الموضوع: كلمات غـاليـة
عرض مشاركة واحدة
  #40  
قديم 06-06-2007, 07:30 PM
الصورة الرمزية عبير الايمان
عبير الايمان عبير الايمان غير متصل
عضو نشيط
 
تاريخ التسجيل: May 2007
مكان الإقامة: egypt
الجنس :
المشاركات: 136
الدولة : Egypt
افتراضي

عبرة لمن يعتبر




لم أكن جاوزت الثلاثين حين أنجبت زوجتي أوّل أبنائي.. ما زلت أذكر تلك الليلة .. بقيت إلى آخرالليل مع الشّلة في إحدى الاستراحات.. كانت سهرة مليئة بالكلام الفارغ.. بل بالغيبةوالتعليقات المحرمة... كنت أنا الذي أتولى في الغالب إضحاكهم.. وغيبة الناس.. وهم يضحكون.

أذكر ليلتها أنّي أضحكتهم كثيراً.. كنت أمتلك موهبة عجيبة في التقليد.. بإمكاني تغيير نبرة صوتي حتى تصبح قريبة من الشخص الذي أسخر منه.. أجل كنت أسخر منهذا وذاك.. لم يسلم أحد منّي أحد حتى أصحابي.. صار بعض الناس يتجنّبني كي يسلم منلساني.

أذكر أني تلك الليلة سخرت من أعمى رأيته يتسوّل في السّوق... والأدهىأنّي وضعت قدمي أمامه فتعثّر وسقط يتلفت برأسه لا يدري ما يقول.. وانطلقت ضحكتيتدوي في السّوق..

عدت إلى بيتي متأخراً كالعادة.. وجدت زوجتي في انتظاري.. كانتفي حالة يرثى لها.. قالت بصوت متهدج: راشد.. أين كنتَ ؟
قلت ساخراً: فيالمريخ.. عند أصحابي بالطبع ..
كان الإعياء ظاهراً عليها.. قالت والعبرة تخنقها: راشد… أنا تعبة جداً .. الظاهر أن موعد ولادتي صار وشيكا ..

سقطت دمعة صامته على خدها.. أحسست أنّي أهملت زوجتي.. كان المفروض أن أهتم بها وأقلّل من سهراتي.. خاصة أنّها في شهرها التاسع .

حملتها إلى المستشفى بسرعة.. دخلت غرفة الولادة.. جعلت تقاسي الآلام ساعات طوال.. كنت أنتظر ولادتها بفارغ الصبر.. تعسرت ولادتها.. فانتظرت طويلاً حتى تعبت.. فذهبت إلى البيت وتركت رقم هاتفي عندهم ليبشروني.

بعدساعة.. اتصلوا بي ليزفوا لي نبأ قدوم سالم ذهبت إلى المستشفى فوراً.. أول ما رأونيأسأل عن غرفتها.. طلبوا منّي مراجعة الطبيبة التي أشرفت على ولادة زوجتي.
صرختُبهم: أيُّ طبيبة ؟! المهم أن أرى ابني سالم.
قالوا، أولاً راجع الطبيبة ..

دخلت على الطبيبة.. كلمتني عن المصائب .. والرضى بالأقدار .. ثم قالت: ولدك بهتشوه شديد في عينيه ويبدوا أنه فاقد البصر !!

خفضت رأسي.. وأنا أدافع عبراتي.. تذكّرت ذاك المتسوّل الأعمى الذي دفعته في السوق وأضحكت عليه الناس.
سبحان اللهكما تدين تدان ! بقيت واجماً قليلاً.. لا أدري ماذا أقول.. ثم تذكرت زوجتي وولدي .. فشكرت الطبيبة على لطفها ومضيت لأرى زوجتي ..

لم تحزن زوجتي.. كانت مؤمنة بقضاءالله.. راضية. طالما نصحتني أن أكف عن الاستهزاء بالناس.. كانت تردد دائماً، لاتغتب الناس ..

خرجنا من المستشفى، وخرج سالم معنا. في الحقيقة، لم أكن أهتم بهكثيراً. اعتبرته غير موجود في المنزل. حين يشتد بكاؤه أهرب إلى الصالة لأنام فيها. كانت زوجتي تهتم به كثيراً، وتحبّه كثيراً. أما أنا فلم أكن أكرهه، لكني لم أستطعأن أحبّه !

كبر سالم.. بدأ يحبو.. كانت حبوته غريبة.. قارب عمره السنة فبدأيحاول المشي.. فاكتشفنا أنّه أعرج. أصبح ثقيلاً على نفسي أكثر. أنجبت زوجتي بعدهعمر وخالداً.

مرّت السنوات وكبر سالم، وكبر أخواه. كنت لا أحب الجلوس في البيت. دائماً مع أصحابي. في الحقيقة كنت كاللعبة في أيديهم ..

لم تيأس زوجتي منإصلاحي. كانت تدعو لي دائماً بالهداية. لم تغضب من تصرّفاتي الطائشة، لكنها كانتتحزن كثيراً إذا رأت إهمالي لسالم واهتمامي بباقي إخوته.


تتبع ......


__________________
-------------------------------------


اطعمو الطعام ... وصلوا الارحام ... وصلو بالليل والناس نيام ... تدخلوا الجنة بسلام

******

عنـدما نعيش لذاتنـا تبدو الحياة قصيـرة وضئيلـة
أما عنـدما نعيش لغيـرنـا .. فتـُصبح الحيـاة طويلـة وعميقـة


******

مع تحياتى للجميع
د.فاطمه فيروز ( ام نور )

التعديل الأخير تم بواسطة عبير الايمان ; 06-06-2007 الساعة 08:30 PM.
رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 25.67 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 25.01 كيلو بايت... تم توفير 0.66 كيلو بايت...بمعدل (2.58%)]