د. محمد عنتر يتحدث عن التخطيط لإجازة سعيدة
حوار- سيدة عبد الله
لأن الزمن لم يعُد كما كان في الماضي كما قال أحد العامة؛ حيث لم تكن التربية مسئولية الأسرة وحدها، وإنما كان المعلم يربي والمدرسة تربي والأقارب يربُّون والشارع كذلك كان يربي.. أما اليوم فقد غاب معظم هؤلاء، ومع ضيق الأفق أمام الأُسَر الحضرية المعاصرة أصبحت الأسرة الزاوية الوحيدة المسئولة عن التربية بكل أعبائها، من التعليم وهمومه إلى الإعداد للإجازة التي أصبحت واحدةً من الهموم الثقيلة التي تثقل كاهل الجميع، وبدأ الإحساس يتنامى بالاحتياج إلى مساعدة العلم في إعداد برنامج عملي ومفيد ومخطط لتحقيق الإفادة الحقيقية من الإجازة.
ولكن هل من خطة تحقق كل الأهداف التي تريدها الأسرة؟ وكيف يمكن إعداد مثل تلك الخطط العائلية؟ ومتى تبدأ الأسرة في إعداد خطة الإجازة؟ وهل من سبيل لتستفيد الأسرة من وقت الإجازة الذي يُعتبر فرصةً لتحقيق المتعة والترفيه وأيضًا لاكتساب مهارة جديدة؟ كل هذه التساؤلات وضعناها أمام الخبير الإداري الدكتور محمد عنتر أستاذ الهياكل الإدارية بجامعة القاهرة والمدرب الدولي في هيئة المواصفات البريطانية (BSI ).
* كيف يكون التخطيط النموذجي لبرنامج الإجازة؟
** إدارة الإجازة في الصيف تبدأ بتحديد مجموعة من الأهداف، ووضع البرامج المناسبة لتحقيقها، وتحديد هذه الأهداف منذ البداية هو جزءٌ مهم وحيوي في مراحل الخطة والتي تعتبر مشروع الأسرة كلها، وهذا يعني أن هناك مستوياتٍ من الخطة تحتاج إلى مناقشة عامة على مستوى الأسرة ككل، ومستوى آخر من مسئولية الأب، وهناك جزء ثالث على مستوى الأم، وجزء رابع على مستوى الأبناء، وعند صياغة أهداف الخطة لا بد من مراعاة عدة اعتبارات، منها:
* الهدف: وهو تحديد الهدف الذي نسعى إلى تحقيقه.
* الزمن: وهو المساحة الزمنية المتاحة لتنفيذ البرنامج المرجوّ.
وإذا كانت الخطة من أجل الإجازة الصيفية فإن زمن إعداد الخطة لا بد أن يكون مسبقًا؛ إذ إن زمن تنفيذ الهدف عادةً يبدأ من أول يونيو وحتى منتصف سبتمبر؛ ولذلك لا بد من صياغة الأهداف التي يمكن تحقيقها في تلك الفترة، وذلك بتحديد النتائج التي نسعى للوصول إليها في فترة الإجازة.
تحديد الهدف
* وما المعايير التي تجب مراعاتها عند تحديد الأهداف التي نسعى إلى تحقيقها في الإجازة؟
** لا بد من مراعاة عدة محددات أو مواصفات لأي هدف قبل أن نضعه؛ بحيث يكون محددًا ويمكن قياسه ويمكن تحقيقه ويكون واقعيًّا.
وخلال فترة زمنية وهي ما تحدثنا عنها سابقًا، فلو وضعنا هدفًا مثل زيادة معدل حفظ القرآن عند الأولاد إلى ثلاثة أجزاء خلال فترة الإجازة نجد أن هذا الهدف محددٌ في حفظ القرآن، ويمكن قياسه بثلاثة أجزاء، ويمكن تحقيقه، وواقعي؛ حيث إنه يمكن حفظ ثلاثة أجزاء في 16 أسبوعًا، خاصةً مع وجود المتابعة اليومية، كما أنه زمني؛ لأنه مربوط بفترة زمنية وهي مدة الإجازة.
