طوفان التقنية..
ويرى الخبير الإعلامي والمستشار الصحفي الدكتور مرعي مدكور أن الفضائيات أصبحت واقعا لا يمكن الاستغناء عنه أو حجبه عن المواطن، ويشير إلى أننا لا نستطيع لو حاولنا حجب الفضائيات سواء العربية أو الأجنبية، لأسباب تقنية عدة، فقد بدأ طوفان التقنية الحديثة وهو مستمر ولا نستطيع إيقافه، وما زلنا مقبلين على تكنولوجيا متقدمة في كافة المجالات، لذلك يجب علينا أن نفتح الأبواب للتطور، وأن نستفيد من التكنولوجيا بشكل عام وما تقدمه للعالم من خدمات وإمكانيات هائلة".. ويضيف الدكتور مدكور "لقد أصبح لدينا لأول مرة رأي ورأي آخر، وأصبحت لدينا عشرات القنوات، وهنا أتحفظ على تجربة القنوات الفضائية الموجهة مثل قناة (؟؟؟؟؟) الأمريكية والتي استقبلت بشكل سيئ، والسبب أنها أعلنت عن وجهها الحقيقي من أول وهلة، وهي بذلك تخالف حتى مفهوم الإعلام الموجه الذي ظهر في الحرب الإعلامية الثانية، لقد ظهرت (؟؟؟؟؟) لتعمل ضد التوجه العربي والإسلامي بشكل عام مما أفقدها الكثير.. فضلا عن أن المهنية الإعلامية بها متدنية، وتتفوق عليها فضائيات عربية أخرى مثل (ا.....) و(......)، إضافة إلى عدد من الفضائيات الأخرى التي حققت التميز مثل قناة (....).. ونعلم أن الفرق شاسع بين فضائياتنا وفضائيات الغرب، ولكن علينا أولا أن نقبل التحدي وأن نعمل على تحسين وتطوير الفضائيات".
ويؤكد الدكتور مدكور على أنه لا مجال لحجب وجهة النظر الأخرى، في الفضائيات والإنترنت، والرقيب لا يستطيع أن يفعل شيئا، فالجبهة الوحيدة أمامنا هي العمل، وتحسين الأداء وتقديم إعلام يتمتع بالمصداقية والشفافية والتنوير، وأن نرفع أيدينا عن المواطن العربي فهو لا يحتاج إلى وصاية أحد.
مع التكنولوجيا ولكن..
ويدعو وكيل الوزارة بالمجلس الأعلى للصحافة بمصر وأستاذ الإعلام بالجامعات المصرية الدكتور عصام الدين فرج إلى التعامل مع الفضائيات بحكمة وموضوعية، فالفضائيات سمحت بتغطية جغرافية إعلامية شاملة للعالم العربي، وحققت سيادة إعلامية غير مسبوقة، ولأول مرة يغطي الإعلام كافة بقاع الوطن العربي والعالم، وعملت على تقريب الشعوب والتعريف بعاداتها وتقاليدها، وبعد أن كانت الدراما المصرية الوحيدة على الساحة، بدأنا نرى الدراما الخليجية والسورية وغيرها والبرامج التي ترصد المجتمعات العربية المختلفة، وفي ذلك تعميق للعلاقات والثقافات والمواقف، أيضا حققت الفضائيات التنافس المستمر لصالح المشاهد، وأصبح الكل يريد أن يعمل وينافس، وأصبحت المادة الجديدة تفرض نفسها، مما انعكس على تطوير الأداء".
وعن الجانب السلبي يقول الدكتور فرج "في ظل هذه الحرية الإعلامية غير المسبوقة خاصة لدى فضائيات القطاع الخاص يوجد إعلام موجه مسمم، وخطورته تكمن في بث آراء سلبية تنشر اليأس وتثبط الهمم وترسل الإشاعات، ومن الطبيعي أن أراها، وألا أفهم خلفيتها، ولكن هذا لا يعني أن أنادي بإغلاقها".
