وهناك نقطة مهمة يجدر الإشارة إليها في هذا المجال، وهي ظاهرة السب والشتم بين العلماء أنفسهم وهي نتيجة حتمية للحسد، وهذا باب معروف فالحاسد يريد أن يرى المحسود في أقل درجة وأسوأ حالة فهو يعتقد أنه بتهجمه وسبه وتنقيصه لخصمه ينزل قدره ومقداره..ونحن نعلم أن الكثير من العلماء تعرضوا للطعن والسب والدسائس بسبب الحسد نظرا لشهرتهم واحترام الناس لهم, فقد يكون الشاتم حسودا حقودا ولا يرضيه إلا زوال النعمة عن غيره.
ومن الأشعار المناسبة في هذا الباب قولهم :
كل العداوة قد ترجى مودتها **** إلا عداوة من عاداك عن حسد
وبناء عليه قد يستتر الحاسد الشاتم بالدين ويبرر شتمه بأنه دفاع عن الإسلام ونحو ذلك وما هو في الواقع إلا إنسان مريض مصاب بداء الحسد والعياذ بالله وعلامة الحاسد في موضوعنا هذا أنه لا يبالي أن يحرم الناس من الإنتفاع المحقق لخصمه أي قد يكون خصمه ذا نفع واضح في تعليم الناس وإرشادهم لما فيه صالح دينهم فتراه يدعو الى أمور لا يختلف عليها العلماء أويدعو الى أمور مقبولة من المنظور الفقهي ولكن هذا الشاتم لا ينظر الى هذه المصلحة العظمى فتراه يسعى لتحطيم ذلك الخصم بالسب والشتم ويغفل عن النفع العظيم الذي يقدمه خصمه للمسلمين.ونحن لا نملك إلا أن نقول نعوذ بالله من شر حاسد إذا حسد.
واجب الدعاة و العلماء
وعلى الدعاة وهم يدعون الناس إلى الإسلام، ويبصرونهم بحقائق الإسلام ومعانيه، أن يبينوا لهم تحريم الحسد وأضراره وشروره ولذلك خصه الله بالذكر في جملة ما يستعاذ بالله منه ، فقال تعالى : (قل أعوذ برب الفلق . من شر ما خلق. ومنشر غاسقٍ إذا وقب . ومن شر النفاثات في العقد. ومن شر حاسد إذا حسد.)
كما أن على الدعاة أن يبينوا للناس حقيقة الكبر لأنه مرتبط بالحسد ارتباطاً وثيقاً، والتحذير من مظاهره وآثاره ، وأنه بعيد عن أخلاق المسلم التي دعا إليها ديننا الحنيف.
عليهم أن يولوا موضوع الحسد ما يستحق من أهمية واعتبار ، ليس فقط فيما تبينه لعموم المسلمين من حكم الإسلام في الحسد والحاسدين ، وأن تحريمه مثل تحريم الخمر والميسر.
وعليهم أيضاً أن يحذروا أنفسهم قبل غيرهم من الوقوع في الوهم الباطل : وهو أن العلماء والدعاة ، لا يتصور أن يقع فيما بينهم تحاسد ، فهذا وهم باطل ، لأن الحسد والتحاسد وقع بين إخوة يوسف حتى حملهم الحسد على التآمر على أخيهم يوسف ، وهم كلهم يعيشون في كنف أبيهم يعقوب نبي الله ، وكادوا أن يقتلوه ، ولكنهم تساهلوا معه فألقوه في غيابة الجب. والحسد وقع أيضاً بين ابني آدم حتى حمل أحدهما على قتل أخيه.
فليس هؤلاء العلماء وطلبة العلم والدعاة بمعصومين من الحسد ، وليسوا هم في نجوة منه، والشيطان يحوم حولهم ليوقعهم فيه.
هناك عبارة قديمة كانت متداولة : لو بـيـع الحسد بالفضةلاشتراه العلماء بالذهب.
يقول الدكتور عبد الكريم زيدان في كتابه: (المستفاد من قصص القرآن) :
" وسر المسألة أن الحسد يقع عادة بين المتعارفين المشتركين في شيء ما ، سواء كان هذا الشيء قرابة أو صداقة أو جواراً أو حرفة أومهنة أو غير ذلك مما يقع به الاشتراك ، فيريد كل واحد من المشتركين أن يستأثر بماحصل عليه غيره من هؤلاء المشتركين ، حتى لا يمتاز عليه بشيء مما يجعله في مرتبة أعلى منه.
ولهذا نجد الحسد بين الأقارب أكثر من الحسد فيما بين الأباعد ، ونجد الحسد بين أصحاب المهنة الواحدة ، ولا نجده بين أصحاب المهن المختلفة ، ونجد الحسد بين العلماء علماء الدين – مع الأسف – ولا نجده فيما بينهم وبين أصحاب الاختصاصات أو المهن الأخرى".(انتهى)
فحسد العلماء لأقرانهم شائع في القديم والحديث ، وهذا يذكِّرنا
بأن النوازع البشرية يشترك فيها العالم والجاهل على حدّ سواء،
ولذالك فعلماء الجرح, والتعديل لاحظوا هذه الصفة فوضعوا
قاعدة لذلك معناها (عدم قبول أقوال الأقران في بعضهم).
هذا ونسأل الله تعالى أن يبصر علماءنا الفضلاء بواجباتهم
ويعينهم على القضاء على آفة الحسد ورديفتها الكبر، وهاتان
الصفتان هما اللتان تمزقان شمل الأمة وتتركها فريسة سهلة
لأعدائها وأعداء الدين، يدخلون منهما لنفث سمومهم في الأمة
في غياب هؤلاء العلماء الذين من المفروض أن يكونوا حراساً
وحماة لهذا الدين، في الوقت الذي نراهم يتنابزون ويتحاربون
فيما بينهم بسبب الحسد الذي ملأ قلوبهم.
|