* ما الأهداف التي يمكن تحقيقها في فترة الإجازة؟
** هناك العديد من الأهداف التي يمكن تحقيقها في تلك الفترة:
- فعلى مستوى الأسرة ككل يمكن الوصول بها إلى زيادة الترابط والمحبة على مستوى أفراد الأسرة ككل، ويمكن تحقيق ذلك؛ لأن الأولاد يكونون موجودين في البيت بشكل مستمر، وكذلك الأم والأب يمكن أن يفرِّغوا أنفسهم للأولاد على خلاف الفترة الدراسية؛ حيث يكون الأولاد مشغولين بالمدرسة والمذاكرة، وتكون مساحة اللقاء بشكل عام ضيقة، وأيضًا زيادة معدل حفظ القرآن عند الأولاد إلى ثلاثة أجزاء خلال فترة الإجازة، فنجد أن هذا الهدف محدد في حفظ القرآن.

- وعلى مستوى الزوج والزوجة يمكن أن يتفقا فيما بينهما على حفظ جزءين أو ثلاثة أجزاء خلال مدة الإجازة، وهو ما يوحي للأبناء بأن هناك تعبئةً جماعيةً للاستفادة من وقت الإجازة، على اعتبار أنه فرصة لجميع أفراد الأسرة.
- كما أنه يمكن غرس قيم معينة لدى الأولاد في فترة الإجازة قد لا تستطيع غرسها فيهم طوال العام، مثل قيمة الإيجابية والاعتماد على الذات، بأن يتعوَّد الولد على الاعتماد على نفسه ماديًّا، بتوفير جزءٍ من مصروفه، والمساهمة في شراء جهاز كمبيوتر خاص به أو السماح له بالعمل لساعات معينة في اليوم أو في أيام محددة في الأسبوع، بشرط أن يكون مكان العمل محترمًا وتتم متابعته بصفة دورية، وبشرط أن يكون العمل مجرد وسيلة لغرس هدف الاعتماد على الذات وتحمل المسئولية، ولا يكون العمل هدفًا في حد ذاته.
- كما لا بد من ربط الأمر برضا الله سبحانه وتعالى، بأن نربط الأهداف بهذا الحافز، مثل زيارة الأهل والأقارب واصطحاب الجدة في المصيف، وربط هذا الأمر بإرضاء الله سبحانه وتعالى.
وضع الخطة
* وما الخطوة التالية لتحديد الهدف؟
** بعد تحديد الهدف لا بد من وضع خطة لتحقيق الهدف أو تحديد الوسائل التي سنحقِّق بها هذا الهدف، وكيفية تنفيذ كل وسيلة، ففي حفظ القرآن الكريم يمكن اتباع وسيلة تحديد موعد ثابت ويومي للحفظ عند محفظ مثلاً، والوسيلة الثانية هي المراجعة، سواءٌ مع المحفظ أو مع البيت، ولا بد من مراعاة تحفيز الولد، كالاتفاق معه على أنه لو حفظ جزءًا معينًا خلال مدة معينة سيتم منحه مكافأةً، سواءٌ كانت ماديةً أو معنويةً، كأن نزيد من عدد أيام المصيف مثلاً، ويفضل أن يكون التحفيز إيجابيًّا وليس سلبيًّا، ولا بد أن يكون الحافز متدرجًا مع مستويات تحديد الهدف، ومهم أيضًا أن يكون التحفيز بالاتفاق مع الابن على الهدف والتحفيز؛ بحيث يتعود على التفكير وإبداء الرأي والثقة بالنفس ويكون التزامه بتحقيق الهدف ذاتيًّا.
* قد تحدث خلافات أثناء وضع البرنامج، كيف يمكن التغلب على هذا الأمر؟
** الوسيلة الوحيدة للتغلب على ذلك هي الاتفاق بين جميع الأفراد الذين يجب أن يأخذوا هذا الاتفاق بشكل الحوار والإقناع، وأن يبتعدوا عن القرارات الفوقية والأوامر، خاصةً مع الأولاد الكبار أو الذين في سن المراهقة، وهو سنٌّ يتم فيها بناء الشخصية ويسعى إلى الاستقلال برأيه.