ويطالب الدكتور فرج أن يتمتع إعلامنا وفضائياتنا بالشفافية العالية، ونبادر بشجاعة بنشر الأخبار المختلفة وتغطيتها وعدم حجب شيء عن المشاهد، عندئذ لن يكون مجال للآخرين للمزايدة علينا وعلى قيمنا وواقعنا، وعلى الصعيد الأخلاقي تقوية الجوانب الدينية للمجتمع والأسرة والمرأة والشباب، لتكوين حائط الصد لمواجهة التيارات الغربية".
مراجعة إعلامية
وينطلق عميد كلية اللغة العربية والعلوم الاجتماعية والإدارية بجامعة الملك خالد الدكتور حسن بن يحيى الشوكاني في مداخلته من حقيقة الدور الرئيس والمهم الذي يقوم به الإعلام بمختلف فروعه فهو يسهم بشكل مباشر ورئيس في تكوين البناء الثقافي لدى فئة من أخطر فئات المجتمع، ألا وهي فئة الشباب".
ويضيف الدكتور الشوكاني: "لم يعد الإعلام - خاصة المرئي - مجرد وسيلة للتسلية والمتعة، بل أصبح يمثل وعاء ثقافيا بالغ الخطورة، يتم من خلاله زرع الأفكار، وتمرير المخططات، وتكوين الخلفية الثقافية المراد نشرها، وقد تفنن القائمون على القنوات الفضائية العربية - التي بلغت حوالي 140قناة في فترة وجيزة - في تنويع الأساليب المستخدمة في إيصال ما يريدونه إلى المتلقي العربي، وأصبحت تلك القنوات من الخطورة بدرجة أنها ربما أظهرت الحق باطلا والباطل حقا، وحشدت من الأدلة - المزيفة - الكثير والكثير مما يؤيد وجهة نظرها".
ويرى الدكتور الشوكاني أن القنوات الفضائية المختلفة أصبحت تغزونا في بيوتنا من كل مكان وتمطر بيوتنا ومجالسنا بوابل من المادة الإعلامية التي لم تراع حصانة المواطن العربي المسلم ولا خصوصيته، ولم تأبه بما لديه من قيم وأخلاق ومبادئ وسلوكيات، حتى أصبح المواطن العربي تائها بين تلك القنوات، وفقد البعض ممن أدمن على متابعة بعض تلك القنوات هويتهم الحضارية، والكثير من القيم والأخلاقيات الفاضلة التي تربوا عليها.. ويضيف الدكتور الشوكاني "رصدت إحدى الدراسات الجامعية السلبيات المنعكسة على الأسرة من جراء متابعتها للقنوات الفضائية، وكان مما توصلت إليه تلك الدراسة أن 53% قَّلت لديهم تأدية الفرائض الدينية، و33% فتر لديهم التحصيل العلمي، و42% يتطلعون إلى الزواج المبكر، فضلا عن أن 85% من شبابنا وشاباتنا يحرصون على مشاهدة القنوات التي تعرض المناظر الإباحية".
