– مونتجومري
إن استعداد هذا الرجل لتحمل الاضطهاد من أجل معتقداته، والطبيعة الأخلاقية السامية لمن آمنوا به واتبعوه واعتبروه سيدا وقائدا لهم، إلى جانب عظمة إنجازاته المطلقة ، كل ذلك يدل على العدالة والنزاهة المتأصلة في شخصه ، فافتراض أن محمدا مدع افتراض يثير مشاكل أكثر ولا يحلها، بل إنه لاتوجد شخصية من عظماء التاريخ الغربيين لم تنل التقدير اللائق بها مثل ما فعل بمحمد .
5 – الدكتور زويمر :
إن محمدا كان ولا شك من أعظم القواد المسلمين الدينيين ، ويصدق عليه القول أيضا بأنه كان مصلحا قديرا وبليغا فصيحا وجريئا مغوارا ، ومفكرا عظيما ، ولا يجوز أن ننسب إليه ما ينافي هذه الصفات ، وهذا قرآنه الذي جاء به وتاريخه يشهدان بصحة هذا الادعاء .
[6 – برنارد شو :
إن العالم أحوج ما يكون إلى رجل في تفكير محمد ، هذا النبي الذي وضع دينه دائما موضع الاحترام والإجلال فإنه أقوى دين على هضم جميع المدنيات، خالدا خلود الأبد، وإني أرى كثيرا من بني قومي قد دخ
صورة للفيلسوف البريطاني برنارد شو
لوا هذا الدين على بينة ، وسيجد هذا الدين مجاله الفسيح في هذه القارة (يعني أوربا) .
إن رجال الدين في القرون الوسطى ، ونتيجة للجهل أو التعصب قد رسموا لدين محمد صورة قاتمة ، لقد كانوا يعتبرونه عدوا للمسيحية ، لكني اطلعت على أمر هذ الرجل، فوجدته أعجوبة خارقة، وتوصلت إلى أنه لم يكن عدوا للمسيحية، بل يجب أن يسمى منقذ البشرية ، وفي رأيي أنه لوتولى أمر العالم اليوم ، لوفق في حل مشكلاتنا بما يؤمن السلام والسعادة التي يرنو البشر إليها .
7 – تولستوي [/C
يكفي محمد فخرا أنه خلص أمة ذليلة دموية من مخالب شياطين العادات الذميمة ، وفتح على وجوههم طريق الرقي والتقدم ، وأن شريعة محمد ستسود العالم لانسجامها مع العقل والحكمة[4].
هذه نماذج من أقوال المنصفين الغربيين في النبي محمد – صلى الله عليه وسلم –
وقبل البحث في أسباب الإعجاز في حياته - صلى الله عليه وسلم - لا بد من الحديث أولا عن مظاهر ذلك الإعجاز، فبها يمكن أن نضع أيدينا على العوامل الحقيقية والأسباب التي أعجز بها النبي - صلى الله عليه وسلم - غيره من الناس.
[مظاهر الإعجاز في حياته - صلى الله عليه وسلم -
لو أجملنا لقلنا إنه حول العرب من النقيض إلى النقيض في زمن قصير وبأقل التكاليف ، كانوا أعداء فأصبحوا إخوانا ، كانوا يعبدون آلهة كثيرة فأصبحوا يعبدون إلها واحدا خالقا ، كانوا أميين فأصبحوا متعلمين ، كانوا قبائل كثيرة متحاربة فأصبحوا دولة واحدة ،كانوا متخلفين عن الأمم المجاورة لهم فأصبحوا متقدمين عنها .
وأمَّة العُرب كم كانت مخلفة والفرس والروم في ملك وفي حشَم
ما كان يخطر بالألباب يومئذ أن المـوازين قد تهـوي وتنهدم
ليصبح البدو في مجد وفي بذخ والروم والفرس في وحل وفي أكَم
[ولو أردنا تفصيل تلك الدلائل فسنكتفي بهذه النماذج وفي الإشارة ما يغني عن العبارة :
[1– نقل العرب من الفرقة والعداوة إلى الوحدة والمحبة : كانت بلاد العرب قبل الإسلام قبائل متنافرة متناحرة تتبع بأنعامها مواطن الكلإ والماء، يأكل قويها ضعيفها، ويغزو بعضها بعضا، وقامت بسبب ذلك حروب كثيرة عرفت بأيام العرب، على غرار حرب البسوس وحرب داحس والغبراء وحرب الفجار وغيرها .. وكانت دولة الفرس في الشمال ودولة الروم في الغرب وحتى الأحباش في الجنوب يستغلون هذا الوضع لإحكام سيطرتهم، وفرض الضرائب على العرب، ولم يكن الفكر العربي في تلك المرحلة يرقى إلى مستوى التفكير في إقامة دولة أو مجتمع أو حضارة كما هو الشأن عند الأمم الأخرى، ولم يمض من عمر الإسلام أكثر من عشر سنوات حتى أعلن النبي – صلى الله عليه وسلم – قيام المجتمع الإسلامي والدولة الإسلامية ليعرف العرب عندها أول دستور في حياتهم، وانتقلت العاصمة إلى يثرب، ولم يكن قيام هذه الدولة هدفا في حد ذاته، بل كان هدف مؤسس هذه الدولة أبعد من ذلك بكثير، لقد كان هدفه تكوين حضارة جديدة تمتد في طول الزمان وعرضه، تقوم على كلمة التوحيد والمباديء الإنسانية السامية، ووجود أجناس مختلفة، وألوان مختلفة ضمن أفرادها الأوائل وما تضمنته نصوص الوحي من عبارات تأمر بالمساواة بين الجميع إشارة صريحة إلى ذلك .
ولم تكن هذه الوحدة مجرد شعارات ظاهرية ، أو نظاما مفروضا على الناس وهم له كارهون ، بل إنها امتدت عمقا لتعانق شغاف القلوب ، وذابت في ثناياها جميع الانتماءات العرقية والقبلية وتبدلت الكثير من المفاهيم التي كانت سائدة ، فلا فرق بين أبيض وأسود ، ولا بين فقير وغني ، ولا بين أمير ومأمور ، ولا بين شريف النسب ووضيعه ، وترك أمر الأفضلية للعمل الصالح فحسب ( إن أكرمكم عند الله أتقاكم )[5].
– نقل العرب من الجاهلية والأمية إلى الحلم والتعلم :كانت العرب أمة أمية لا تعرف في عمومها القراءة والكتابة بشهادة القرآن الكريم ، كما كانت الجاهلية تتحكم في تصرفاتها ، وتغذي فيها معاني الثأر والظلم والتعسف على نحو قول عمرو بن كلثوم :
ألا لا يجهلن أحـــد علينا فنجهل فوق جهل الجاهلينا
ونشرب إن وردنا الماء صفوا ويشرب غيرنا كدرا وطينا