معين في تلك المنطقة وهو عبارة عن باص يقل جنودا وتم اختيار الشهيد معاوية روقة لتنفيذ هذه المهمة.
انطلق الشهيد ليقطع الحاجز راكبا عربة يجرها حمار، ليستلم حقيبة المتفجرات التي تم تجهيزها ووضعها في مكان متعارف عليه ، ليتم التفجير ولكن للأسف لم يحدث في نفس الهدف المتعارف عليه، بل أقدم الشهيد على تفجير نفسه وسط دورية للجنود مكونة من عربتي جيب تسيران على الطريق باعتياد وأسفرت هذه العملية عن إصابة بعض الجنود . وعلى أثر العملية شنت السلطة عمليات اعتقال واسعة جدا مارست مع المعتقلين كالمعتاد عمليات تحقيق بشعة، كما اشتد البحث والتفتيش عن الشهيد يحيى عياش، والأخ الضيف، ووزعت صورهم على الحواجز، وداهمت السلطة جميع من يشتبه بهم او المنازل التي تشك بوجودهم فيها ليلا و نهارا. هكذا كانت غزة، وهكذا كانت السلطة، وهذا هو وضع الكتائب في تلك المرحلة.
يحيى عياش يفكر ويخطط للخروج الى الضفة الغربية
في ظل تلك الأجواء الموجودة كان الشهيد يحيى عياش يعيش في عالم آخر، ويفكر في أمور هي النقيض لما يطرح حيث كان للشهيد حياة خاصة في كل شيء حتى العمل. ولكن كان من ضمن المطاردين الموجودين في القطاع يتأثر بما يدور حوله لأنه كان من ضمن المسئولين الذين يملكون القرار ، المطلعين على كل الأمور، وما يدور حتى الآن وإذا لم يشارك في الجلسات لوضعه الخاص، وكان الشهيد يتميز بالهدوءالتام ولا يكثر الكلام، وقليل الضحك شغوف بالعمل وتطوير أساليبه.
ولكن كان يعيش في وضع أكبر من الجميع فكان عليه أن يختار بين أن يرضخ للواقع وبين أن يكابر ويعاند ويصارع الجميع في مسألة معروفة نتائجها، إلا أنه اختار أن يكون قدوة الجميع فتعالى بنفسه عن دنايا الأمور وصمد في وجه كل المشاكل والخطوب وصارعها حتى النهاية.
حاول الشهيد تغيير الوضع لكنه عاود وتجاهله وحاول التخطيط للعمليات التي حدثت سنة 95 في شهري يوليو واغسطس وأرسل الأخ عبد الناصر عيسى الى الضفة للقيام بالعمليات وبعدها اشتد الحصار من قبل السلطة الى أقصى حد على الجميع وبدأت الاعتقالات والتحقيقات واشتد البحث عن الشهيد.
كان لزاما على الشهيد أن ينطلق الى مكان آخر لمواصلة العمل رافضا كل الحلول وفعلا بدأ الشهيد في التفكير بالعودة الى الضفة وهذا ما اهتدى إليه بعد التنسيق مع قيادة الكتائب وبالذات محمد الضيف الذي لم يقلّ عنه في شيء.
وبدأ يخطط للعودة وبعد تجهيز كل الأمور والاستعداد للخروج عن طريق السلك الحدودي وقبل الموعد بيومين تفاجأ الجميع بل العالم بنبأ استشهاد المهندس، وكانت كالصاعقة علينا، حتى وأقسم بالله أننا بقينا فترة طويلة لا نصدق ما حدث لكنه أمر الله الذي اختاره ليريحه من الشقاء رحمه الله.
ما بعد استشهاد المهندس وفكرة الثأر
كان الشهيد حريصا على أمنه الشخصي لكن الذي حدث هو قدر الله، ولكن لا أنفي التقصير من الجميع ، فالجميع يتحمل ما حدث، والمعروف أن حياة المجاهد عبارة عن سلسلة مغامرات يسلكها بعد أخذ جميع الاحتياطات اللازمة ومستعينا بالله قبل كل شيء، وهذا ما تم وما توصل إليه المهندس وتم تحديد الموعد والمكان الفاصل بين القطاع والأرض المحتلة بعد التجهيز لكل الأشياء التي تساعده على الوصول بسلام حسب التخطيط ولكن قدر الله هو الغالب فليلة الاستشهاد كان الشهيد يسير طوال الليل يراقب الحدود والمكان الذي سيخرج منه ويراقب تحركات الجيش والدوريات الصهيونية، وبعد صلاة الصبح كان له موعد في غزة في البيت الذي استشهد فيه وهو انتظار مكالمة من أبيه في الضفة وفي نفس اليوم أخبره المطاردون الذين معه ونصحوه بعدم الذهاب الى ذلك المكان لأنهم غير مرتاحين لفكرة الاتصال ولكنه أصر على الذهاب ورفض أن يصحبه أحد، وذهب الى حيث قدره الذي ينتظره ، لنسمع بعد وقت قصير "ساعتين" من خروجه نبأ استشهاده ، وللاستشهاد قصة يطول شرحها وليس الآن وقت سردها ، ودفن الشهيد وليعود المطاردون بأحزانهم وجراحهم التي كانت أكبر من التصور ولتدور نقاشات كلها كانت نابعة من شدة الحدث وعدم إمكانية تصديقه، وطغى فقدان الشهيد على كل المواضيع التي كانت تطرح سابقا من أجل وضع المطاردين ، كان الجميع يتحدث عن الثأر ، وليس سوى الثأر مهما كانت الظروف والتضحيات لأن الضربة كانت قوية كادت أن تشل الجميع دون استثناء.