ويضيف الدكتور الشوكاني "الكثير من القنوات العربية الفضائية تسعى بشكل رئيس إلى إدخال ثقافات جديدة إلى مجتمعنا ما كان له بها علم من قبل، ولا هي في قاموسه الثقافي أصلا، بل وتجهد في إحلال تلك الثقافات المغايرة وزرعها في نفوس أبنائنا بكل الوسائل والطرق، كما أن كثيراً منها تسعى إلى هدم الجوانب الأخلاقية والسلوكية التي يحرص عليها مجتمعنا، والمصيبة الكبرى أن تلك القنوات الفضائية تقدم تلك السلوكيات المنحرفة والأخلاق الوضيعة على أنها عنوان التحضر وطريق التقدم، وأن غيرها هي عناوين التخلف ومظاهر الرجعية، فالشاب الذي ليست له صديقة شاب متخلف ومعقد، والشاب الذي لا يخالط الشابات ويعاكسهن لديه خلل كبير في شخصيته، أما الفتاة المتحجبة فهي تحيا في غير عصرها!، وتفكر بطريقة عتيقة أكل عليها الزمن وشرب!، والطريقة الصحيحة للتحضر والرقي هي التبرج والسفور!، وما المظاهر الغريبة التي نشاهدها اليوم لدى بعض شبابنا، والمتمثلة في الهيئة والمظهر أو في السلوكيات والأخلاق أو في عدم المبالاة والاستهتار، أو في التنكر للمكتسبات التي حققتها البلاد، وعدم الحرص عليها، أو في تدني المستوى التعليمي لدى البعض، إلا نتيجة من النتائج السلبية لتلك القنوات الفضائية".
ويضيف الدكتور الشوكاني "الكثير من القنوات الفضائية العربية تتبنى وجهة نظر الآخر في كثير من القضايا المصيرية بالنسبة لعالمنا العربي، ثم تصوغها في قالب عربي الشكل والمظهر لتمررها إلينا من جديد، هذا في الوقت الذي كان المواطن العربي كله آملاً في أن تلك القنوات الفضائية سوف تضطلع بدور رئيس في تقديم صورة العربي المسلم إلى الغرب على وجهها الصحيح، وتحسين تلك الصورة التي شوهت في الغرب عن العرب والمسلمين، وتتبنى توجيه خطاب إعلامي ناضج إلى الآخر، يوضح فيه وجهة نظرنا في كثير من القضايا الراهنة، لقد فشلت قنواتنا الفضائية العربية في تحقيق الحلم العربي".
عزلة نفسية واجتماعية
وترى أستاذة الطب النفسي بكلية التربية بمكة المكرمة الدكتورة عبير محمد الصبان أن أي شيء في الحياة يكون سلبيا إذا أساء الإنسان استخدامه، فالفضائيات تصبح سلبية الآثار بصفة عامة إذا شاهدها الفرد سواء كان ذكرا أم أنثى بهدف إثارة الغرائز والنزعات الفطرية، أو بهدف التقليد والتقمص دون وعي أو اعتبار لتقاليده وعاداته وقيمه الدينية، ومن ثم تصبح الفضائيات مصدرا للهدم يؤثر على صحة الفرد من النواحي النفسية والجسمية إذ إنها تستثير فيه غرائز هامة دون إشباع، مما يؤثر سلبا على صحته، وتضيف "هناك بعض القنوات الفضائية تبث بل وتزرع في نفوس الأفراد بعض النزعات العدوانية والميول الاكتئابية، خاصة إذا كان هؤلاء الأفراد من الذين يقضون ساعات طويلة من اليوم في مشاهدة الفضائيات، إذ أثبتت الدراسات النفسية أن طول فترة مشاهدة الأطفال للتلفاز تؤدي بهم إلى الشعور بالعزلة النفسية والاجتماعية، ومن ثم الإصابة تدريجيا بالاكتئاب".
وتضيف الدكتورة الصبان "إلا أن هذا لا يمنع أن تكون للفضائيات آثار إيجابية عدة وذلك عندما يحسن اختيار ما يشاهده الفرد منها، فهناك برامج كثيرة ذات فائدة عظيمة مثل البرامج الدينية والفكرية والعلمية والسياسية، وغيرها من البرامج التي تغذي عقل الفرد وتفتح آفاقه في نواح عديدة، كما أنها أصبحت تصله بالعالم من حوله، وما يحدث فيه دون بذل أي مجهود، ومن ثم يجب على الأفراد بصفة عامة والآباء والأمهات بصفة خاصة الحرص الشديد في اختيار المناسب من الفضائيات التي يمكن أن يشاهدوها هم أو أطفالهم حتى تصبح مصدرا فعالا يمكن الاستفادة منه".