الشورى
* كيف يوازن الأب بين القيادة والشورى عند مشاركة الأسرة له في التخطيط للإجازة؟
** العلاقة بين الأب والأم ليست مثل العلاقة بين الرئيس والمرؤوس في العمل، لا شك أن الاتفاق على برنامج الإجازة بين جميع أفراد الأسرة مهم جدًّا، وهو ما نسميه في علم الإدارة بالإدارة الجماعية أو المشاركة في الإدارة، وهي لا تُضعف من سلطة الأب بل تقوِّيها، وتجعل الخطة ذات التزام جماعي؛ مما يؤدي إلى تنمية الالتزام لدى الجميع، وهذا الاتفاق يمكن أن يتم من خلال لقاء أو لقاءين بين جميع أفراد الأسرة، ويفضل أن يكون الاجتماع خارج البيت؛ بحيث تكون جلسةً غير رسمية وتأخذ طابع الدردشة، ويتم الاستماع للأولاد وأخذ آرائهم في كل شيء، وهذا لا يمنع أن يكون هناك اتفاقٌ مسبقٌ بين الزوجين على البرنامج، ويتم تنفيذه والاتفاق عليه أمام الأولاد، بشرط ألا يكتشف الأولاد ذلك وألا يشعروا بأن ما يحدث أمر متفق عليه مسبقًا ويتم إخراجه أمامهم فقط.
ولذلك لا بد من وجود المشاركة الفعلية؛ لأن عدم وجودها سيجعل الالتزام غير ذاتي وسيضطَّر الأب إلى زيادة المتابعة الخارجية على الولد وهو أمر غير مستحب تربويًّا، ويأتي بنتائج عكسية، كما أنه لا بد من تنمية المتابعة الذاتية لدى الولد بإشعاره الدائم بأن الله سبحانه وتعالى يراقبه في كل صغيرة وكبيرة، وأن رقابة الله أهم من أي رقابة أخرى وأنه يربط تصرفه مع رضا الله تبارك وتعالى مع مراعاة وجود حافز مباشر للولد يساعد على الرقابة الذاتية، بشرط ألا يشعر بأن الحافز هو الأساس ويعتبره صفقةً، ويقول للأب لن ألتزم بالخطة ولا أريد الحافز.
* بعض الآباء يفضل استغلال الإجازة في أخذ المزيد من الدورات التدريبية.. فما رأيكم في ذلك؟
** إذا كان الأب سيقتطع جزءًا من وقته بشرط ألا يطغى ذلك على الوقت الذي سيعطيه لأسرته فلا مانع من هذا، بل إنه أمر مفضل، ولا شك أن الأب يستطيع تنمية نفسه في العديد من المهارات مع الأولاد، سواءٌ داخل البيت أو المكتبات التجارية وزيارتها، إضافةً إلى تنمية الأخلاقيات الإسلامية من خلال التعامل مع أبنائه؛ بحيث لا تأخذ إدارة المنزل شكل إدارة المؤسسات الرسمية.
* انشغال الأب طوال أيام السنة عن الأبناء قد يجعل مساحات التفاهم حول الخطة أمرًا عسيرًا.. فبماذا تنصحون؟!
** يمكن التغلب على تلك المشكلة بأن تكون متابعة الأب للأبناء طوال العام وليس في فترة الإجازة فقط؛ لأن الأصل في المتابعة ألا تكون موسميةً، ففي الإجازة قد تكون المتابعة تفصيليةً أكثر من الأيام العادية؛ بحيث يمكن متابعة برنامج الأولاد بخلاف المتابعة العامة التي تكون أثناء الدراسة من خلال الأم، أو من خلال الجلوس معهم في يوم الإجازة الأسبوعي، ويفضل أن يكون ذلك خارج البيت، ولكن لو ظهر سلوك غير عادي بالأسرة لا بد من متابعته بصورة تفصيلية؛ بحيث عندما تأتي الإجازة تكون لدى الأب خلفيةٌ عن كل شيء عن الأولاد، وأن تبدأ المتابعة والتدخل في شئونهم بطريقة تدريجية، فيعمل على تطوير العلاقة معهم وتأخذ شكل الصداقة المدعومة بالفسح وتبادل الهدايا.