وكنت أنا أول من تكلم مع الأخ محمد الضيف طالبا منه أن أكون انا الذي ينفذ عمليات الثأر ، وقد طلبت منه ذلك بإلحاح ورفض ذلك ورفض أن أكون من الاستشهاديين وألزمني بما قال وقال إنه لابد ان يكون هناك رد يساوي حجم الذي حدث وليكون درسا للمعتدين يجعلهم يفكرون كثيرا قبل الإقدام على هذه الفعلة مرة أخرى، وعرض عليّ الخروج الى الضفة الغربية لأن أكون مسئولا عن العمليات ولا أكون أحد المستشهدين، وبدأ العمل الذي كان فكرة لابد من تحقيقها في ظروف غاية في الصعوبة وإمكانيات دون الصفر، وكنا بعزيمة لا تلين أبدا بدأنا العمل والمشوار الصعب والشاق.
وكان هذا العمل يحتاج الى خطة محكمة ودقيقة وأشخاص أكفاء وإمكانيات كبيرة للقيام بهذا الجزء من الخطة الواسعة وهو الجزء الخاص بغزة وكان من المهم توفير المال الكافي لإنجاح المهمة وتكفل الأخ محمد الضيف بتوفير المال بقدر استطاعته ، وبعد ذلك بدأ بتنفيذ الأدوار لتنفيذ الخطة التي كانت فكرتها تدور حول تأمين طريق الحدود بالرصد المتواصل للدوريات الصهيونية ودخول مجموعة استطلاعية الى الداخل وتأمين الطريق ووجود آلية للاتصال بهذه المجموعة والتي سننتظر منها خبر تأمين الطريق وكيفية الوصول إليه، وليتم بعد ذلك دخول المجموعة الثانية التي يناط بها إدخال المتفجرات الى المكان المحدد داخل الكيان ومن ثمّ نقلها الى الضفة ليأتي بعد ذلك الجزء الثاني من الخطة الرئيسية والتي تتعلق بداخل الأرض المحتلة.
المجموعات المتخصصة بالرصد وتأمين الطرق
وكانت هذه المهمة من المهمات الصعبة بل هي عصب العمل وكما قلت سابقا فقد تم تحديد الوسيلة سابقا من قبل الشهيد المهندس وكانت الفكرة كالتالي:
أن يتم رصد المنطقة باستمرار ومعرفة تحركات الدوريات طوال الليل، وهذه المهمة ليست بالأمر السهل والهين ولمعرفة ذلك لابد من شرح كامل ومفصل عن طبيعة المنطقة والتي تعتبر حدودية والتي يوضع بها أسلاك شائكة تفصل المنطقتين عن بعضهما البعض وهي منطقة تم تجهيزها بجميع الوسائل الأمنية التي تجعل من المستحيل المرور عنها ببساطة وسلام، فالسلك يبلغ ارتفاعه أربعة أمتار وآخر منحن داخل المنطقة وهذا الانحناء عبارة عن أسلاك شائكة جدا مليئة بالحلقات المذبذبة، والشيء الثاني وجود مساحة مكشوفة ومنبسطة ومضاءة على امتداد 05-001 متر على كلا الجانبين وتعتبر هذه المنطقة من أخطر المناطق لأنه يتم رشمها يوميا قبل حلول الظلام من قبل الدوريات. وهناك ايضا دوريات حراسة تمر كل خمس أو عشر دقائق أو ربع ساعة كما تستخدم هذه الدوريات أسلوب الكمائن باستمرار.
ولذلك كله لابد
من العمل المتواصل والسريع وإيجاد الحلول لكل المشاكل والأمر في النهاية لابد من المخاطرة والمغامرة وكانت الحلول كالتالي:
بالنسبة لمشكلة السلك فقد تم وضع حل لها من قبل المهندس بعدما توصل الى عدم إمكانية قطع السلك دون وقوع إنذار والفكرة كانت تتمثل في استخدام عدة سلالم توضع بحيث يرتكز بعضها على بعض ويتم حصر السلك في المنتصف مع الحرص على عدم لمسه وبالنسبة للمنطقة المكشوفة بعد السلك كان لابد من الاستعانة بمرشد نسير على أثره، ويقوم بفرد قطعة من القماش لكي يتم السير عليها ، وهكذا حتى لا يجدوا لنا أثرا. وبالعودة الى أصل الموضوع كانت فكرة العمل تقوم على تشكيل مجموعتين في هذه الفترة المهمة المجموعة الاولى استطلاعية وتتكون من ثلاثة شباب من بينهم قصاص الاثر الذي كان عليه العودة بعد إدخال الأخوين الآخرين اللذين كان عليهما مهمة صعبة وهي الدخول الى فلسطين المحتلة كعمال وإيجاد بيارة في منطقة اسدود وإيجاد مأوى مؤقت لهما هناك والقيام بسرقة سيارة لاستخدامها للتنقل داخل فلسطين المحتلة ولنقل المجموعة الثانية التي كانت تتكون مني شخصيا فقط بالاضافة الى المتفجرات والأغراض الأخرى التي تلزم العمل ، وقد كان الاتصال بيننا عبر جهاز البليفون ، وقد تم إعداد جهازين وبأسماء مزورة أخذت كل مجموعة واحدا وكانت بيننا شيفرة معينة، وكان عليهما البدء بالاتصال بيننا بكلمة سر، وكان من المفترض عليهم أن يمكثوا هناك أسبوعا كاملا ومن ثم الاتصال بنا لإخبارنا عن الوضع ومن ثم يكون اتخاذ القرار بالدخول أم لا.... تابعونا بالخطوات الاخيرة من العملية.....
|